تقارير

معضلة استهلاك الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي

شهدت منصات الأخبار خلال العقد الأخير تغييرات سريعة بفعل التطور التكنولوجي، وأصبحت وسائط التواصل الاجتماعي أحدث منصة تجعل الوصول إلى الأخبار أكثر سهولة، في ظل تنامي عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم، الذي يبلغ حاليًّا، وفقًا لتقديرات مؤسسة الإحصاءات الألمانية “ستاتيستا” أكثر من 4.57 مليار مستخدم.

لم تكن شركات وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة هي الوحيدة التي أسهمت في هذا التغيير الجذري، حيث طوَّرت الشركات المالكة للصحف مواقع إلكترونية خاصة بها وروَّجت لها عبر الإنترنت، وواكب ذلك مساعٍ من جانب مواقع التواصل إلى تطوير طرق أكثر فاعلية لإيصال الأخبار إلى المستخدمين، من بينها الدخول في شراكات وعلاقات تعاون مع الصحف والقنوات التليفزيونية.

وفي هذا الإطار، أظهرت العديد من الدراسات الغربية أن عملية استهلاك الأخبار تتأثر بالشريحة العمرية التي ينتمى إليها المستخدم، فاستهلاك الأخبار، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر شيوعًا بين الأجيال الشابة، بينما تظل الأخبار التليفزيونية والإذاعية تحظى بشعبية بين الأجيال الأكبر سنًّا.

الأجيال الشابة تستخدم منصات التواصل بكثافة للاطلاع على الأخبار

ووفقًا لمعهد رويترز للصحافة فإن الجيل) Z مواليد منتصف عقد التسعينيات إلى منتصف العقد الأول من الألفية الثانية) والجيل Y) الذين ولدوا خلال الفترة الممتدة من 1980 وحتى 2000 (في الولايات المتحدة وبريطانيا يقضيان جزءًا كبيرًا من ساعات استيقاظهما في التفاعل مع الهواتف الذكية، حيث يستخدمونها للتواصل والتسلية وأيضًا للحصول على الأخبار.

ويعد الهاتف الذكي هو الجهاز الرئيسي المستخدم للوصول إلى الأخبار بالنسبة لـ69% من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا.

ويشير المعهد إلى أن الهاتف الذكي  هو الوسيلة التي يستخدمها 45% من مستخدمي أخبار الجيل Z للاطلاع على مصدر للأخبار في الصباح، مقابل 19% عبر التليفزيون و5% عبر أجهزة الكمبيوتر المكتبية أو المحمولة.

أمَّا عن الجيل Y فيستخدم 39% منهم هواتفهم الذكية للاطلاع على الأخبار في الصباح و22% التليفزيون، و8%  الكمبيوتر.

ووفقًا لكوينت راندل، أستاذ الإعلام بجامعة بريغهام يونغ في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن انتشار الأخبار الرقمية له إيجابياته وسلبياته، ومن بين الإيجابيات أنه يوفِّر قناة للتفاعل بين الأشخاص، بعضهم وبعض، كما يؤدي إلى نشر المعلومات بسرعة كبيرة.

لكن “راندل” يشير في الوقت ذاته إلى أن الأشخاص يتابعون منافذ إخبارية مختلفة، اعتمادًا على آرائهم ووجهات نظرهم وتوجهاتهم الأيديولوجية، ومن المرجح أن يثقوا بالأخبار التي يختارون استهلاكها، أو متابعتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي الولايات المتحدة، وجدت دراسة أجراها مركز بيو الأمريكي عام 2018 أن المزيد من الأمريكيين يحصلون على الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدلًا من الصحف.

وأظهرت الدراسة أن جيل الشباب بدأ في استهلاك المزيد من الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يستهلك البالغون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا المزيد من الأخبار بسبب ارتفاع شعبية منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

وذكرت الدراسة أن الأمريكيين الأصغر سنًّا يتفرَّدون بنمط استخدام تلك المنصات، حيث إنهم لا يعتمدون على منصة واحدة بالطريقة التي يعتمد بها غالبية كبار السن على التليفزيون.

تراجع الثقة وراء انخفاض استهلاك البريطانيين للأخبار عبر منصات التواصل

وفي بريطانيا، كشف تقرير صادر عن هيئة تنظيم الاتصالات “أوفكوم” في أغسطس الجاري أن المخاوف من الأخبار الزائفة أدت إلى انخفاض عدد الأشخاص الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة الشؤون الجارية في عام 2020 مقارنة بالعام الماضي.

ويستند التقرير إلى الاستطلاع الذي أُجري على مرحلتين وتناول شريحتين كالتالي:

أولًا البالغون: حيث تم إجراء 2066 مقابلة وجهًا لوجه و2510 مقابلات عبر الإنترنت خلال الفترة من 9 نوفمبر إلى 8 ديسمبر 2019، وكذلك الفترة من 24 فبراير إلى 30 مارس 2020.

ثانيًا المراهقون: (12-15 عامًا) حيث تم إجراء 502 مقابلة خلال الفترة من 15 نوفمبر إلى 10 ديسمبر 2019، و505 مقابلات  خلال الفترة من 1 إلى  20 أبريل 2020.

وأوضحت نتائج الاستطلاع أن ثقة الجمهور بحيادية ودقة مصادر الأخبار الموجودة على منصات التواصل الاجتماعي مثل “تويتر” و”فيسبوك” قد تراجعت، إذ انخفضت نسبة الأشخاص الذين يستخدمون تلك المنصات لمتابعة الأحداث الجارية من 49% في عام 2019 إلى 45% في عام 2020، واعتبر فقط ثلث الجمهور الذي شمله الاستطلاع أنهم وجدوا مصادر موثوقة على هذه المنصات.

كما انخفضت الدقة المتصوَّرَة في مصادر وسائل التواصل الاجتماعي من 37% إلى 34%، وكذلك الحياد من 36% إلى 33%.

وبدلًا من استخدام مصادر غير موثوقة على وسائل التواصل الاجتماعي، وجدت هيئة تنظيم الاتصالات في المملكة المتحدة أن الجماهير تبحث عن الأخبار من وسائل إعلام تقليدية كالتليفزيون، وتحديدًا هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” والراديو ومواقع الإنترنت الأخرى.

كما أصبح الجمهور حاليًّا أقل ميلًا لمشاركة مقاطع الفيديو والمقالات التي عثروا عليها عبر هذه المواقع، التي غالبًا ما يتم انتقادها لاحتوائها على معلومات خاطئة يمكن أن تنتشر بسرعة.

وخلص التقرير كذلك إلى مجموعة أخرى من النتائج، أبرزها:

يظل التليفزيون الوسيلة الأكثر شيوعًا لتلقِّي الأخبار، حيث يستخدمه 75% من الأشخاص للبقاء على اطلاع  على المستجدات، يليه الإنترنت بنسبة 65% ، ثم الراديو بنسبة 42%، وأخيرًا المطبوعات والصحف بنسبة 35%.

تعتبر قناة «بي.بي.سي1» القناة المفضلة لدى 56% من البالغين، على الرغم من أن قنوات “بي.بي.سي” شهدت انخفاضًا في عدد المشاهدين الذين يقصدونها للحصول على الأخبار منذ عام 2019.

على الرغم من انخفاض استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فقد ظل موقع فيسبوك ثالث أكثر مصادر المعلومات شيوعًا بعد قناتي “بي.بي.سي1″ و”آي.تي.في”.

ويرى داميان كولينز، الرئيس السابق للجنة الثقافة والإعلام والرياضة في البرلمان البريطاني، أن نتائج التقرير تكشف بوضوح أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أقل استخدامًا كمصدر إخباري، نتيجة لافتقادها الثقة والحياد والدقة في نظر المستخدمين.

واعتبر كولينز أن هذا الأمر لا يمثل مفاجأة كبيرة، نظرًا للكم الهائل من المعلومات الصحية المضلِّلة التي سمح لها بالازدهار أثناء وباء كورونا المستجد “كوفيد-19”.

فيسبوك يطوِّر آلية تعاون جديدة مع الناشرين لربط حسابات المستخدمين واشتراكاتهم

وبينما تواجه مواقع التواصل الاجتماعي تحدِّيًا كبيرًا يتعلق بمكافحة الأخبار الزائفة، لجأت منصات إلى اتخاذ تدابير مشددة للتحقق من صحة الأخبار والإبلاغ عن الأخبار الزائفة، بينما عزَّز البعض منها جهوده لنشر الأخبار ذات المصداقية، فعلى سبيل المثال كشفت شركة فيسبوك مؤخرًا أنها تعمل مع ناشرين لاختبار ميزة جديدة لربط حسابات المستخدمين بحسابات الاشتراك الخاص بهم لدى الناشرين.

وبمجرد ربط الحسابات، إذا نقر المستخدم على رابط ضمن نظام اشتراك مدفوع عبر فيسبوك، فلن يضطر إلى تسجيل الدخول للوصول إلى المحتوى.

ووفقًا لبيان للشركة، فقد حقق المشتركون الذين ربطوا حساباتهم على “فيسبوك” في يونيو الماضي زيادة في النقرات على المقالات بنسبة 111% مقارنةً بمَن لم يربطوا حساباتهم، كما زاد هؤلاء المشتركون معدل متابعتهم للناشر من 34% إلى 97%، فعندما يربط المشتركون حساباتهم مع ناشري الأخبار، سيعرض لهم المزيد من المحتوى، بحسب قناة “إنديا.تي.في” الإخبارية.

وأخيرًا.. يمكن القول إن استهلاك الأخبار على  مواقع التواصل الاجتماعي يواجه عددًا من التحديات، أبرزها غياب الضوابط التي تحكم عملية النشر للمحتوى، فهي ساحة مفتوحة للنشر، كما أن المعلومات التي يتم استهلاكها لا تقتصر على المحتوى الذي يتم بثُّه عبر الصفحات الخاصة بوسائل الإعلام على تلك المنصات، بل أيضًا تحوّل عدد من المستخدمين إلى صانعي أخبار، ممَّا يُفقد المحتوى في كثير من الأحيان عنصرَ الدقة والحياد، وهما من أهم معايير صياغة الأخبار.

وبالإضافة إلى ذلك يوجد تداخل في العلاقة بين وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فالأخيرة ليست فقط نافذة وصول إلى الجمهور، بل باتت مصدرًا رئيسيًّا للأخبار التي يبثُّها القادة والحكومات عبر الصفحات الرسمية.  

ومن هذا المنطلَق، فإن التوصل لفهمٍ أفضلَ لدور منصات التواصل الاجتماعي في استهلاك المعلومات، لا يعد فقط عنصرًا مهمًّا في توجيه الاستراتيجيات التنافسية للمؤسسات الإخبارية وتقديم إرشادات لصانعي السياسات المتعلقة باستخدام الإنترنت، ولكن أيضًا يساعد في جهود تسويق المحتوى من قِبَل المعلنين.

زر الذهاب إلى الأعلى