تعد المعلومات التي تتدفَّق عبر وسائل الإعلام والأفلام والموسيقى والكتب وغيرها من الوسائط، مادة محفزة على الاتصال والتواصل بين أفراد المجتمع الواحد وحتى عبر الحدود الوطنية. وغالبًا ما يُستشهد بنظرية الاتصال الخاصة بعالم النفس الأمريكي جوردون أولبورت، التي تفيد ببساطة أنه في ظل الظروف المناسبة، يعد التواصل بين الأشخاص أحد أفضل الطرق للحد من التحيز بين الأغلبية ومجموعات الأقليات.
وبناءً على هذه الفكرة فإن ما يمكن تسميته بالاتصال المتخيَّل حتى مع الشخصيات عبر محتوى تليفزيوني يمكن أن يغيِّر تصورات الجماعات والأفراد، ممَّا يكشف عن تأثير خطير لا سيما في القضايا التي تشكِّل مساسًا بالقيم الدينية والمجتمعية والخروج عن الفطرة السويَّة التي خلق الله، عز وجل، الإنسان عليها، مثل قضية الترويج للمثلية الجنسية.
مساحة تمثيل متزايدة للمثليين في وسائل الإعلام
تنامى تمثيل المثليين في الأخبار والتليفزيون والأفلام في تسعينيات القرن الماضى، ومن أبرز أمثلة ذلك ظهور الناشطة والإعلامية المثلية إلين دي جينيريس على شاشات التليفزيون الأمريكي، كما استمرت صور المثليات والمثليين في الزيادة على مدى العقدين التاليين منذ ظهورهم في مسلسلات مثل Will and Grace ، وModern Family، ثم تقديم صورة عن المثليين للجمهور في سن المراهقة عبر مسلسلات مثلGlee ، وTeen Wolf.
وبعيدًا عن الترفيه غطَّت وسائل الإعلام الإخبارية تظاهرات المثليين بشكل متزايد في ظل احتدام تلك القضية في قلب الصراع بين التيارات الليبرالية المتحررة والتيارات المحافظة، فعلى سبيل المثال قامت شبكات إخبارية من بينها قناة روسيا اليوم وقناة الجزيرة القطرية بتغطية واسعة النطاق حول المثليين في أوليمبياد سوتشي عام 2014.
وعلى الرغم من أن هذا التحول في رؤية وسائل الإعلام كان واضحًا في الولايات المتحدة وغرب أوروبا، فإن تأثير وسائل الإعلام لا يتم احتواؤه بواسطة الحدود الوطنية. وفي عالمٍ مترابطٍ بشكلٍ متزايدٍ، فإن الآثار المترتبة على الاتصالات الافتراضية من خلال التعرض لوسائل الإعلام التي تصوِّر علاقاتٍ مثليةً، ستكون تأثيرات عابرة للحدود.
ترويج أفلام الكارتون للمثلية وتشويه عقلية النشء
تختلف التأثيرات الإعلامية حسب الفئة العمرية، حيث من المرجَّح أن يغيِّر الجمهور الأصغر سنًّا وجهات نظره بما يتماشى مع المعلومات الجديدة التي يتلقاها، ومن المستبعَد أن يكون ذلك الجمهور قد شكَّل آراء ثابتة حول المثليين والمثليات.
ويزداد الوضع خطورة فيما يتعلق بالأطفال، مع تزايد تمثيل المثليين في الوسائط المتحركة أكثر فأكثر كل يوم، وتعد تلك الرسوم إحدى العادات اليومية للأطفال؛ وبلا شك تؤثر هذه التجربة على عقول الأطفال.
وتشير دراسة لجامعة ميشيغان الأمريكية، حول متابعة الأطفال لمحتوى الرسوم المتحركة إلى أن الأطفال من عمر عامين إلى 5 أعوام يشاهدون الرسوم المتحركة 32 ساعة على مدار الأسبوع، أمَّا الأطفال من عمر 6 إلى 11 عامًا فيشاهدونها لمدة 28 ساعة أسبوعيًّا، كما أن 53٪ من الأطفال من عمر 7 إلى 12 عامًا ليس لديهم مراقبة أبوية لما تتم مشاهدته على التليفزيون.
وينجذب الأطفال إلى محتوى الرسوم المتحركة بسبب السيناريوهات المكتوبة بشكل جيد، والمؤثرات الصوتية والمرئية والألوان. ويبحث دماغ الطفل في سن مبكرة دائمًا عن تجارب جديدة، وهذا هو السبب في أن ما يتم تقديمه في الرسوم المتحركة يجعل الأطفال ملتصقين بمقاعدهم أثناء مشاهدتها، ويصبح الطفل متعلقًا بالبطل في الرسوم المتحركة، ويبدأ محاولة تكرار ما يشاهده حتى أدق التفاصيل، بما في ذلك طريقة التحدث والتفكير ولغة الجسد وحتى طريقة ارتداء الملابس.
وتقوم شركة ديزني باستمرار بتمرير شخصيات مثلية في أفلام الكارتون أو الأنيميشن التي تستهدف الأطفال، فمثلًا كانت شخصية “أشلي سبينيلي – “Ashley Spinelli، من الشخصيات الرائدة في مجال الترويج للمثلية الجنسية، وأيضًا الشخصية اليابانية الشهيرة “سيلور مون- “Sailor Moon، والتي ظهرت كبطلة للحب والعدالة والمساواة، ثم جاءت شخصية “جودى فاني- Judy Funny” من كارتون ” “Dougوالتي تركت تأثيرًا وقدمت دعمًا هائلًا لجيل القرن العشرين من المثليين، وفقًا لموقع بازفيد الأمريكي.
قنوات الأطفال تحتفل بالمثليين وتتضامن معهم برفع شعارهم
لم يتوقف الأمر عند طرح شخصيات مثلية، بل ما يُفاقِم خطورة الوضع إعلان منصات وقنوات مخصصة للأطفال دعمها العلني والصريح للمثلية بوضع علم المثليين مع اللوجو الخاص بالقناة، وفي هذا الإطار قامت شبكة “كارتون نتورك -Cartoon Network” بوضع علم المثليين كخلفية لشعارها.
كما احتفلت شبكة “نيكلوديون- Nickelodeon” للأطفال، بما يسمى شهر الفخر، وهو شهر يقام فيه العديد من المهرجانات والحفلات والمسيرات وتنشط حركة الجمعيات والمؤسسات المتعلقة بالمثليين.
ونشرت الشبكة أيضًا عبر حسابها الرسمي بموقع التدوينات الصغيرة “تويتر”، صورة للشخصية الكارتونية الشهيرة المحببة للأطفال “سبونج بوب” إلى جانب شخصيات كارتونية أخرى مثلية، وكتبت “نحتفل بشهر الفخر مع مجتمع المثليين وحلفائهم هذا الشهر وكل شهر”.
وتسبب هذا الإعلان في صدمة كبيرة، لمحبي الشخصية الشهيرة حول العالم، وجاءت العديد من التغريدات على تويتر، لتعبِّر عن تلك الصدمة.
وكان الراحل ستيفن هيلدنبرج، مبتكر الشخصية قد صرح في مقابلة مع مجلة “بيبول” الأمريكية في عام 2005 بأن سبونج بوب لم تصنِّف هويته الجنسية.
وبالطبع فإن شركة ديزني ليست الوحيدة في هذه القضية، إذ إن غالبية قنوات التليفزيون الموجهة للأطفال مثل نيكلوديون ونتفليكس كيدز وكارتون نتورك، كلها تعرض وبشكل متواصل مسلسلات وأعمال أبطالها، مثليين ومثليات في مقتبل العمر.
وتأسيسًا على ما سبق، فضلًا عن وجود العديد من العوامل التي تحفِّز طريقة تفكير الأطفال في البيئة التي ينشؤون فيها، وتشمل هذه الأحداث اليومية وتجارب لا تنسى، تُعَدُّ أفلام الكارتون واحدة من العوامل القوية التي تؤثر في طفولة الفرد، وتستغرق وقتًا طويلًا من جدول نشاط الأطفال الصغار.
يعد الكارتون سلاحًا ذا حدَّيْن، يمكن أن يدمِّر طفولة الفرد من خلال التعرُّض المفرط للمحتوى الجنسي والعنف والأفكار المغلوطة، أو يساعد في تربية طفل متوازن مع حالة ذهنية مناسبة.
وهنا تجدر الإشارة إلى خطورة تهاوُن الأُسَر في التعامل مع الرسوم المتحركة المقدَّمة للأطفال باعتبارها تسلية غير مؤذية، لأن تأثيرها في الأطفال كبير، حيث يتلقون منها الكثير من التوجيهات والمفاهيم، الأمر الذي يجعلها بمثابة حملة إعلامية قوية تلقن أطفالنا أمورًا مؤثرة في ثقافتهم وشخصيتهم، فأفلام الكارتون المستوردة لها أبعاد تربوية تؤثر في حياة أطفالنا بصورة خطيرة؛ لأنها تقدم نسقًا ثقافيًّا متكاملًا وأغلبها يروج للأفكار والقيم السلبية.
وأخيرًا، نستعرض عددًا من التوصيات لتجنُّب التأثير السلبي لتلك الرسوم المتحركة على الأطفال، على النحو التالي:
تفعيل رقابة الوالدين على المحتوى الذي يشاهده الأبناء للحد من المخاطر والتأثيرات السلبية لوسائل الإعلام في سلوكهم وللتصدِّي للأفكار الهدَّامة والرسائل الخبيثة والسلوكيات الخارجة عن القيم.
ضرورة الاهتمام بالدراسات الإعلامية الخاصة برصد وتحليل ما يقدَّم للطفل ويؤثر في عقليته، مع إضفاء طابع مؤسسي على تلك العملية عبر استحداث مرصد متخصص لمتابعة تلك القضية، واعتماد منهج للتربية الإعلامية، فدور الحضانة والمدارس والنوادي يقوم على تزويد الأطفال بالقيم الأخلاقية التي يجب أن ترسِّخها برامج الأطفال في عقله.
وجوب استثمار الرسوم المتحركة كشكل فني عبر تصميم شخصيات كارتونية تناسب الخصوصية الثقافية والمجتمعية، بحيث تجمع الشخصية الكارتونية بين مهمَّتَي الترفيه والتوجيه، والإرشاد.