يشهد العالم اليوم ثورة تقنية جديدة تعيد صياغة طرق الاتصال الجماهيري الرقمي، حيث تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي العديد من الأدوات والإمكانات التي تساعد ممارسي العلاقات العامة على أداء مهام عملهم بشكل أسرع وربما أكثر فاعلية إذا تم استخدام التقنيات بمهارة وحرفية.
وقد دفعت هذه التقنيات العديد من الدول إلى الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي، وكانت المملكة العربية السعودية من أوائل تلك الدول التي اعتنت بالاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أنشأت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي لتمكين المبادرات الخاصة بهذا المجال، وتحقيق الاستفادة المثلى من قِبل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة البحوث الإعلامية في عددها الصادر في يوليو 2025 دراسة بعنوان “توظيف ممارسي العلاقات العامة لأدوات الذكاء الاصطناعي في إدارة المنصات الرقمية بالوزارات الحكومية في المملكة العربية السعودية”، من إعداد الدكتورة إسراء عبد العزيز الزايد الأستاذ المساعد بقسم العلاقات العامة والاتصال التسويقي في كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والتي نستعرضها على النحو التالي:
- مجتمع وعينة الدراسة
تمثل مجتمع الدراسة في جميع ممارسي العلاقات العامة في القطاع الحكومي بالمملكة العربية السعودية، بينما تمثلت عينة الدراسة في عينة عشوائية من ممارسي العلاقات العامة بلغت 65 مفردة.
وشكلت الإناث 61.5% من العينة مقابل 38.5% من الذكور، وتوزعت خبرتهم كالتالي: في المرتبة الأولي “أقل من عامين” بنسبة 43.1%، يليها “10 أعوام فأكثر” بنسبة 36.9%، وفي المركز الثالث “من 2 إلى 4 أعوام” بنسبة 13.8%، وأخيرًا “من 5 إلى 9 أعوام” بنسبة 6.2%.
- نتائج الدراسة
خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج العامة، جاء في مقدمتها أن ممارسي العلاقات العامة في المملكة العربية السعودية لديهم مستوى معرفة ممتاز بأدوات الذكاء الاصطناعي، كما أشارت إلى وجود نسبة تقبل عام لدى ممارسي العلاقات العامة في القطاعات المختلفة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة المنصات الرقمية، شكلت النسبة الأكبر من نتائج الدراسة، ولم تسجل الدراسة من الإجمالي الكلي إلا 4% غير متقبلين لاستخدام تلك التقنيات.
وأظهرت النتائج وجود نسبة ثقة عامة أيضًا في أدوات الذكاء الاصطناعي من ناحية السرية والموثوقية، شكلت النسبة الأكبر من إجمالي أفراد عينة الدراسة.
وخلصت نتائج الدراسة إلى أن الغالبية العظمى من ممارسي العلاقات العامة في المؤسسات لديهم اهتمام عام بالاطلاع على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في مجال العلاقات العامة بأنشطتها المختلفة.
كما اتجهت الغالبية العظمى من أفراد عينة الدراسة نحو توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنجاز المهام اليومية المتكررة في إدارة المنصات الرقمية في القطاع الحكومي.
وكشفت نتائج الدراسة عن أبرز مجالات توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي حيث جاء في المرتبة الأولى صناعة المحتوى (35.4%) الخاص بالمؤسسة على منصات التواصل الاجتماعي، ثم جاء الرصد الإعلامي (13.8%) وفي المركز الثالث البحث عن الكلمات الرئيسة للمنشأة والقضايا ذات الاهتمام للجماهير (12.4%) لكل منهما على حدة، ثم جدولة النشر (6.2%)، وفي المرتبة الخامسة جاء تحديد فئات الجماهير ذات العلاقة وتحليل أنماط الانتشار والتفاعل وتصميم الصور (4.6%) لكل منهم على حدة، وفي المرتبة الأخيرة المراقبة واستخدامات أخرى (1.5%) لكل منهما على حدة.
أما عن أكثر الأدوات شيوعا في الاستخدام أثناء إنجاز مهام العلاقات العامة في إدارات المؤسسات بقطاعاتها المختلفة، جاءت أداة chat gpt كأكثر أداة مستخدمة لدى أعمار متفاوتة بنسبة 80%، ثم تلاها برنامج “Canva” (7.7%) والذي تم توظيفه في مجال تصميم المحتوى الخاص، ثم جاء كل من البرامج التالية:
“Gemini- Chat Bot- Hootsuite- POLYGROUND- Lucidya- Buffer- Freepik- Tome”
كإحدى التقنيات المستخدمة أيضًا، وقد تمت الإفادة من تلك التقنيات في جدولة النشر، وإدارة المحتوى على المنصات الرقمية.
كما رصدت الدراسة أهم إيجابيات وسلبيات توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في إدارة المنصات الرقمية، حيث جاء في المرتبة الأولى كأكثر اتجاه إيجابي رفع مستوى جودة العمل (30.8%)، واختصار الوقت في إنجاز المهمات (24.6%)، ثم رفع معدل الإنجاز في إتمام المهام الموكلة لي (23.1%)، وفي المرتبة الرابعة ارتفاع مستوى الإبداع في تقديم المهام المطلوبة (13.8%)، ثم تفادي حدوث الأخطاء في الأعمال المقدمة (4.6%)، وفي المرتبة الأخيرة وجود إرشاد فوري للإشكاليات الطارئة (3.1%).
أما أبرز التحديات التي أجاب عنها ممارسو العلاقات العامة فقد تمثلت بـ “احتمالية حدوث أخطاء عند اتخاذ القرارات عند الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي” (24.6%)، يليها التكلفة المالية لتقنيات الذكاء الاصطناعي للبرامج النوعية (21.5%)، ثم الاستغناء عن العامل البشري في إنجاز المهمات (20%)، وفي المرتبة الرابعة نقص التدريب اللازم (18.5%)، ثم فقدان الوظائف (9.2%)، وأخيرًا ضعف الثقة بأدوات الذكاء الاصطناعي (6.2%).
في ذات السياق، أفاد أفراد عينة الدراسة بتوفر التدريب الشخصي والتدريب المؤسسي نحو توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يوضح اهتمام المؤسسات في المملكة العربية السعودية بتدريب الأفراد وتمكينهم نحو توظيف التقنيات يقابله اهتمام ممارسي العلاقات العامة بتطوير أنفسهم تجاه التمكن من تلك التقنيات في مجال العمل.
كما كشفت نتائج الدراسة عن أن تقبل الأفراد للتكنولوجيا لا علاقة له بمتغير العمر، ولا متغير سنوات الخبرة مما يعكس نتيجة مهمة وهي أن اهتمام ممارسي العلاقات العامة نحو توظيف التقنية غير مرهون بعمر محدد، ولا سنوات خبرة معينة.
وكشفت نتائج الدراسة عن وجود ارتباط إيجابي بين إدراك ممارسي العلاقات العامة لفوائد أدوات الذكاء الاصطناعي ومدى تقبلهم لاستخدام تلك الأدوات لإدارة المنصات الرقمية، وأن التقبل مرهون بالمعرفة في توظيف التقنية في أنشطة العلاقات العامة، وهو ما يؤكد ما جاء في نموذج قبول التكنولوجيا “TAM” عن ارتباط قبول استخدام التكنولوجيا بالفائدة المدركة منها.
- توصيات الدراسة
قدمت الدراسة سلسلة من التوصيات تمثلت في تناول الجوانب الأخرى التي لم يتم التطرق إليها، لا سيما المرتبطة بتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة مهام العلاقات العامة الأخرى مثل إدارة اتصال الأزمات، وتنظيم الفعاليات والمعارض، وغيرها من الأنشطة والمهام الأخرى المرتبطة بالتخصص.
كما أوصت بالتوجه لتوفير التدريب المكثف في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات دقيقة مثل تحليل مشاعر الجمهور لفهم توجهاتها بدقة لما في ذلك من فائدة في بناء الخطط الاتصالية للمؤسسات.
ودعت إلى الوقوف على أبرز الفرص المتعلقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لاستثمارها في تحقيق نتائج أفضل، وأيضا الوقوف على أبرز التحديات لمناقشتها وعقد اللقاءات العلمية حولها، خاصة وأن التحديات اختلفت حسب الدراسات السابقة باختلاف البيئات التي تم تطبيق الدراسة فيها.