مع انتشار وباء كورونا المستجد، تعدّدت ردود فعل الجماعات الإرهابية إزاءه، لتبدو معظم الجماعات الإرهابية التقليدية مثل تنظيم “داعش” والقاعدة والعديد من الجماعات التابعة لها، مرتبكةً في تفاعلها مع أزمة كورونا، ففي حين يُعَوِّل البعضُ على الفوضى التي يُمكِنُهم الاستفادة منها (في أماكن مثل غرب أفريقيا)، يرى البعض الآخر أنها قصاص إلهي من الكفار (ما ذهب إليه داعش، والحزب الإسلامي التركستاني)، في حين وجدها البعضُ الآخر فرصةً لإظهار القدرة على الحُكم (مثل حركة طالبان الأفغانية، وجماعة حزب الله اللبنانية).
وأعادت الحكوماتُ نشرَ بعض قدرات مكافحة الإرهاب، لدعم جهود التصدّي للفيروس، مع التحايل على التعاريف القانونية للإرهاب، لمحاكمة الأشخاص الذين يرتكبون أعمالاً معادية للمجتمع، كالسُّعال على الآخرين.
وحتى الآن، كانت الأفعال التي يمكن أن يُقال إنها تُمثّل إرهاباً، محدودةً للغاية، وفي معظمها معاداة عامة تُغذّيها نظرياتُ المؤامرة، فمثلاً أدّى الخوفُ من ربط تقنية الجيل الخامس (5G) بانتشار الوباء، إلى إحراق بعض أبراج الهواتف المحمولة في أوروبا.
جماعات مناهضة للحكومة الفيدرالية في أمريكا
في الولايات المتحدة، جاءت مخاوف الحكومة الفيدرالية، من خطة تفجيرٍ تَستهدف مستشفى كانساس سيتي، ومحاولة إخراج قطار عن مساره، للهجوم على مستشفى عائم في لوس أنجلوس.
وسعى بعضُ الإرهابيين إلى استخدام الفيروس كسلاح، في حين اكتفى الجناح اليَميني المتطرّف بالتحدّث فقط عن القيام بذلك.
وهناك ماضٍ غنيٌّ بالنشاط المناهض للحكومة في الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، احتفلت أوكلاهوما سيتي قريباً بالذكرى الخامسة والعشرين لهجوم الإرهابي تيموثي مك فاي، على مبنى ألفريد مورا الفيدرالي عام 1995، والذي أدّى إلى مقتل 168 شخصاً.
وقد نشأ مك فاي، في حركةٍ أمريكية واسعة الانتشار، أَطلق عليها المحقّقون الفيدراليون اسم “الوطنيين”، الذين كانوا مَبْعَثَ قلقٍ منذ فترةٍ طويلة، بشأن احتمالات العُنْف التي يُمارِسُها الليبراليون المتطرّفون، وميلهم إلى حيازة الكثير من الأسلحة.
وفي الآونة الأخيرة، عبّرت هذه الحركة عن نفسِها من خلال مجموعاتِ المواطنين أصحابِ السيادة، والتي ترفض اللوائحَ الفيدرالية وتَستهدف الشرطة.
وبالنسبة للذين تَشكّلت عقليتُهم عبر هذا التاريخ من النشاط المناهض للحكومة، فإنّ التوسّع الهائل للدولة، الذي يتبع أزمةً وطنية مثل تفشّي الوباء سيكون مصدرَ قلق وغضب، لعدم ثقتهم في نشاط الحكومة بشكل عام، بل باتت بعضُ مظاهر التعبير عن هذا الغضب ملحوظةً بالفعل، في ولايات مثل ميشيغان وكنتاكي ونورث كارولينا.
منظمات إرهابية وإجرامية تسعى إلى تقديم نفسها كبدائل للحكومات
هذا الشعور بالحرمان من الحقوق يَتفاقم أكثرَ بفضل انعدام الثقة المتزايد بالحكومات على مستوى العالم، ونظراً لميل الكثير من القادة إلى التصريح علناً بالأكاذيب أو أنصاف الحقائق، فإن الثقة الجماعية للمواطنين في الحكومات تتآكل، وقد استغّلت منظماتٌ إجرامية مختلفة هذا الواقع، وسعت إلى تقديم نفسها كبدائل.
كما استخدمت جماعاتٌ إرهابية مثل حزب الله (في لبنان)، وحركة طالبان (في أفغانستان)، وهيئة تحرير الشام (في سوريا) التي تسيطر على مناطق ضيقة، تلك الفوضى لإبراز قدراتها في مجال الصحة العامة، رغم ضآلتها.
كما تسعى الجماعات الإجرامية في البرازيل والسلفادور والمكسيك إلى إظهار قوتها ومواردها، ومع ذلك، فإن هذه التحرّكات ليست بدافع الإيثار.
وستعمل الاستجابة الحالية لتحدّي كورونا على توسيع وجود الدولة، ولفت الانتباه إلى أوجه عدم المساواة، والذي سوف يتفاقم في اقتصاد ما بعد كورونا، ويؤدّي إلى تقليص الميزانية.
قد يخشى البعض من الحكومة الكبيرة (الفيدرالية)، لكن البعض الآخر سيَغْضَب بدلاً من ذلك، وإذا لم يتمّ التعامل مع مشاكله واهتماماته، ستفتح هذه الشقوق رواياتٍ جاهزةً للاستغلال من قبل الفصائل المناهضة للحكومة، والجماعات العنصرية، والساسة المتطرّفين من كلّ التيارات، والمتطرّفين الرجعيين، أو الجماعات الهامشية الأخرى.
تنامي الغضب والكراهية تجاه الصِّين يُنذِر باستهداف مصالحها ورعاياها
في الغرب، هناك دفعة متزايدة لإلقاء اللوم على الصين، وهو أمر يحدث بين كبار المسئولين (مثل نائب مستشار الأمن القومي ماثيو بوتينجر، والسيناتور تيد كروز في الولايات المتحدة، أو رؤساء لجان الدفاع والشؤون الخارجية في بريطانيا)، فضلاً عن عموم سكان البلدان التي تتزايد فيها نبرة المشاعر المعادية للصين.
ولسوء الحظ، وبمجرد أن تندلع المشاعر المعادية للصين بين عامة الناس، فإنها تميل إلى أن تكون أقلّ تمييزاً، مما يؤدّي إلى الإساءة والعنف تجاه كلّ مَن يبدو أنه من شرق آسيا، وبينما لا تُساوي جرائمُ الكراهية الإرهابَ دائماً، إلا أنها غالباً ما تكون مُقدّمةً له.
وتوفّر التوتّرات الطائفية الناتجة عن جرائم الكراهية، حافزاً لأولئك المُعَرَّضين للعنف، للتصرّف بدوافع سيئة، بالإضافة إلى توفير بيئةٍ غنية للمجموعات التي تَسْعَى إلى تعزيز الإيديولوجيات المثيرة للانقسام.
وهذه المشكلة ليست مقصورة على الغرب، ففي إندونيسيا، حذّر الباحثون من تزايد التوتّر تجاه المواطنين الصينيين داخل البلاد، ويَعتمد هذا على قدرٍ كبير من الغضب تجاه الصين بشكل أعمّ في البلاد، نابعٍ جزئياً من التوتّرات العِرقية التاريخية، لكن في الآونة الأخيرة تفاقمت بسبب معاملة بكين لأقليةِ الإيغور المسلمة، حتى إن هناك تحذيراتٍ من أن هذه المشاعر أدّت إلى إرهابٍ ضد الصينيين المقيمين في إندونيسيا، حيث أفادت تقاريرُ بالكشف عن خليةٍ كانت تدرس استهدافَ العمال الصينيين.
وفي كازاخستان، أثار منشور على شبكة الإنترنت الصينية، بدا أنه يشير إلى أن كازاخستان تريد أن تصبح جزءاً من الصين، غضباً كافياً لدفع وزارة الخارجية الكازاخستانية إلى استدعاء السفير الصيني والمطالبة باعتذار.
وفي قيرغيزستان المجاورة، اجتمعت المشاعرُ المعادية للصين حول فكرة نشر المواطنين الصينيين للوباء، وأدلى عضوٌ في البرلمان بتصريحاتٍ حول كيفية تجنّب المواطنين الصينيين.
لا شيء من هذا إرهاب بالطبع، لكنّ هناك تركيزاً أوضحَ للغضب الشعبي تجاه الصين، وبعدما باتت الصين لاعباً أكثرَ هيمنة في الشؤون العالمية، ستصبح مستهدفةً بشكل متزايد، بسبب معاملة بكين للأقليات في الداخل، وقد يَتبلور ذلك في الهجماتِ على المواطنين أو الشركات الصينية.
تَحوُّل العمالة المُستغنَى عنها إلى العنف
إن التحوّل السريع للعمل عبر الإنترنت حالياً من قبل نِسبةٍ متزايدة من العُمّال، سوف يَتسارع بشكل كبير في أعقاب جائحة كورونا، حيث تَعمل الشركاتُ على تقليص عددِ الموظفين، وتحاول العمل عبر الإنترنت أو عن بُعد.
وقد يَخلق هذا حركةً غاضبة تجمع العمّال السابقين الساخطين عبر الإنترنت، والتعبئة من أجل رَدِّ فعل عنيف.
غالباً ما يَظهر الإرهاب في الأماكن التي يُنظَرُ فيها إلى فشل الحكومة، أو عندما يشعر الناس أنها مُسْتَبْعَدة من جانب النظام، ومن المرجح أن يُقلّل الوباءُ شعورَ الناس بالثقة في السلطة، وستكون النتيجةُ مشاكلَ متزايدةً من أولئك الذين يَصِلُون إلى مرحلة من الغضب، تكفي لتوليد رغبةِ استخدام العنف للتعبير عن مشاعرهم الساخطة.
لقد شهد العالم بالفعل فشلاً في التعاون الدولي عندما تَعلّق الأمر بالتصدّي لكورونا، وبينما كانت هناك تصرفاتٌ إيثارية بين المواطنين، فإنّ الشعورَ الأكبر بالغضب والحرمان الذي سيتبع ذلك، سيخلق أشكالاً جديدة من العنف السياسي، إذ سيعتمد البعضُ على الإيديولوجيات والمجموعات القديمة، بينما سيظهر آخرون بطرق مختلفة، ما يعني أن الإرهاب لن ينتهي في أعقاب كورونا، بل من المحتمل أن يَتطوَّر بطرق أكثرَ تطرّفاً.
المصدر:
مجلة فورين بوليسي الأمريكية