تقوم الشبكات الاجتماعية على المشاركة والتفاعل، ويمثل المتلقي محور العملية التفاعلية، ويظهر في الشبكات الاجتماعية النشر والتدوين والقراءة والمشاهدة والاستماع والبحث والطباعة والكتابة والدردشة، وتتيح التواصل وبناء العلاقات والتعبير عن الآراء والأفكار، وهو ما أدى إلى التأثير في المواقع الإعلامية كمواقع الصحف والتليفزيون.
وتساعد المواقع الاجتماعية على توظيف المعلومات المتوافرة للمستخدم بشكل آنيٍّ لغرض المشاركة في تزويد عدد آخر من المستخدمين بها وإعلامهم بالتغيرات التي تحصل في حياتهم اليومية وما يجري في المجتمع، مستفيدين من التقنيات الحديثة، ومن هذا المنطلق قدَّم الباحث مؤيد نصيف السعدى، دراسة مهمة بعنوان “الوظيفة الاتصالية لموقع التواصل الاجتماعي – دراسة في موقع فيسبوك”، عبر عيِّنة من طلبة جامعة بغداد.
الثورة الرقمية تقود إلى تحوُّل نحو الإعلام الجديد
وانطلق الباحث في تلك الدراسة من توضيح عناصر التمايز بين الإعلام الجديد والإعلام التقليدي، لافتًا إلى أن الإعلام الجديد يعتمد على وسيلة جديدة من وسائل الإعلام الحديث، وهي الدمج بين وسائل الاتصال التقليدي كلها، بهدف إيصال المضامين المطلوبة بأشكال متمايزة ومؤثرة بطريقة أكبر، ويتيح الإنترنت للإعلاميين فرصة كبيرة لتقديم موادهم الإعلامية المختلفة، وبطريقة إلكترونية بحتة دون اللجوء إلى الوسائل التقليدية كمحطات البث، والمطابع وغيرها بطرق تجمع بين النص والصورة والصوت. والتي ترفع الحاجز بين المتلقي والمرسل ويمكن أن يناقش المضامين الإعلامية التي يستقبلها، إمَّا مع إدارة الموقع وإمَّا مع متلقين آخرين.
وتشير الدراسة إلى أن “الإعلام الجديد- New Media ” أو الإعلام الرقمي (Digital Media)، يتعلق بمجموعة من الأساليب والأنشطة الرقمية الجديدة التي تمكننا من إنتاج ونشر واستهلاك المحتوى الإعلامي بأشكاله المختلفة عن طريق الأجهزة الإلكترونية (الوسائط) المتصلة أو غير المتصلة بالإنترنت، كما تتيح وسائط الإعلام الجديد إمكانات هائلة للتواصل والاتصال الاجتماعي، كما هو الحال في خدمات الهاتف المحمول والشبكات الاجتماعية على الإنترنت مثل موقع “فيسبوك-Facebook”.
وتعد وسائل الإعلام التقليدية الثلاث، الصحف الورقية والإذاعة ثم التليفزيون، هي في نهاية المطاف داخل العملية الاتصالية، لكن الإنترنت أضاف لنا بعدًا إعلاميًّا جديدًا يتمثل في الوسائط المتعددة، وأساس كل ذلك الثورة الرقمية التي قاربت بين مختلف أنظمة الوسائل لتلتقي في نظام وحيد يجمع النص والصوت والصورة.
وأُطلق عليه الوسائط المتعددة لهذا فإننا أمام إعلام جديد اختلفت فيه مؤسساته وأدواته وأساليبه وأهدافه.
أبعاد استخدام طلبة جامعة بغداد لموقع فيسبوك
وتشير الدراسة إلى أن الأدوات المتنوعة في موقع فيسبوك ساعدت على توفير مجالات متجددة تعمل على كسب عدد متزايد من المستخدمين، وتعمل هذه الأدوات بشكل يتيح للمستخدم حرية اختيار المحتوى المراد المشاركة به أو الاطلاع عليه، فقد تم توظيف الصورة الرقمية كي تكون عنوانًا للمستخدم مثل صورة الحائط أو تمثِّل رغبات واتجاهات المستخدم عن طريق اختيار نوع صور الألبوم الشخصي أو حتى العام.
وتناولت الدراسة عينة من 4200 طالب وطالبة في 4 كليات إنسانية وعلمية بجامعة بغداد، على النحو التالي: كلية الهندسة 410 طلاب/ طالبات، والصيدلة (1000) وكلية الإعلام (1810) وكلية العلوم السياسية (980).
وتوزعت عينة الدراسة، حسب النوع، إلى 215 مبحوثًا من الذكور بلغت نسبتهم 51,2%، مقابل 205 مبحوثين من الإناث بلغت نسبتهن 48,8% من إجمالي العينة، ولمعرفة أهمية الموقع لدى فئة الطلبة عينة البحث طرح السؤال: (ما مدى أهمية موقع فيسبوك لديك؟).
وتباينت الإجابات بشأن شدة أهمية هذا الموقع وتمثلت النتائج على النحو التالي:
– فئة (مهم): جاءت هذه الفئة بالمرتبة الأولى من إجمالي عدد إجابات المبحوثين، فقد أكد 260 مبحوثًا ونسبتهم (61,9%) أن موقع فيسبوك مهم لديهم.
– فئة (مهم جدًّا): أشار 103 مبحوثين، ونسبتهم 24,5% إلى أن الطلبة مهتمُّون جدًّا بموقع فيسبوك وهي تشترك مع النسبة السابقة من حيث الأهمية وتختلف معها من حيث شدة الأهمية.
– فئة (غير مهم): أشار 54 مبحوثًا ونسبتهم 12,9% إلى أن موقع فيسبوك غير مهم لديهم.
– فئة (غير مهم إطلاقًا): أشار 3 مبحوثين ونسبتهم 0,7% إلى أن موقع فيسبوك غير مهم إطلاقًا لديهم.
أمَّا عن أدوات الاتصال التي يفضلها المبحوثون، فقد أظهرت نتائج الدراسة أن أداة موقع فيسبوك جاءت في المرتبة الأولى وحصلت على 207 تكرارات من المجموع الإجمالي لإجابات المبحوثين وبنسبة 35.6% بشأن هذا الاختيار، وتدل هذه النسبة على أن موقع فيسبوك هو الأداة المفضلة للاتصال لدى الطلبة، ولعل إقبال الطلبة على هذا الموقع كأداة مفضلة للاتصال يرجع إلى أن الموقع يوفر فرصة للطالب للاتصال مع الأصدقاء وتبادل المشاركات، ويرى الباحث أن الطلبة في هذه الأعمار يميلون إلى تفضيل كل ما هو جديد واستخدامه ومعرفته.
كما حصلت أداة الهاتف الخلوي على المرتبة الثانية في أولويات المبحوثين بنسبة 30.6% ثم البريد الإلكتروني بنسبة 13.4%، ثم الرسائل النصية بنسبة 12.1%، ثم المحادثة الشات بنسبة 8.3%.
أمَّا عن المواقع التي يفضلها المبحوثون فقد احتل موقع فيسبوك المركز الأول بنسبة 65.9%، ثم موقع يوتيوب بنسبة 22%، ثم موقع تويتر بنسبة 7.1% وأخيرًا موقع ماي سبيس بنسبة 5%.
وأظهرت الدراسة أن رغبة الطلاب -عينة الدراسة- في استخدام فيسبوك جاءت مرتَّبة على النحو التالي: التواصل مع الأصدقاء، الرغبة في قضاء وقت الفراغ، والحصول على معلومات غير متاحة في وسائل الإعلام الأخرى، الرغبة في معرفة أصدقاء جدد، الحصول على معلومات تخص مستخدمين آخرين.
ورصدت الدراسة مجموعة من الأسباب التي تجعل مستخدمي فيسبوك يشعرون بالقلق، جاء في صدارتها أن الموقع غير آمن بشكل كافٍ ويمكن اختراقه وهو ما ذهب إليه 43.5% من عينة الدراسة، بينما اعتبر 18.5% من المبحوثين أن المعلومات المنشورة للمستخدم غير دقيقة، ورأى 13.9% أنهم يعتقدون أن العلاقات الاجتماعية التي تتكون في موقع فيسبوك غير صادقة، وذهب 9.3% من المبحوثين إلى أن أهداف الموقع غير مقنعة.
التصفُّح من المنزل.. وإمكانية تحوُّل العلاقات من العالم الافتراضي إلى الواقع
وكشفت نتائج الدراسة عن أن غالبية مستخدمي موقع فيسبوك يفضلون المنزل لتصفُّح موقع فيسبوك وبنسبة 84.3%، وهذا يدل على أن المنزل يشكِّل بيئة اتصالية مناسبة للتواصل المستمر مع الأصدقاء عبر الموقع، كما يشير إلى ضعف في البيئة الاتصالية الإلكترونية في الأماكن الأخرى، إذ لم توفِّر تلك الأماكن المناخ المناسب للاتصال.
وخلصت الدراسة إلى أن السبب الأساسي في كَوْن موقع فيسبوك يشكل جزءًا من نشاط المستخدمين اليومي هو التواصل مع الأصدقاء بنسبة 39.4% وهو يتفق مع النتائج السابقة في عملية بناء وتعزيز الروابط الاتصالية، ممَّا يخدم الوظيفة الاتصالية للموقع، وكان شعور المستخدم بالترفيه والتسلية هو السبب الثاني لانضمامه إلى مجتمع فيسبوك بنسبة 26.5% وهذا يعني أنه يحقق وظيفة ترفيهية للمستخدمين، في حين كان السبب الثالث للاستخدام هو تزويدهم بالمعلومات الجديدة بنسبة 23.6% وهذا يعني أن الموقع يؤدي وظيفة إخبارية للمستخدمين.
وكشفت الدراسة عن أن عينة البحث يكوِّنون علاقات اجتماعية أثناء استخدامهم موقع فيسبوك بنسبة 49% لأن الموقع -عن طريق عملية التفاعل بين المحتوى الاتصالي والمستخدمين- يبني علاقات اجتماعية، وهو بذلك يحقق الوظيفة الاجتماعية للاتصال التي تعتمد بشكل أساسي على التواصل المستمر بين الأفراد.
ووجدت الدراسة أن المبحوثين أحيانًا تُحَوَّلُ علاقاتُهم الافتراضية داخل الموقع إلى علاقات حقيقية بنسبة 43.8%. في حين كان مَن يرفض أن تتحوَّل علاقاته الافتراضية إلى علاقات محسوسة في واقع الحياة بنسبة 28.8%، وهذا يشير إلى أن بُعد المسافة وصعوبة الوصول واللغة وغيرها من العوامل هي ما يَحُول دون تحوُّل هذه الروابط الاجتماعية إلى واقع محسوس.