تقارير

“يوتيوب” وأزمة كورونا التحديات القائمة والفرص الممكنة

حمل النصف الأخير من شهر مارس نظرةً تفاؤلية لموقع يوتيوب، فبقاء ملايين المستخدمين في منازلهم، في ظلّ انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد-19)، يعني قضاء المزيد من الوقت أمام الشاشات، وزيادة الطلب على المحتوى، وبالتالي حصد المزيد من النقاط الإعلانية.

وفي تلك المرحلة، وبينما كانت منصات التواصل الاجتماعي المختلفة تُشكِّل موقفها من تغطية أزمة كورونا، تَبنّى يوتيوب سياسةً تقضي بعدم تحقيق ربح من أيّ محتوى يتعلق بكورونا، تلتها خطوةٌ تتعلق بإزالة مقاطع الفيديو التي تنتهك تلك السياسة، أو تنشر معلوماتٍ مضلّلة.

وفرضت تلك الإجراءات واقعاً جديداً أمام ناشري المحتوى على يوتيوب، الذين كانوا يتوقون إلى زيادة مواردهم وإيراداتهم، والاستفادة من الإقبال الجماهيري على المحتوى الذي يعرضونه.

تشجيع مبادرة البقاء في المنزل.. والمحتوى المدقّق حول الفيروس

سعى موقع يوتيوب كغيره من منصات التواصل الاجتماعي، إلى التفاعل مع التحديات التي يفرضها انتشار فيروس كورونا، وتشجيع المبادرات الرامية إلى التوعية بإجراءات التباعد الاجتماعي، وتوفير محتوى يلائم طبيعة المرحلة الحالية.

وعلى سبيل المثال، تَضمّ القناة الخاصة بمنصة يوتيوب حالياً 20 قائمة تشغيل، ضمن مبادرة البقاء في المنزل “stay at home”، ومن أبرزها:

“اطبخ معي Cook With Me”.

“تمرّن معي Workout With Me”.

“اقرأ معي Read With Me”.

“ارسم معي Draw With Me”.

“ابق في المنزل وشاهد الرياضة Stay Home and Watch Sports”.

“ابق في المنزل وشاهد الأفلام Stay Home and Watch Movies”.

كما دَشّن يوتيوب قسماً لعرض مقاطع فيديو تمّ التحقّق منها حول فيروس كورونا على صفحته الرئيسية، في خطوةٍ تندرج ضمن جهود منع تدفّق المعلومات الخاطئة والمضللة.

ويقوم الموقع بجمع ذلك المحتوى من المنافذ الإخبارية والمصادر الصحية الرسمية، مثل منظمة الصحة العالمية، ويساعد يوتيوب المستخدمين على الابتعاد عن مقاطع الفيديو التي ينشرها منشئو المحتوى اليومي، وأصحاب نظرية المؤامرة، المحتمل أن ينشروا معلوماتٍ كاذبةً أو مضللة، وذلك مثل الادعاءات التي انتشرت حول أن شبكات الجيل الخامس “5G” هي السبب في تفشّي كورونا عن طريق امتصاص الأكسجين من الرئتين.

انخفاض عائدات الإعلانات على يوتيوب

وفقاً لاستطلاع أجرته شركة “Integral Ad Science” في مارس الماضي، أعرب 16٪ من المشاركين في الاستطلاع، عن موقفٍ أقلّ استحساناً تجاه العلامة التجارية، إذا رأوا إعلاناتها مع محتوى يتّصل بفيروس كورونا.

ورأى ما يقرب من نصف المشاركين في الاستطلاع، أنهم يريدون بالفعل رؤية إعلانات لأنواع معينة من الشركات إلى جانب هذا المحتوى، ومنها المستحضرات الصيدلانية، والعلامات التجارية الموجهة نحو الصحة.

وتأثّرت بالفعل الإيرادات التي يَجنيها الناشرون على يوتيوب، فرغم ارتفاع حجم المشاهدات للمحتوى، لكن الإنفاق الإعلاني الضعيف من جانب العلامات التجارية، والتغطية الخاصة بكورونا، تخلق مشكلةً معقدة.

ووفقاً لبيانات شركة “تيوبيولر لابز – Tubular Labs” لإحصاءات الفيديو، منذ 11 مارس، كان 30٪ من مقاطع الفيديو التي تمّ تحميلها على يوتيوب بواسطة منافذ إعلامية حول كورونا، وحظيت بمشاهدات نسبتها 40٪.

وتُشير مجلة “ديجداي – Digiday” المَعنيّة بالمنصات الإعلامية الرقمية، إلى أن قصص كورونا تحقق إيراداتٍ أقلّ بنسبة 30٪ من القصص الأخرى غير المرتبطة بالفيروس، كما أن العائد لكلّ ألف ظهور للإعلان قد انخفض بنسبة 20٪.

اتهامات بجني أرباح من مقاطع تروّج علاجاتٍ زائفةً لكورونا

اتّهم تقريرٌ لمشروع الشفافية التقنية (مبادرة بحثية غير ربحية)، منصةَ يوتيوب بجني أرباح عبر السماح بعرض إعلانات على مقاطع فيديو تُروِّج علاجاتٍ غيرَ مُثبتة لفيروس كورونا، مثل الأعشاب والمُكمّلات الغذائية غير الآمنة، والموسيقى التأمّلية.

ورصد المشروع 7 مقاطع فيديو تُروِّج لتلك العلاجات الزائفة، تَتخلّلها إعلاناتٌ لحملة إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وشركة “ليبرتي ميوتيوال” للتأمين، وشركة “Quibi” الناشئة المدعومة من ديزني.

وعقب صدور التقرير، أزال يوتيوب 4 من تلك المقاطع لانتهاك سياساتها ضد المعلومات الخاطئة حول كورونا، مُنوِّها إلى أن الـ 3 مقاطع الأخرى تُقدِّم نصائحَ صحية، على حَدِّ قول المتحدث باسم يوتيوب.

إقبال المستخدمين على المحتوى الترفيهي والتفاؤلي

في ظلّ حالة الإغلاق الاقتصادي والعزل المنزلي في مختلف أنحاء العالم على مدى الأسابيع القليلة الماضية، ارتفع استخدام منصة يوتيوب، ما دفع الأخيرة إلى تقليل جودة البثّ الافتراضية لجميع مستخدمي مِنصّتها، للمساعدة في تقليل إجهاد اتصالات النطاق العريض.

وأصبح تشغيل مقاطع الفيديو يبدأ افتراضياً بجودة دقة عرض قياسية (480 بكسل)، مع إمكانية مشاهدتها بدقة عالية، عبر الخيارات المتاحة.

ويشير موقع “Search Engine Journal” إلى ارتفاع استخدام يوتيوب في الولايات المتحدة بنسبة 15,3٪ منذ بدء الإغلاق.

وفي هذا الإطار، وجد استطلاعان جديدان لشركة “Channel Factory” أن المستخدمين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يتدفقون إلى يوتيوب لتحسين مزاجهم، والعثور على محتوى راقٍ ومفيدٍ وتعليمي.

وطرح الاستطلاع الأول تساؤلاً رئيسياً على عيّنة حَجْمُها أكثر من 1000 مستخدم لموقع يوتيوب في الولايات المتحدة، مفاده “ما الذي كنتَ تُشاهده في الأسبوعين الماضيين؟”.

وعلى الرغم من أن 33٪ من عيّنة الاستطلاع أجابوا بأنهم يتّجهون إلى يوتيوب خصيصاً لمشاهدة محتوى ذي صلة بفيروس كورونا، فإن نسبةً أكبر بكثير تُشاهد مجموعةً واسعة من مقاطع الفيديو المتفائلة والمُفيدة، وجاءت النتائج كما يلي:

48% يشاهدون مقاطع الفيديو الترفيهية.

48% يقبلون على المحتوى المرتبط بالموسيقى.

33% يتابعون محتوىً كوميدياً.

31% يشاهدون مقاطع فيديو قصيرة تركّز على المحتوى الذي يُعرف باسم “افعلها بنفسك” (DIY).

29% يتابعون المحتوى المتعلّق بالطهي.

وبسؤال المشاركين في الاستطلاع عن المؤثّرين الذين يَبحثون عنهم أكثرَ في الأسابيع الأخيرة، قال 30٪ إنهم كانوا يبحثون عن خبراء موثوقين في مجال الأخبار، لكن 46٪ كانوا يبحثون عن موسيقيين، و40٪ يبحثون عن شخصيات كوميدية.

كما اعتبر 69٪ من المشاركين في الاستطلاع، أن يوتيوب يُقدّم محتوى أكثرَ إثارة من منصات التواصل الاجتماعي الأخرى.

وكشف الاستطلاعُ أيضاً عن فرصة كبيرة للعلامات التجارية، لاستهداف مخزون إيجابي ورائع على يوتيوب، وهو ما يعكسه المحتوى الذي يقول المشاهدون إنهم يُقبِلُون عليه، ويَفوق بشكل كبير حجمَ متابعة المواضيع ذات الصلة المباشرة بوباء كورونا.

وعبّر أكثر من 70٪ من المشاركين في الاستطلاع، عن أنهم يريدون إعلاناتٍ تُعزِّز مزاجَهم وتتوافق معه، بينما توقّع 29٪ من المشاركين أن تكون الإعلانات ذات صلة بالمحتوى الذي يشاهدونه.

وفي المملكة المتحدة، أجرت شركة “Channel Factory” استطلاعاً مماثلاً لعيّنة من 500 شخص، يدور حول ما يشاهدونه على يوتيوب، وشعورهم بشأن الإعلانات التي يشاهدونها.

وأظهرت النتائج الرئيسية لذلك الاستطلاع، أن 89% يتصفّحون يوتيوب لتحسين مزاجهم، فيما يريد 70٪ تقريباً إعلاناتٍ تعزّز مزاجَهم.

ويَكشف الاستطلاع أن ما يقرب من 50٪ من المحتوى الذي يتمّ استهلاكه، يتعلق بالترفيه والموسيقى، كما أن 60٪ ممن تتراوح أعمارهم بين 18 – 28 عاماً، يبحثون عن محتوى ترفيهي.

التحدّيات والفرص الممكنة

فاجأت أزمة كورونا مشاهير ومؤثّري مواقع التواصل الاجتماعي ومنها يوتيوب، وفرضت عليهم تحديات عدة إزاء سياسات النشر الخاصة بهم وممارساتهم الاتصالية، ففي ظلّ أزمة صحية كبرى يواجهها العالم بأسره، لم يَعُد مقبولاً من مؤثّري يوتيوب نشرُ معلوماتٍ غير دقيقة تتعلّق بالمرض والعلاجات الفعالة للقضاء عليه، وكذلك لم يَعُد من المناسب أخلاقياً استغلالُ هذه الأزمة لتحقيق مشاهداتٍ وعوائدَ إعلانية، على حساب صحة الأفراد واستقرارهم النفسي في ظل الأزمة.

ورغم هذه التحديات التي فرضتها الأزمة، إلا أنها أتاحت فرصاً واعدة أمام مؤثّري يوتيوب، وخاصة مَن يُقدّمون مقاطع فيديو توعوية وتثقيفية وترفيهية مناسبة ومفيدة، لتكثيف محتواهم من الفيديو، في ظل حالة التباعد الاجتماعي والعَزل المنزلي، لمساعدة الأفراد حول العالم على قضاء الوقت، وتقديم ما يفيدهم ويمتّع عقولهم، ويُحسِّن حالتهم المزاجية.

زر الذهاب إلى الأعلى