كشفت موجة الاضطرابات التي شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات القليلة الماضية، منذ ما عُرف إعلاميًّا بما يسمَّى “الربيع العربي”، الوجه الحقيقي لتيارات فكرية وسياسية لطالما اتخذت من خطاب المظلومية ستارًا تخفي خلفه أجندات غير وطنية، وأفكارًا تحرِّض على العنف والهدم والقتل والتخريب.
ويأتي في مقدمة تلك التيارات تيار الإسلام السياسي الذي تعبِّر عنه جماعة الإخوان المسلمين وما يدور في فلكها من فروع لذلك التنظيم الإرهابي الدولي، وإن اتخذت أشكالًا ومسميات مختلفة باختلاف مناطق نشاطها ومساحة العمل التي تتحرك فيها، حيث يتراوح وضعها بين حركات وتنظيمات سياسية أمسكت بدفة السلطة، ولو جزئيًّا، في بعض البلدان وحركات حملت -ولا تزال- السلاح في وجه السلطة الشرعية والمؤسسات الدستورية، بل ضد الشعوب الرافضة لإرهابهم ومشروعهم التخريبي أيضًا.
المملكة ومهمة التصدِّي للفكر الإخواني المتطرِّف
لقد حملت المملكة العربية السعودية على عاتقها مهمة مقدسة تتمثل في الدفاع عن الدين الإسلامي والتصدي لكل مَن يحاول استغلال الدين الحنيف من أجل تحقيق غايات سياسية وأهداف مصلحية عبر قراءة مغلوطة ضالة مضللة، يتم من خلالها التغرير بعقول الشباب ونشر العنف والتخريب والإرهاب.
واعتمدت المملكة على مقاربة شاملة لمواجهة التنظيمات الإرهابية، لا تقتصر على معالجة أمنية فحسب، بل أيضًا قانونية وفكرية، وفي إطار تلك الجهود جاء إعلان الحكومة السعودية رسميًّا في مارس 2014 جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًّا، ضمن أول قائمة من نوعها تضم عددًا من المنظمات داخل وخارج المملكة، من أبرزها تنظيم القاعدة وفروعه في جزيرة العرب واليمن والعراق، وتنظيم “داعش”، وجبهة النصرة في سوريا، وحزب الله، وجماعة الحوثي.
كما أولت القيادة الرشيدة للمملكة أهمية كبرى لمسألة المواجهة الفكرية، إذ تطرَّق صاحب السمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز –حفظه الله- خلال لقاء تليفزيوني مع شبكة “سي بي إس” الإخبارية الأمريكية في عام 2018 إلى إشكالية غزو فكر جماعة الإخوان المسلمين لنظام التعليم في المملكة، متعهدًا بالقضاء على فكر عناصر جماعة الاخوان الذي غزا المدارس السعودية، مشددًا على أنه لا توجد دولة في العالم تقبل تعرُّض نظامها التعليمي لغزوٍ من أي جماعة متطرفة.
وعقب ذلك تسارعت جهود إعادة صياغة المناهج وتطوير الكتب المدرسية، وضمان خلوِّها من شوائب منهج جماعة الإخوان الإرهابية، فضلًا عن إبعاد كل مَن يتعاطف مع الجماعة أو فكرها أو رموزها عن أي منصب إشرافي أو تعليمي.
هيئة كبار العلماء تقدِّم رؤية شرعية واضحة لمواجهة الجماعة الضالة
وفي حلقة جديدة من حلقات المواجهة الفكرية ضد الجماعة الإرهابية وأتباعها، يأتي بيان هيئة كبار العلماء السعودية الصادر في 10 نوفمبر 2020م، الذي أكد أن جماعة الإخوان المسلمين لا تمثل منهج الإسلام، مشيرًا إلى خروج جماعات إرهابية متطرفة من رَحِم الإخوان.
وقد جاء بيان هيئة كبار العلماء ليقدِّم رؤية واضحة مشفوعة بالأسانيد والأدلة الشرعية، مؤكدًا على عدد من النقاط من أبرزها:
- أن جماعة الإخوان تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهَدْي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب.
- التأكيد على أن كل ما يؤثر على وحدة الصف حول ولاة أمور المسلمين من بثِّ أفكارٍ أو تأسيس جماعاتٍ ذات بيعة وتنظيم أو غير ذلك، فهو محرَّم بدلالة الكتاب والسُّنة.
- التحذير من جماعة الإخوان، كونها جماعة منحرفة، قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، ووصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية.
- الإشارة إلى أنه منذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسُّنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم.
- تاريخ هذه الجماعة مليءٌ بالشرور والفتن، ومن رَحِمها خرجت جماعاتٌ إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فسادًا ممَّا هو معلوم ومُشاهَد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم.
- دعوة للحذر من الجماعة والانتماء إليها أو التعاطف معها.
ومن خلال قراءة تحليلية لفحوى البيان يمكن استخلاص أهدافه في النقاط التالية:
إظهار حقيقة الجماعة الإرهابية التي لطالما سعت على مدى أكثر من 9 عقود إلى تشكيل صورة ذهنية تقوم على أنها جماعة دعوية وخدمية، ليس لها أي أطماع في الحكم أو السلطة.
وبلا شك فإن الواقع يدحض هذه الصورة التي دأبت الجماعة الإرهابية على ترويجها ويكشف زيفها، حيث أظهر سلوك الإخوان منذ عام 2011 حقيقة مشروعهم السياسي وأطماعهم في السلطة، وسعيهم لاستخدام النظام الديمقراطي كسُلَّمٍ من أجل الوصول إلى السلطة، ومن ثم الانقلاب على القواعد الحاكمة والمنظِّمة للحياة السياسية بعد تحقيق أهدافهم.
ولعل ما يحدث في ليبيا على يد الميليشيات الإخوانية خير شاهد على ذلك السلوك الانتهازي، كما أن الهجمات الإرهابية الإخوانية في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013 التي خرج فيها الشعب المصري ليسقط حكم الجماعة ويُنهي مشروعها في المنطقة، دليل آخر على أن العنف عند الإخوان المسلمين مكوِّن أصيل في صميم العلاقة التي تربط الجماعة مع باقي مكونات المجتمع الذي يحتويهم، بينما المُهادَنة مجرد تكتيك مرحلي.
تسليط الضوء على المنهج المُعْوَج لجماعة الإخوان، والذي يقوم على إحداث الفرقة وشق الصف داخل المجتمع عبر ترويجها لفكرة البيعة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن تلك الفكرة تعد بمثابة أداة أساسية تستخدمها الجماعة في تجنيد العناصر وضمان الانصياع الكامل لأوامرها وتوجيهاتها.
كما تضمن البيان نقدًا واضحًا للفكر المضلِّ لجماعة الإخوان الذي يشكِّك في المجتمعات المسلمة التي تخالف توجُّه الجماعة، ولا يتورَّع الإخوان عن وصف هذه المجتمعات بالجاهلية، ممَّا يعني في الأخير أن الجماعة تعتنق فكرًا قائمًا على تكفير الآخر الذي تختلف معه.
ويمكن القول بأن كتاب “معالم في الطريق” للقيادي الإخواني سيد قطب، يعد المرجع الرئيسي لدى كل الجماعات التكفيرية المعاصرة، فسيد قطب هو منظِّر ومؤسِّس الفكر التكفيري، و”الإخوان” هي الجماعة الأم التي خرج من رحمها كل قادة الجماعة الإرهابية مثل القاعدة وداعش.
تقديم قراءة واعية دقيقة لخطورة الجماعة، حيث تعكس دعوة هيئة كبار العلماء في المملكة إلى الحذر من الجماعة أو الانتماء إليها أو التعاطف معها، خطورة هذه الجماعة الضالة وعناصرها التي تكنُّ حقدًا وكراهيةً للأوطان، فهم عديمو الولاء، والولاء الوحيد الذي يدينون به لمرشدهم، عبر رابطة تقوم على البيعات الحزبية، وكسر روح الولاء والانتماء للوطن الحقيقي واستبدال وطن بديل وهمي به، هو التنظيم.
وأخيرًا.. يتضح ممَّا سبق أن جماعة الإخوان الإرهابية اقترفت العديد من الجرائم بحق الدين والأوطان والشعوب، فهي تمارس أفعالًا تشوِّه صورة الإسلام وتنشر الخراب والدمار، فالشريعة الإسلامية تدعو إلى نبذ كل فعل يؤدي إلى الكراهية والتناحر، وترفض الأفكار الهدَّامة والمتطرِّفة التي ترهب الناس وتهدد أمنهم، وتعيث في الأرض فسادًا، أمَّا ما تروِّج له جماعة الإخوان فهو إفساد في الأرض.
كما أن جماعة الإخوان ترتدي لباس الدين لدغدغة المشاعر من أجل تحقيق أغراضهم الدنيئة والوصول إلى سدة الحكم، فإذا ما نَبَذَهم المجتمع وكشف فساد منهجهم لجؤوا إلى التخريب والتدمير وإثارة البلبلة ونشر الشائعات والفتن من أجل تهديد الاستقرار.