قراءات

التشريعات ذات الصلة بمواقع التواصل الاجتماعي حول العالم.. نظرة فاحصة

شكَّلت المخاوف المرتبطة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بينها الخصوصية وحماية البيانات وخطاب الكراهية والتحريض وقضايا حقوق النشر والملكية الفكرية عوامل محرِّكة لمسألة تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي.

وتتميز طبيعة وسائل التواصل الاجتماعي بالتقارب والمشاركة والانفتاح وتجاوز الحدود الوطنية، وقد طرح نموُّها تحديات لسياسة وسائل الإعلام التقليدية وكذلك لعملية إصدار التشريعات المعنية بتنظيم عمل تلك المنصات ومحتواها، الأمر الذي يثير قضايا قانونية جديدة ذات طبيعة جنائية ومدنية حول العالم.

قوانين مواقع التواصل الاجتماعي وقضايا الخصوصية والملكية الفكرية

وتشير دراسة نشرتها مجلة «International Communication Gazette» إلى أنه لطالما كانت مسألة تنظيم منصة التواصل الاجتماعي مثيرة للجدل، وذلك لأن تشغيلها في نطاق أوسع ينطوي على شكل من أشكال التواصل عبر الحدود، وهذا هو أحد أسباب صعوبة تنظيم هذه المنصة، نظرًا لأن البلدان المختلفة لها ثقافات مختلفة، فمن المحتمل أن يكون المعنى ذاتيًّا فيما يتعلق بثقافة المجتمع أو معياره.

ووفقًا لمكتب (Winston & Strawn LLP – شركة محاماة دولية( فإن قانون وسائل التواصل الاجتماعي هو مجال متطوِّر في القانون يشمل الجوانب الجنائية والمدنية. فهو يغطي بشكل عام القضايا القانونية المتعلقة بالمحتوى الذي ينشئه المستخدم والمواقع عبر الإنترنت التي تستضيفه أو تنقله.

وتوجد بعض المخاوف القانونية التي تثيرها وسائل التواصل الاجتماعي وتتصل بالخصوصية، بما في ذلك حقوق مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والأطراف الثالثة، على سبيل المثال، نشر الصور واستخدامها على الإنترنت دون إذن من الأشخاص الذين تم تصويرهم، والتشهير، وقانون الدعاية، وقانون الملكية الفكرية، حيث يمكن أن تنتهك المواد التي يتم مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي حقوق الطبع والنشر أو العلامة التجارية أو حقوق الملكية الفكرية الأخرى.

ويشير موقع HG.org المتخصص في المعلومات القانونية، إلى أن الطريقة التي قوَّضت بها التكنولوجيا الحق في الخصوصية كانت أحد أكبر مجالات الاهتمام في السنوات الأخيرة، فمواقع التواصل الاجتماعي باتت مطَّلِعةً على إحصائيات الاستخدام الخاصة بالمستخدم، وموقعه عبر التطبيقات الاجتماعية للهاتف المحمول.

كما تثير منصات التواصل الاجتماعي قلقًا متزايدًا بشأن حقوق الملكية الفكرية، ففي حين أن العديد من العلامات التجارية تستفيد من التطرُّق إلى منتجاتها في وسائل التواصل الاجتماعي، يصبح الأمر أكثر صعوبة عندما يبدأ المستخدمون في تداول أعمال تتضمن حقوق ملكية فكرية وإعادة استخدامها دون تصريح وهو ما قد يشمل كتابات محميَّةً بحقوق الطبع والنشر، أو مشاركة أغانٍ أو استخدام مقاطع فيديو من أفلام.

تجارب دولية لتنظيم محتوى وعمل مواقع التواصل الاجتماعي

وقد لجأت العديد من الدول حول العالم إلى مواكبة التطورات التي شهدها الفضاء الإلكتروني، عبر استحداث تشريعات تتعلق بتنظيم تداول البيانات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومكافحة الجرائم الإلكترونية التي قد تحدث عبر تلك المنصات، ومن أبرز تلك التجارب:

ألمانيا

استحدثت ألمانيا قبل 3 سنوات قانونًا لحماية الحقوق على شبكات التواصل الاجتماعي (NetzDG) حيث دخل حيِّز التنفيذ في 1 أكتوبر 2017، ويخاطب هذا القانون شركات مواقع التواصل الاجتماعي  التي يزيد عدد المستخدمين المسجَّلين فيها على مليوني مستخدم في ألمانيا.

ويلزم القانون الشركات أن تُزيل أي محتوى “غير قانوني بشكل واضح” مثل مقاطع الفيديو أو التعليقات خلال 24 ساعة من تلقِّي الإشعار بشأن هذا المحتوى. وفي حال كان من الصعب البتُّ في مشروعية المحتوى، يمنح عادةً موفِّر الخدمة فترة تصل إلى أسبوع حتى يصدر قرارًا، وقد يستغرق الأمر مدة أطول في حالات استثنائية.

كما يلزم القانون منصات التواصل الاجتماعي بإعداد تقرير عن التعامل مع هذه الشكاوى يسمى تقرير الشفافية، حيث يتم نشره بشكل نصف سنوي (كل 6 أشهر). ويفرض غرامات على الأفراد حتى 5 ملايين يورو والشركات تصل إلى 50 مليون يورو في حال انتهاك القانون أو عدم الامتثال لهذه المتطلبات.

وفي يوليو 2019، أصدرت الحكومة الألمانية أول غرامة بموجب القانون الجديد على فيسبوك، حيث اضطرت الشركة إلى دفع مليوني يورو بسبب عدم الإبلاغ عن نشاط غير قانوني على منصاتها في ألمانيا، على الرغم من شكوى الشركة من عدم وضوح القانون الجديد، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي”.

الاتحاد الأوروبي

لجأ الاتحاد الأوروبي أيضًا إلى آلية الغرامات من أجل إزالة المحتوى المتطرِّف مع هامش زمني ضيِّق لتطبيق الإزالة، حيث يتطلب القيام بذلك خلال ساعة من وقت الإبلاغ، كما أصدر الاتحاد الأوروبي أيضًا اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)  التي دخلت حيِّز التنفيذ في 25 مايو 2018، وتحدد تلك اللائحة قواعد كيفية قيام الشركات بما في ذلك منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بتخزين واستخدام بيانات الأشخاص.

كما تلزم المادة 13 من اللائحة منصات التواصل الاجتماعي بضمان ألَّا يكون المحتوى المتداوَل عليها يمثِّل انتهاكًا لقواعد النشر وقت تحميله.

واتخذ الاتحاد الأوروبي كذلك إجراءات بشأن حماية حق المؤلف، حيث يضع المسؤولية على مواقع التواصل الاجتماعي للتأكُّد من عدم استضافة المحتوى الذي ينتهك حقوق النشر على منصاتهم بعدما كان التشريع السابق يتطلَّب فقط من المنصات إزالة مثل هذا المحتوى إذا تم الإبلاغ عنه.

وأمام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مهلة حتى مطلع العام المقبل 2021 لتنفيذ هذا الأمر التوجيهي في قوانينها المحلية.

أستراليا

أصدرت أستراليا قانونًا حول مشاركة المواد العنيفة في عام 2019، حيث يفرض عقوبات جنائية على شركات التواصل الاجتماعي، وعقوبات محتملة بالسجن لمديري التكنولوجيا لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وعقوبات مالية تصل إلى 10% من حجم عوائد تلك الشركات العالمية. وجاء ذلك في أعقاب البث المباشر على فيسبوك لإطلاق النار في مسجدي كرايستشيرش ممَّا أدَّى لاستشهاد 50 مصلِّيًا.

واهتمت أستراليا أيضًا بدور المؤسسات والجهات التنظيمية في الدولة في التصدي لمخاطر مواقع التواصل، ففي عام 2015، استحدث قانون تعزيز الأمان على الإنترنت مفوضًا للسلامة الإلكترونية يتمتع بصلاحية مطالبة شركات التواصل الاجتماعي بإزالة المنشورات المسيئة.

ويمكن لمكتب مفوَّض السلامة الإلكترونية إصدار “إشعارات إزالة” للشركات لكي تقوم بإزالة المحتوى خلال 48 ساعة، مع فرض غرامات تصل إلى 525 ألف دولار أسترالي. ولكن يمكن أيضًا أن تفرض غرامة على الأفراد تصل إلى 105 آلاف دولار أسترالي لنشر المحتوى.

وقد تم تقديم التشريع بعد انتحار شارلوت داوسون، مقدمة البرامج التليفزيونية في عام 2014 بعد حملة من التنمُّر الإلكتروني ضدها على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”.

 روسيا

تنظر السلطات الروسية إلى أمن المعلومات كجزء لا يتجزأ من الأمن القومي، وتؤكد عقيدة الحكومة لأمن المعلومات أهميةَ تنظيم الإنترنت داخل حدود الاتحاد الروسي، وقد اعتمدت روسيا استراتيجية لتطوير مجتمع المعلومات للفترة من 2017 إلى 2030. ويتمثل أحد الأهداف المعلنة للاستراتيجية في إنشاء بيئة معلومات آمنة تسهم في نشر القِيَم الروحية والأخلاقية التقليدية الروسية.

وقد عرَّفت التعديلات التي أُدخلت على قانون المعلومات في مارس 2019 الأخبار المزيَّفة بأنها معلومات كاذبة “ذات أهمية اجتماعية” يتم توزيعها تحت ستار الرسائل الصادقة التي تعرِّض حياة الناس أو صحتهم أو ممتلكاتهم للخطر؛ وتؤدي إلى خلق احتمالات لانتهاكات جماعية للنظام أو الأمن العام.

كما يمنح قانون الإنترنت السيادي الصادر عام 2019 الجهات التنظيمية سلطة قطع الاتصال بشبكة الإنترنت العالمية في حالة الطوارئ، كما تفرض قوانين البيانات الروسية منذ عام 2015 على شركات التواصل الاجتماعي تخزين أي بيانات عن الروس على خوادم داخل الدولة، كما قامت هيئة مراقبة الاتصالات التابعة لها بحجب موقع “لينكد إن” وفرضت غرامات على فيسبوك وتويتر لعدم توضيحهما كيفية التخطيط للامتثال لهذا الأمر.

استنتاجات وتوصيات بشأن تنظيم مواقع التواصل الاجتماعي

يعد الهدف من استعراض التشريعات المنظمة لمواقع التواصل الاجتماعي، تحسينَ فهم استراتيجيات التدخل المحدودة والأكثر شمولًا وتقييم جدواها لمعالجة الجدل الذي يحيط بصناعة هذه الشبكات الاجتماعية.

وقد اعتمدت كل التشريعات على الغرامات المالية المغلَّظة كأداة رئيسية لمواجهة المخالفات التي تحدث على مواقع التواصل، كما أن تلك التشريعات تظهر أن فكرة التنظيم الذاتي من قِبَل منصات التواصل الاجتماعي ليست كافية، فلا بد من الاستعانة بأدوات تنظيمية إضافية مثل استحداث هيئات تنظيمية تعمل على متابعة محتوى مواقع التواصل الاجتماعي بالتعاون مع المنصات من أجل الإبلاغ عن أي محتوى مسيء أو يحض على العنف والكراهية وسرعة التعامل معه وإزالته.

من جهة أخرى، فإن تزايُد الدور الذي يلعبه المشاهير والمؤثرون، على مواقع التواصل الاجتماعي يستلزم وضع مدوَّنة سلوك أخلاقية توجِّه وتحكم تصرفاتهم على تلك المواقع مماثلة لمدوَّنات السلوك الخاصة بممارسي العمل الإعلامي والصحفيين، فمثل هذه المدوَّنة تعد خطوة على طريق تحقيق الانضباط  وتجنُّب الرسائل التي من شأنها أن تخلَّ بسلامة المجتمع.

وأخيرًا.. ثمة ملاحظة تتعلق بالمؤثرين في الواقع العربي، ألا وهي أن تَنَامِي دورهم في عمليات التسويق يستلزم تنظيم عملهم من أجل ضمان الشفافية لحماية باقي المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعي من خطر الاستغلال والتضليل، فضلًا عن تشكيل قنوات اتصال مع هؤلاء المؤثرين بغية الاستفادة من حجم المتابعة الذي يحظون به في النفاذ للجمهور، فضلًا عن شق أكاديمي يتعلق بإجراء المزيد من الدراسات والبحوث الإعلامية حول سمات هؤلاء المؤثرين وكيفية استغلالهم لتلك الشهرة.

زر الذهاب إلى الأعلى