تقارير

كيف تؤثر منصات التواصل الاجتماعي في أدمغة المستخدمين؟

أضحت وسائل التواصل الاجتماعي باختلاف أنماطها وسيلة أساسية لكسر الملل وتغيير الحالة المزاجية، وتحقيق العديد من الإشباعات المختلفة لدى المستخدمين. ويعمل التدفُّق اللامتناهي للاتصال والتواصل الذي توفره وسائل التواصل الاجتماعي على تغيير طريقة تفكير الأفراد واستيعابهم للمعلومات، كما يسهم في تطوير عادات المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكن أن تفيد أو تضر عقولهم.

وأدت تلك الأبعاد إلى بروز جهود أكاديمية من جانب العلماء المتخصصين في الأعصاب لدراسة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الدماغ، ومعرفة كيف يمكن لهذه الوسائل أن تحدث تغييرًا في أدمغة المستخدمين، وهو ما ينعكس على القدرات الانتباهية، وعمليات الذاكرة، والتفاعل بين الحياة الاجتماعية الافتراضية والحياة الاجتماعية في الواقع الفعلي.

دوافع النشر على مواقع التواصل الاجتماعي

يختار الأشخاص مواد مختلفة للنشر على منصات التواصل الاجتماعي، فعندما يريدون نشر الصور، فإنهم يميلون إلى اختيار إنستغرام وعندما يريدون نشر أجزاء نصية قصيرة ينتقلون إلى تويتر، إلا أن تلك التفسيرات لا تتطرق إلى العوامل النفسية التي تحدد ما يتم نشره وما لا يتم نشره.

وقد قدم موقع Medium في مقال بعنوان “علم نفس المشاركة الاجتماعية”، عددًا من الدوافع النفسية المحتملة للنشر ومشاركة المحتوى، مستوحاة نوعًا ما من التسلسل الهرمي للاحتياجات البشرية، الذي طرحه عالم النفس الأمريكي الشهير أبراهام ماسلو، وقد جاءت الدوافع كالتالي:

  •  الاحتياجات الفسيولوجية: حيث ينشر الأشخاص في بعض الأحيان بغية الحصول على الرعاية من أصدقائهم وعائلاتهم.
  •  السلامة: تعتبر السلامة الجسدية والنفسية والمالية عاملًا مهمًّا بالنسبة للأشخاص، عند اختيارهم نشر بعض المواد على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
  •  الحب والانتماء: يرغب المستخدمون عمومًا في النشر ليشعروا بنوع من القبول الاجتماعي من مجموعة أو فرد معين.
  •  التقدير: يريد الأشخاص تهدئة الأجزاء الموجهة للمكافآت في أدمغتهم، ممَّا يساعد في تفسير سبب نشر الأشخاص بانتظام للمحتوى المتمركز حول ذواتهم.
  •  تحقيق الذات: يتجلى هذا الجانب من النشر على وسائل التواصل الاجتماعي عندما يشارك الأشخاص نجاحاتهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عند الحصول على وظيفة جديدة، أو الانتهاء من مشروع شاق، أو التخرج في المدرسة أو الجامعة.

تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي في أدمغة المستخدمين

وتؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في وظائف الدماغ المختلفة بطرق فريدة، فهي تحتوي على العديد من المثيرات التي يمكن أن تؤدي إلى ردود فعل مختلفة، فعلى سبيل المثال، تؤثر الأبعاد الإيجابية الناتجة عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في أجزاء متعددة من الدماغ، فوفقًا لمقال نُشر في دورية علم الأعصاب الاجتماعي المعرفي والوجداني، فإن تراكم الإعجابات على فيسبوك وتويتر وإنستغرام يؤدي إلى تنشيط في دائرة المكافأة في الدماغ.

ويوضح المقال دور المنطقة السقيفية البطنية (VTA) وهي أحد الأجزاء الأساسية المسؤولة عن تحديد نظام المكافآت في الجسم، فعندما يتلقى مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي ردود فعل إيجابية (الإعجابات)، فإن أدمغتهم تطلق مستقبلات الدوبامين من هذه المنطقة من الدماغ ممَّا يؤدي إلى الشعور بالنشوة والفرح، أي المكافأة.

كما وجدت دراسة أخرى استخدمت تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي لمراقبة نشاط الدماغ، نتائج مماثلة، فعندما قام الباحثون بتحليل أدمغة المراهقين الذين يتصفحون إنستغرام، وجدوا أن مشاهدة الصور مع الكثير من الإعجابات كانت مرتبطة بنشاط أكبر في المناطق العصبية المسؤولة عن المكافآت والإدراك الاجتماعي والتقليد والانتباه.

من جهة أخرى، يمكن أن تؤثر محفِّزات الوسائط الاجتماعية في وظائف صُنع القرار والمعالجة العاطفية في الدماغ، وقد خلصت دراسة نشرتها مجلة “Psychological Science” عام 2016  إلى أن أجزاء الدماغ التي تتعامل مع المعالجة العاطفية والحسية لدى المراهقين استجابت بشكل ملحوظ عندما شعر المشاركون بالاستبعاد الاجتماعي عبر الإنترنت، ويقصد به استبعاد مستخدمي المنصات من المجموعات أو المحادثات أو الأحداث عبر الإنترنت.

كما أن حجم شبكة التواصل الاجتماعي الخاصة بالشخص على الإنترنت يمكن أن تغير عقله بطريقة جيدة، فقد كشفت دراسة نُشرت في مجلة “وقائع الجمعية الملكية.. العلوم البيولوجية” أن “عدد جهات الاتصال على مواقع التواصل الاجتماعي الرئيسية على شبكة الإنترنت يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمناطق محورية في الدماغ.

ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين لديهم شبكات اجتماعية كبيرة على الإنترنت كانوا أفضل في تكوين الذكريات، وأكثر عرضة لتذكر الأسماء والوجوه من أولئك الذين لديهم شبكات أصغر.

كما يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي تحسين الذاكرة، فهي على العكس من ألبومات الصور القديمة التي يتم سحبها من على الرف فقط في التجمعات العائلية.

وترى الدكتورة تشي وانغ، أستاذة ورئيسة قسم التنمية البشرية بجامعة كورنيل الأمريكية، أن الأحداث التي يتم نشرها على الإنترنت كانت أكثر عرضة للتذكر من تلك التي لم تُنشر” كما يمكن أن تؤدي المنشورات التي تتضمن صورًا على منصات التواصل الاجتماعي إلى تحسين استرجاع الذاكرة بشكل كبير.

في المقابل، يوجد عدد من التداعيات السلبية المترتبة على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لفترات طويلة، ومن أبرزها:

  •  تقلل من مدى انتباه المستخدم، إذ وجدت دراسة منشورة في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة كان أداؤهم أسوأ في قدرتهم على التحوُّل بشكل فعَّال من مهمة إلى أخرى مقارنة بمن يستخدمون تلك المواقع بشكل معتدل أو خفيف، وأوضح مؤلفو الدراسة أن “هذه النتائج تشير إلى أن الاستخدام الكثيف يشتت الانتباه بسبب التدفقات المتعددة للوسائط التي يستهلكونها”.
  •  تجعل من المستخدم شخصًا تابعًا، فقضاء الكثير من الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي ينشط عقلية القطيع، ممَّا يعني فقدان الفرد القدرةَ على التفكير بنفسه  وتكوين آرائه الخاصة،  لأنه على الأرجح سيتماشى مع ما هو أكثر شيوعًا.
  •  العبث بالجهاز العصبي، ويحدث ذلك إذا كنت تعتقد أن هاتفك يهتز بينما في الحقيقة هو ليس كذلك، وهو ما يسمى بـ”متلازمة الاهتزاز الوهمية”. ووفقًا لدراسة نشرت في مجلة “Computers In Human Behavior“، فإن هذا يعني أن جهازك العصبي شديد الحساسية ويتفاعل حتى عندما لا يهتز هاتفك، وهو شكل من أشكال اليقظة المفرطة.

العلاقة بين مدة تصفُّح مواقع التواصل وتأثيرها في الدماغ

يؤدي تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي إلى تنشيط عدة مناطق من الدماغ في وقت واحد، من خلال تحفيز مناطق المعالجة البصرية أثناء تفسير المستخدم للمعلومات الواردة، والمسارات السمعية خلال تفسير أي أصوات أو موسيقى. كما أنه ينشِّط المسارات التعبيرية التي تتحكم في الكلام واللغة، عندما يريد المستخدم الرد على الرسائل أو كتابة التعليقات، وفقًا لمجلة Bustle الأمريكية.

لكن هذا لا ينفي حقيقةً مفادها أن التعرض الزائد للشاشات يؤثر سلبًا في أدمغة وأجساد المستخدمين، حيث يشير معهد هوارد هيوز الطبي بولاية تكساس الأمريكية إلى أن الضوء الأزرق الذي ينبعث من شاشات الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف يُعزِّز قلة النوم بسبب قدرة الضوء على قمع إنتاج هرمون “الميلاتونين” (هرمون مسبِّب للنعاس)، وبالتالي يؤثر في أنماط النوم والاستيقاظ لدى الشخص ويؤثر أيضًا في تركيز العقل.

ويشير الدكتور كليفورد سيجيل، طبيب الأعصاب الأمريكي، إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ينشط مناطق دماغية مماثلة لتلك المستخدمة عند تركيز الانتباه على الأنشطة المعرفية مثل القراءة أو ممارسة ألعاب الفيديو، وهو ما قد يدفع المستخدم لتصفُّح مواقع التواصل مثل الإنستغرام لساعات لأن عقله يكون متناغمًا معها للغاية.

كما يمكن أن يؤثر البقاء على وسائل التواصل الاجتماعي لوقت طويل في العمليات العقلية المتعلقة بالتنظيم العاطفي. ويوضح سيجيل أن وسائل التواصل الاجتماعي تميل إلى تحفيز الجهاز الحوفي المسؤول عن الاستجابات العاطفية، سواء كانت جيدة أو سيئة.

من جهة أخرى، يمكن أن يكون تصفح الأخبار بحثًا عن آخر المستجدات ضارًّا أيضًا لعقل المستخدم، إذ تشير جامعة لندن إلى أن التصفح يمكن أن  يؤدي إلى الشعور بالحصار والارتباك بسبب تيار المعلومات الذي يبدو أنه خارج عن السيطرة التي قد تغذِّي استجابة العقل للتوتر عن طريق تعريضه إلى معلومات مقلقة، ممَّا يدفعه إلى إطلاق الكورتيزول (هرمون الإجهاد الأساسي) ويضع الشخص على حافة الهاوية.

وفي هذا الإطار، وجدت دراسة نُشرت في المجلة البريطانية لعلم النفس عام 2011 أن الأخبار السلبية على التليفزيون تجعل الناس مكتئبين وقلقين، ولا يختلف الوضع بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي، فالاعتماد عليها فقط للحصول على الأخبار يجعل الأشخاص أكثر عرضة لتصديق نظريات المؤامرة، وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة المعلومات المضللة الصادرة عن كلية كينيدي بجامعة هارفارد في أبريل الماضي.

ختامًا.. يمكن القول بأن تأثير استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في أدمغة المستخدمين يتوقف على العديد من الاعتبارات، من أبرزها مدة وطبيعة الاستخدام والإشباعات المتحققة للفرد منها.

ويبرز في هذا الإطار أهمية التكامل بين الدراسات الإعلامية والقياسات الخاصة باستخدام الأفراد لمنصات التواصل الاجتماعي والأبحاث التي يجريها العلماء المتخصصون في مجال المخ والأعصاب لتطوير فهم أشمل  لتأثيرات تلك المنصات في مختلف الشرائح العمرية، على سبيل المثال فحص تأثير استخدام تلك المنصات من جانب كبار السن ودورها في تنشيط الذاكرة لديهم.

زر الذهاب إلى الأعلى