حظي دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في حماية البيئة خلال الأعوام القليلة الماضية باهتمامٍ كبيرٍ من جانب الحكومات والمنظمات الدولية، في ظل تزايُد مظاهر تغير المناخ، حيث زيادة درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر وتواتر حدوث الفيضانات والعواصف، ممَّا يؤثر أيضًا في توازن النُّظُم البيئية وإمدادات المياه والغذاء والصحة العامة والصناعة والزراعة والبنية التحتية.
وأدت تلك العوامل إلى إظهار أهمية استغلال التكنولوجيا في الحفاظ على النظام البيئي وحمايته من خلال تطبيق المعايير البيئية في كل من عملية الإنتاج والاستهلاك، وهو ما يعرف باسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء أو الحَوْسَبَة الخضراء.
ويبرز الدور المُلْقَى على عاتق المؤسسات في الحفاظ على البيئة من خلال كفاءة استخدام الموارد وتقليل النفايات الإلكترونية، وزيادة عملية إعادة التدوير، وإنتاج كميات أقل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ويعتمد قرار اعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء على الفوائد والاستثمارات المتوقعة، وكذلك على التكاليف والقدرة التنافسية والدعم المالي وخصائص ومهارات المديرين والموظفين.
العلاقة بين تقنيات المعلومات والاتصالات والبيئة
تشير دراسة نشرتها مجلة “Sustainability” العلمية إلى أن النظريات المتعلقة بمفهوم البيئة الخضراء والاستدامة بدأت في التأثير على تفضيلات السوق والمستهلكين منذ السبعينيات في الولايات المتحدة، مع ظهور مفهوم التسويق الاجتماعي الحضاري، فقد تمكنت المنظمات المهتمة بحماية البيئة خلال تلك الفترة من إقناع المستهلكين بأن يكونوا أكثر صداقة للبيئة عبر اتباع بعض السلوكيات.
ولاحقًا ظهرت مفاهيم جديدة مثل الابتكار الإيكولوجي (تغيير التكوينات والنهج لدى الشركات والأفراد من أجل الحفاظ على البيئة) والتنمية المستدامة وصداقة البيئة، وأصبح نجاح مثل هذه المفاهيم ظاهرة اجتماعية رئيسية، مدعومة من قِبَل المنظمات غير الحكومية المعنية بحماية البيئة على الصعيدَيْن الوطني والدولي.
وكان من الطبيعي أن تؤثر الاهتمامات البيئية في مجال تقنيات المعلومات والاتصالات، ففي عام 2007، أصدرت مؤسسة جارتنر للأبحاث دراسة أظهرت أن الكمية الإجمالية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكن أن تصل إلى 2% من انبعاثات الكربون العالمية. في حين أنه من المسلَّم به أن تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي أداة لاستراتيجية حماية البيئة العالمية وأنها توفر إمكانات هائلة لتحسين الأداء عبر الاقتصاد والمجتمع، لأنها تتعلق بنسبة 97-98% المتبقية، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وتعالج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء اهتمامات المطوِّرين ومستخدمي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لحل المشكلات البيئية، فهي تلعب دورًا إيجابيًّا من خلال إتاحة مجموعة كبيرة من تطبيقات المراقبة والإدارة، وزيادة كفاءة الطاقة في الإنتاج والاستخدام، والإشراف على المنتجات وإعادة التدوير.
ويؤدي تطوير منتجات وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصديقة للبيئة إلى تقليل الآثار السلبية على البيئة.
إسهام المعلوماتية الخضراء في الحفاظ على البيئة
ووفقًا لدراسة نشرتها مجلة “Journal of Agricultural Informatics“، فإن أبعاد إسهام المعلوماتية الخضراء في الحفاظ على البيئة والاستدامة البيئية تتمثل في:
تقليل استهلاك الطاقة والبصمة الكربونية أثناء الإنتاج، حيث يمكن أن يتم الحد من استهلاك الطاقة وانبعاثات الغاز من خلال ابتكار أنظمة لتوفير الطاقة وتقنيات وأجهزة ذكية لإدارة الطاقة، واستخدام المصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية والطاقة الكهروضوئية، وطاقة الرياح، والوقود الحيوي، وتكنولوجيا مكافحة الملوثات، وأيضًا القيام بإعادة تدوير وتقليل النفايات الإلكترونية مثل أنظمة تكنولوجيا المعلومات القديمة، وأجهزة الكمبيوتر والطابعات والهواتف المحمولة، وما إلى ذلك.
زيادة الوعي البيئي من خلال نشر المعلومات والتدريب والتعليم، وهي خطوة تسهم في مساعدة الأشخاص على فهم القضايا والسياسات البيئية الحالية التي يتم ممارستها على مستوى العالم، من خلال العديد من المنصات، فهناك الآلاف من مواقع الإنترنت الخاصة، والمدونات والمنتديات ومجموعات الشبكات الاجتماعية، واستطلاعات الرأي على الإنترنت التي تشارك المعلومات البيئية.
كما أن بعض حزم برامج التعلُّم عبارة عن ألعاب تعليمية بجانب اللجوء إلى الفصول الدراسية الإلكترونية والتعلُّم عن بُعد.
توفير الاتصال الفعَّال للمشروعات والشبكات البيئية، إذ يتطلب نجاح المشروعات البيئية التواصل الفعَّال بين المشاركين من أصحاب المصلحة على المستويين، المحلي والإقليمي، وتأمين ذلك من خلال أدوات وخدمات المعلوماتية الخضراء المبتكرة التي تؤمِّن تدفُّق المعلومات من أجل قابليتها للتطبيق والتواصل السريع والآمن.
تحقيق الإدارة البيئية المستدامة، فقد أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء السبيل للنهوض بأداء الحكومات فيما يتصل بتوفير المعلومات وتقديم الخدمات، وتشجيع مشاركة المواطنين في عملية صُنع القرار لجعل الحكومة أكثر مسؤولية وشفافية وفعالية. فتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من العناصر الرئيسية التي تدعم نمو مبادرات واستراتيجيات الحوكمة الإلكترونية.
ومن خلال استخدام الأجهزة المحمولة الإلكترونية، يمكن حل المشكلات البيئية وضمان الإدارة البيئية المستدامة من خلال البيانات البيئية.
ويشير تقرير لشركة “إرنست ويونغ” للاستشارات إلى أن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل النمو المستدام هو عملية محددة تركز على “التخضير باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ووضع التقرير ستة مجالات كأولويات في هذا الإطار وهي: كفاءة الطاقة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمدن الذكية المستدامة والمباني الموفِّرة للطاقة والشبكات الذكية وإدارة المياه وإدارة تغير المناخ.
المراقبة البيئية: تعمل الشبكات الإلكترونية على دمج التقنيات الجيومكانية التي تهدف إلى استدامة شبكات المراقبة الزراعية والبيئية، حيث يمكن أن يساعد الاستشعار عبر الشبكات اللاسلكية في جمع سلاسل زمنية من البيانات البيئية من الأماكن البعيدة. ومن ثم إرسالها تلقائيًّا إلى قواعد البيانات المحلية في المعاهد والمختبرات ليتم رصد وتحليل المعايير البيئية الحساسة وإنتاج الرسوم البيانية المرئية باستمرار للمقارنة، حيث يوفر تحليل البيانات نماذج محاكاة تحاكي الواقع البيئي بشكل فعَّال.
المنازل والشبكات الذكية مشروعات أوروبية لتعزيز المعلوماتية الخضراء
أَوْلَت العديد من المنظمات الدولية اهتمامًا بالغًا بتعزيز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء، حيث أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توصيات تركز على الكيفية التي يمكن بها لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تحسين البيئة ومعالجة تغير المناخ.
وقد حددت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بأنها “عامل تمكين رئيسي للنمو الأخضر في جميع قطاعات الاقتصاد”.
ويخطط الاتحاد الأوروبي لاقتصاد منخفض الكربون، ووضع أهدافًا في سبيل تحقيق ذلك، من أبرزها تقليل انبعاثات الكربون بنسبة 20%، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في استهلاك الطاقة إلى 20% وتوفير 20% من استهلاك الطاقة في الاتحاد الأوروبي.
وتشير منظمة يوريسكوم المعنية بإدارة مشروعات البحث والتطوير الأوروبية في مجال الاتصالات إلى أنه من أهم المبادرات الرائدة في هذا الإطار تلك المتعلقة بالمنازل الذكية، بحيث تتحكم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التدفئة والأجهزة المنزلية لتعظيم كفاءة الطاقة.
وتدعم المفوَّضية الأوروبية مشروعًا بحثيًّا يسمَّى “BeyWatch” يهدف إلى توفير مراقبة ذكية للطاقة وموازنة الطلب على الطاقة للمنازل والأحياء، مع العمل على تحفيز وعي المستخدم نحو تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. فضلًا عن مشروع آخر هو “الشبكة الذكية والمنزل الذكي” حيث تمكِّن تقنية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الذكية المتصلة بالشبكة المنازلَ الذكية من التواصل والتفاعل مع كلٍّ من العملاء وأجهزة الطاقة في شبكة الطاقة المحلية لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة الكلية للطاقة.
عقبات أمام تحوُّل المؤسسات إلى استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء
وعلى الرغم من أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء تقدم العديد من الفوائد، فإن هناك عددًا من التحديات التي تواجه مرحلة التنفيذ، كما هو الحال مع جميع التغييرات التي تحدث في المؤسسات.
وتشير دراسة لجامعة ستراثكلايد الأسكتلندية إلى أن التحدي الرئيسي يتمثل في غياب النظرة الشاملة، فعلى سبيل المثال عند شراء معدات جديدة، نادرًا ما يكون الشخص الذي سيستخدم المعدات هو المسؤول عن الشراء، لذلك يكون القائم بالعملية مهتمًّا في الغالب بالسعر، وليس التكاليف التشغيلية أو كفاءة الطاقة.
ومن بين التحديات أيضًا نقص التمويل والدعم من الإدارة، ونقص المعرفة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء وكيف يمكن تنفيذها، وعدم وجود شخص مسؤول يمكنه مراقبة جهود تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء وتنسيقها، حيث يمكن أن يساعد تعيين شخص أو مجموعة ليكونوا مسؤولين عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء في تكوين نظرة عامة أفضل على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء في جميع أجزاء المؤسسة ووجود قدر أكبر من المساءلة لكل من يعمل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات..
فالاستثمارات في المعدات والتقنيات الأكثر مراعاةً للبيئة غالبًا ما تؤتي ثمارها بسرعة كبيرة بسبب الكفاءة المحسنة، لكن المنظمات إما غير مدركة لهذه الحقيقة، وإمَّا أنها لا تستطيع توفير بند في ميزانيتها لتمويل ذلك التحول، وترتبط مشكلة التكلفة بعدم وجود رؤية شاملة داخل المؤسسات لأهمية ذلك التحوُّل.
وتأسيسًا على ما سبق.. تعد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء ذات أهمية حاسمة لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة من خلال الأعمال المصرفية الخضراء، والتجارة الخضراء، والحوكمة الخضراء، والمباني الخضراء.
كما أنها تلعب دورًا رئيسيًّا في حماية البيئة والاستدامة البيئية والتعليم البيئي والتنمية الريفية المستدامة. وتعمل تقنية المعلومات الخضراء على تصنيع مواد ومنتجات ذات تأثير أقل على البيئة، وتقليل استهلاك الطاقة وإعادة التدوير بشكل أفضل.
لكن تبقى حقيقة رئيسية، هي أن المعلوماتية الخضراء لا يمكن أن تحل محل الأشخاص وسلوكهم الذي لا يزال يشكل العامل الأكثر أهمية في حماية البيئة وتحقيق الاستدامة البيئية.