شكلت زيارة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، إلى مصر دفعة جديدة لتعزيز العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك إزاء القضايا الإقليمية والدولية، إذ عكست القمة التي عقدها مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي متانة وقوة ورسوخ العلاقات السعودية المصرية وانتقالها إلى آفاق أوسع بما يعزز مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، وذلك عبر تدشين مجلس التنسيق الأعلى السعودي المصري، وتوقيع اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة.
كما أظهرت مخرجات تلك المباحثات رؤية مشتركة سعودية مصرية للوضع في منطقة الشرق الأوسط وتحديد مسارات خفض التصعيد الراهن وآلياته، كما عززت أيضًا من القدرة على مواجهة التحديات التي تجابه الأمن القومي العربي في ظل اضطراب إقليمي حاد حيث نيران الحروب المشتعلة في المنطقة، وسط تصعيد غير مسبوق بين أطراف إقليمية ينذر بانزلاق الإقليم إلى حرب شاملة.
- توقيت زيارة ولي العهد إلى القاهرة
جاءت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة في توقيت بالغ الأهمية بالنظر إلى الوضع الإقليمي الراهن الذي يموج بصراعات متعددة واضطراب شديد يعد بمثابة مخاض عسير قد يعيد تشكيل المنطقة وتوازنات القوى فيها، وفي مقدمة تلك الصراعات يأتي العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة -الذي دخل عامه الثاني قبل أسبوع-، وتمدد تلك الحرب الوحشية إلى لبنان، وكذلك الترقب العالمي والإقليمي لشكل وتداعيات الهجوم الإسرائيلي الوشيك على إيران، بعد القصف الصاروخي الإيراني- الثاني من نوعه في أقلّ من 6 أشهر- الذي استهدف إسرائيل مطلع الشهر الحالي، فضلًا عن استمرار الحروب الأهلية والاقتتال الداخلي في اليمن والسودان وسوريا وليبيا بشكل يفسح مجالًا أمام تدخلات وأطماع خارجية ويهدد سيادة تلك الدول ومؤسساتها ووحدة أراضيها.
- سمات مشتركة للسياسة الخارجية للبلدين
يعتبر التوافق السعودي المصري في الرؤى إزاء أزمات المنطقة نتيجة طبيعية لانطلاق السياسة الخارجية لكل من البلدين من أرضية واحدة، حيث تستند تحركاتهما الدبلوماسية إلى مجموعة من المرتكزات تتمثل في العمل على تعزيز الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وتجنب اللجوء إلى القوة في حل النزاعات، والتمسك بمبادئ القانون الدولي واحترام العهود والمواثيق، ودعم دور المنظمات الدولية في تعزيز التضامن بين الدول.
بالإضافة إلى الاهتمام بالبعد الاقتصادي والتنموي في العلاقات الدولية، والحرص على التعاون مع الدول الفاعلة في المجتمع الدولي، بجانب احترام استقلالية الدول وقيمها، وتبني مبدأ حُسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وعلى هذا النحو تأتي مواقف السعودية ومصر انعكاسًا لسياسة خارجية عقلانية متزنة ترتبط بالأهداف الاستراتيجية والمصالح الوطنية في إطار استقلالية القرار السيادي.
- مجلس التنسيق الأعلى السعودي المصري
ترتبط السعودية ومصر بأواصر راسخة من التاريخ والمصالح المشتركة والتنسيق المتكامل في محيطهما العربي والشرق أوسطي منذ أمد بعيد، حيث تميزت العلاقات بين البلدين بالعمق والمتانة والاستقرار، باعتبارهما البلدين الكبيرين في محيطهما العربي والشرق أوسطي، وركيزتين أساسيتين من ركائز استقرار المنطقة والعمل العربي المشترك.
وقد اتسمت العلاقات بين البلدين على الدوام بالحرص المتبادل على مواصلة التشاور والتنسيق إزاء أزمات المنطقة، دفاعًا عن قضايا ومصالح العالم العربي والإسلامي. وتعتبر المملكة ومصر واحتين للاستقرار والتنمية والازدهار في المنطقة، إذ يشهد البلدان نهضة غير مسبوقة تقوم على خطط تنموية مُحكمة تتمثل في رؤية المملكة 2030 ورؤية مصر 2030، مما يتيح آفاقًا واسعةً للتعاون التنموي، ويُسهل ذلك وجود إطار مؤسسي يتمثل في مجلس التنسيق السعودي المصري الذي تم تدشينه خلال زيارة الرئيس السيسي للمملكة في 11 نوفمبر 2015، حيث يتولى هذا المجلس الإشراف على تقديم المبادرات، وإعداد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، والبرامج التنفيذية المتعلقة بالتعاون بين البلدين.
كما شكلت زيارة الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، إلى القاهرة، اليوم الثلاثاء، نقلة نوعية في هذا المسار تحديدًا، إذ شهدت تعزيز الآليات الثنائية المؤسسية من خلال التوقيع على تشكيل مجلس التنسيق الأعلى السعودي المصري برئاسة سمو ولي العهد والرئيس المصري، لمتابعة مختلف أوجه العلاقات الثنائية وسبل تطويرها باستمرار، كما جرى أيضا توقيع اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين.
ومن المنتظر أن تشهد العلاقات بين المملكة ومصر في ظل مجلس التنسيق الأعلى زخمًا أكبر على صعيد الشراكة الاقتصادية السعودية المصرية، لا سيما في مجال تبادل الاستثمارات، والتبادل التجاري، والتكامل الاقتصادي في مجالات الطاقة والنقل والسياحة.
- رسائل المباحثات السعودية المصرية
تضمنت مخرجات المباحثات بين سمو ولي العهد والرئيس السيسي في القاهرة- التي يمكن استخلاصها من البيان الصادر عن الرئاسة المصرية عقب اختتام القمة-، مجموعة من الرسائل خاطبت المجتمع الدولي وأطراف عدة داخل الإقليم، تمثلت فيما يلي:
- خطورة الوضع الإقليمي الراهن وضرورة وقف التصعيد، والتوقف عن سياسات حافة الهاوية بما يوقف دائرة الصراع الآخذة في الاتساع.
- إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وفقًا لقرارات الشرعية الدولية هي السبيل الوحيد لتحقيق التهدئة والسلام والأمن بالمنطقة على نحو مستدام.
- التحذير من أن محاولات تصفية القضية الفلسطينية ستتسبب في استمرار حالة الصراع بالمنطقة.
- الدعوة لبدء خطوات للتهدئة تشمل وقف إطلاق النار في قطاع غزة ولبنان ومعالجة الأوضاع الإنسانية المتفاقمة.
- التأكيد على ضرورة احترام سيادة وأمن واستقرار لبنان وسلامة أراضيه.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، إلى مصر شكلت نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين وأطر التعاون المؤسسية، كما أنها تعزز من الجهود والتحركات ذات الصلة بالدفاع عن القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية في ظل مخططات إسرائيلية خبيثة لتصفيتها، فالمملكة العربية السعودية ومصر هما جناحا الأمة وقاطرة العالم العربي وصمام الأمان والاستقرار.