تقارير

العلاقات الخليجية الأوروبية في ضوء قمة بروكسل

 

شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل انعقاد أول قمة على الإطلاق بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، بمشاركة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، و32 رئيس دولة ورئيس وزراء، تتويجًا للزخم المتنامي في العلاقات بين التكتلين الإقليميين لا سيما خلال السنوات الأخيرة، فالعلاقات التي ارتكزت على مدى أكثر من 3 عقود إلى اتفاقية التعاون لعام 1989، شهدت طفرة كبرى عام 2022 مع إقرار الاتحاد الأوروبي لوثيقة شراكة استراتيجية مع الخليج، حددت مجالات رئيسية  للتعاون تتمثل في التجارة والاستثمار، وتغير المناخ وأمن الطاقة، والتنمية والمساعدات الإنسانية، والسلام والاستقرار، وخفض التصعيد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على نطاق أوسع، كما تعززت تلك الخطوات في مايو من العام الماضي بتعيين المفوضية الأوروبية وزير الخارجية الإيطالي السابق لويجي دي مايو كأول ممثل خاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج.

وعلى هذا النحو، شكلت القمة الخليجية الأوروبية الأولى على مستوى رؤساء الدول والحكومات فرصة للتكتل الأوروبي من أجل وضع الأسس لترابط استراتيجي أكبر مع الخليج العربي، بوصفه المنطقة الأكثر أهمية من الناحية الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أن تلك القمة تعد جزءا من حراك دبلوماسي أوروبي منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022 يستهدف توطيد الصداقات مع مختلف التكتلات الإقليمية حول العالم، حيث تواصل الاتحاد المكون من 27 دولة مع تكتلات إقليمية أخرى، إذ عقد قمة هي الأولى مع دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بجانب قمة أخرى مع مجموعة  دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (سيلاك) تعد الأولى منذ ثماني سنوات.

  • العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي

يعتبر البعد الاقتصادي مرتكزًا رئيسيًا للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، وهو مسار يشهد تطورات إيجابية تعكسها مؤشرات وإحصاءات منها على سبيل المثال تجاوز حجم التجارة الثنائية بين دول التكتلين 200 مليار يورو خلال العام الماضي، إذ يستقبل الاتحاد الأوروبي 30% من صادرات دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وسلطنة عمان). كما تعد السوق الخليجية سادس أكبر سوق تصدير للاتحاد الأوروبي، بحسب المفوضية الأوروبية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن توجه دول مجلس التعاون الخليجي نحو التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة، الذي تجسد في رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وأيضًا رؤية البحرين الاقتصادية 2030، ورؤية قطر الوطنية 2030، ورؤية الكويت 2035، أدى إلى تحولات بالمشهد الاقتصادي الخليجي حيث تعطي هذه المبادرات الأولوية لقطاعات مثل السياحة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، مما يوفر للاتحاد الأوروبي سبلًا جديدة للاستثمار والتعاون.

وتشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2030، يمكن للقطاعات غير النفطية أن تساهم بما يصل إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي، مما يفسح المجال أمام مشاريع مشتركة في الصناعات الناشئة يمكن أن تدفع النمو الاقتصادي المستدام على الجانبين الأوروبي والخليجي.

كما يظل التعاون السياسي والأمني ​​حجر الزاوية في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي، حيث يعزز الاستقرار الإقليمي ويجابه التحديات الجيوسياسية المعقدة، التي تتعلق بأمن الطاقة ومسارات الملاحة الدولية في تلك البقعة الاستراتيجية الهامة من العالم، والتي تتأثر على نحو كبير بالتوترات والأزمات والصراعات الإقليمية وهو ما تجسد في الأوضاع الراهنة حاليًا نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، وارتدادات تلك الحرب على الإقليم برمته.

  • مخرجات القمة الخليجية الأوروبية

عكست بنود البيان الختامي للقمة الخليجية الأوروبية الأولى، توافقا في الرؤى حول المسارات الواجب اتباعها لتعزيز العلاقات بين الجانبين على الأصعدة كافة السياسية والاقتصادية والأمنية من خلال وضع خطة عمل بأبرز الملفات والخطوات المنتظر العمل عليها خلال المرحلة المقبلة، وكذلك إيضاح الأسس التي ترتكز عليها حلول الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، إذ جاءت مستندة إلى أحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ويمكن استعراض تلك المخرجات عبر محورين:

المحور الأول: مسار العلاقات بين التكتلين

  • إطلاق حوار استراتيجي لتسهيل التجارة والاستثمار بين دول الخليج وأوروبا.
  • مواصلة المفاوضات للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة بين التكتلين.
  • الالتزام بمواصلة مفاوضات إعفاء الرعايا الخليجية من تأشيرة الشنغن.
  • استضافة السعودية للنسخة الثانية من القمة في عام 2026.
  • التأكيد على أهمية إطلاق حوار إقليمي بين الجانبين لتعزيز الأمن والاستقرار.
  • الاستعداد لبناء شراكة القرن الـ 21 الاستراتيجية لتعزيز الأمن والازدهار العالمي والإقليمي.

المحور الثاني: الأوضاع في الشرق الأوسط

  • ضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة ولبنان.
  • أهمية حل الدولتين بصفته الطريق الوحيد لضمان السلام في المنطقة.
  • إدانة الهجمات ضد المدنيين والبنى التحتية في غزة.
  • وجوب تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 بشأن لبنان.
  • الإشادة بالجهود السعودية لدفع الأطراف اليمنية إلى حل سياسي.
  • تأكيد على أهمية حرية الملاحة في البحر الأحمر.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن قمة بروكسل تمثل خطوة بناءة لكل من مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي من أجل العمل على بناء نموذج لعلاقات مرنة ومؤثرة في ظل الديناميكيات العالمية المتغيرة، تعمل على تحقيق الاستقرار الإقليمي وحماية المصالح المتبادلة، ومعالجة التحديات العابرة للحدود الوطنية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى