في توقيت بالغ الأهمية على الصعيدين الإقليمي والدولي، انعقدت أعمال القمة العربية الطارئة في القاهرة لبحث تطورات القضية الفلسطينية والتعبير عن موقف عربي موحد يرفض التهجير، ويؤكد على الإجماع العربي لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية ودولية لوقف محاولات إخراج الفلسطينيين من أراضيهم، ووضع خطى لإعادة إعمار غزة دون إخراج الفلسطينيين من أراضيهم، مع دعم استكمال اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع.
وتعد هذه ثاني قمة تعقد بشأن القضية الفلسطينية والأوضاع في غزة خلال أسبوعين، بعد القمة العربية التشاورية التي استضافتها الرياض في 21 فبراير الماضي، بمشاركة قادة دول الخليج ومصر والأردن. كما تعتبر ثالث قمة طارئة بشأن غزة تعقد خلال 16 شهرًا بعد القمتين العربيتين الإسلاميتين بالرياض في نوفمبر 2023 و2024.
- السياق المحيط بانعقاد القمة
جاء انعقاد تلك القمة الطارئة بعد دعوات متكررة أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وتحويله إلى ما سماه “ريفييرا الشرق الأوسط”، لكن كيفية تنفيذ تلك الخطة شابها العديد من الغموض الذي عكسته تصريحات ترامب المتتالية: “السيطرة على غزة”، “امتلاك غزة”، “شراء غزة”، “إدارة غزة”، ثم تصريحه مؤخرا بأنه لن يفرض خطة تهجير الفلسطينيين من غزة بل “يقترحها”.
وتتزامن مع عرقلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تطبيق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، حيث قرر تعليق جميع المساعدات الإنسانية إلى غزة مع انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق يوم السبت الماضي، من أجل الضغط على حركة حماس الفلسطينية لقبول اقتراح جديد لتمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في القطاع طرحته الولايات المتحدة، وقد أدت تلك الخطوة إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة في غزة إذ ارتفعت أسعار الدقيق والخضراوات بأكثر من 100 ضعف في غزة بعد إغلاق إسرائيل للمعابر المؤدية إلى القطاع أمام المواد المعيشية الأساسية، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
- كلمة السعودية أمام القمة
ترأس صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية وفد المملكة المشارك في القمة نيابةً عن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، حيث أكد في كلمته أمام القمة على رفض المملكة بشكل قاطع المساس بحق الشعب الفلسطيني المشروع وكذلك رفض محاولات تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، مع التأكيد على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وضرورة توفير الضمانات اللازمة لاستدامة وقف إطلاق النار بغزة وإعمار القطاع ببقاء أهله فيه.
وقد تضمنت كلمة السعودية مجموعة من الرسائل أبرزها:
- التعبير عن الرفض القاطع لأي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية.
- دعم وإسناد المملكة للشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة التي تكفلها قرارات الشرعية الدولية.
- وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته فيما يخص بضمان استدامة وقف إطلاق النار بغزة وإعادة إعمارها.
- أبرز مضامين البيان الختامي
وقد صدر عن القمة بيان ختامي جسد وحدة الصف العربي ورفض مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وعبر عن الدعم الكامل لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وشدد على التمسك بأحكام القانون الدولي ومقررات الشرعية الدولية كأساس لتسوية الصراع.
وفيما يلي نستعرض أبرز مضامين البيان الختامي:
- الرفض القاطع لأي شكل من أشكال تهجير الشعب الفلسطيني.
- إدانة استخدام سياسات التجويع والأرض المحروقة.
- اعتماد خطة التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة.
- التشديد على الأولوية القصوى لاستكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
- ضرورة ضمان النفاذ الآمن والكافي والآني للمساعدات.
- دعم جهود التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين برئاسة السعودية.
- تأكيد الدور الحيوي الذي لا بديل عنه لوكالة “الأونروا”.
وعلى هذا النحو، خاطب البيان الختامي كلا من
- المجتمع الدولي بحثه على سرعة تقديم الدعم اللازم لخطة إعمار غزة.
- الولايات المتحدة بتأكيد الاستعداد لتكثيف التعاون معها لاستئناف مفاوضات السلام.
- إسرائيل بالتشديد على ضرورة التزامها باستكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
كما رسم البيان مسارات التحرك العربي خلال المرحلة المقبلة، عبر تكليف اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المشتركة بإجراء الاتصالات والقيام بزيارات للعواصم الدولية لشرح خطة إعادة إعمار غزة، بجانب ملاحقة جميع المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني، وتكليف لجنة قانونية عربية بدراسة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، بجانب حشد الضغوط الدولية لفرض انسحاب إسرائيل من سوريا ولبنان.
وختامًا، لقد أكدت القمة العربية الطارئة “قمة فلسطين” على ثبات وصلابة الموقف العربي الرافض لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم أو تصفية قضيتهم، مشددة على أن أسس الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية تتمثل في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتطبيق حل الدولتين بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط 4 يونيو1967 وعاصمتها القدس الشرقية.