ترجمات

السودان.. الحرب “المنسية” في العالم

 

منذ اندلاع الصراع السوداني في  13 أبريل 2023 لا تلوح أي نهاية في الأفق، إذ يتصاعد القتال في جميع ولايات السودان الثماني عشرة، وباتت العاصمة الخرطوم في حالة دمار كامل تقريبا، وقد أدى استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني، وهي مركز إمداد حيوي، إلى خنق المساعدات الخارجية القليلة التي كان المدنيون يتلقونها، كما انهارت أنظمة الرعاية الصحية، وتفشت الهجمات على النساء والفتيات، وبدأت المجاعة في الظهور.

وتحت عنوان ” السودان.. الحرب المنسية في العالم”، تناول تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي على نحو مفصل تطورات الأوضاع في السودان والمعاناة الإنسانية التي تتفاقم يومًا بعد يوم نتيجة لاستمرار تلك الحرب، حيث نستعرض أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:

  • شبح المجاعة

سلط التقرير الضوء على التحذيرات الدولية من خطر المجاعة إذ حذر مسؤولو الأمم المتحدة من أن أكثر من مليوني سوداني معرضون لخطر الموت جوعا هذا الخريف. كما أبلغ المبعوث الأمريكي إلى السودان، توم بيرييلو، الكونجرس الأمريكي في مايو الماضي،  أن “المسار الأكثر ترجيحًا في السودان هو وقوع مجاعة، وأن يأخذ القتال جوانب عرقية وإقليمية بشكل متزايد، مع احتمال التحول إلى دولة فاشلة تضم 50 مليون شخص على البوابة الشرقية الاستراتيجية لمنطقة الساحل.

وعلى الرغم من هذه التحذيرات، فإن العديد من المراقبين يصفون السودان بأنه “الحرب المنسية” في العالم. ومع تدهور الوضع الإنساني، لا تصل المساعدات التي تشتد الحاجة إليها، مما يشير إلى فشل تاريخي في نظام المساعدات العالمي.

وقد توقفت الحياة المدنية في ثالث أكبر دولة في إفريقيا تمامًا بسبب الحرب، إذ تتعرض المنازل للحرق والنهب والقصف، مما يؤدي إلى نزوح الملايين من منازلهم. وقد نزح العديد من الأشخاص أكثر من مرة. ويقدر العديد من الخبراء وعمال الإغاثة السودانيين أن العدد الإجمالي الحقيقي للنازحين أعلى بكثير من العدد الرسمي الذي يزيد على عشرة ملايين نازح.

  • انهيار صحي وانتشار الأوبئة

كما تعرضت المستشفيات في السودان لهجمات شرسة، مما جعل ما لا يقل عن 80% من المرافق الصحية غير صالحة للاستخدام، وبات 15 مليون شخص يعيشون دون رعاية صحية.

وفي الوقت الذي أكد فيه مكتب منظمة الصحة العالمية في السودان اقتران نقص المياه النظيفة وتدهور الصرف الصحي بالنظام الصحي المنهار ما يصنع “عاصفة كاملة” من الأمراض، وتشير التقارير إلى أن الملاريا والكوليرا والحصبة وحمى الضنك وغيرها من الأمراض تنتشر كالنار في الهشيم.

كما تعطلت رعاية آلاف من المرضى السودانيين الذين باتت حياتهم مهددة  لعدم حصولهم على العلاج، مثل المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية والسل.

إلى ذلك، وثّقت الأمم المتحدة ارتفاعًا “مثيرًا للقلق” في الاعتداءات الجنسية والاغتصاب من جانب المقاتلين وغالبيتهم العظمى من قوات الدعم السريع. وأفاد العديد من طالبي اللجوء أنهم تعرضوا أو شهدوا عمليات اختطاف أو اعتداء أو اغتصاب أو أشكال أخرى من العنف القائم على النوع الاجتماعي، إذ وصفت ديبمالا ماهلا، كبيرة مسؤولي الشؤون الإنسانية في منظمة “كير” الإنسانية، حرب السودان بأنها في الواقع “حرب على النساء”.

كما اتخذت أعمال العنف طابعًا عرقيًا على نحو متزايد. وكانت قبيلة المساليت هدفًا رئيسيًا للعنف الانتقامي من جانب قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها والتي شنت حملة من القتل والتعذيب لطرد ما يقرب من 540 ألف شخص من قبيلة المساليت من منازلهم في منطقة الجنينة.

  • القيود على وصول المساعدات الإنسانية

يواجه بالفعل 25.6 مليون شخص – أي نصف سكان السودان – أزمة غذائية. ومن بين هؤلاء، يعاني 8.5 مليون شخص من سوء التغذية الحاد، ويعاني 755 شخصًا مما تصفه وكالات الإغاثة بـ”الكارثة”، أو حالة المجاعة.

وبحسب كبيرة مسؤولي الشؤون الإنسانية في منظمة “كير”، فإن الكثير من الناس في مخيمات اللاجئين يحصلون على وجبة واحدة فقط يوميًا، وغالبًا ما تتكون من الحبوب الأساسية أو البقوليات، التي تفتقر إلى المغذيات الكبيرة الكافية.

كما تكافح المنظمات الإنسانية العالمية من أجل إيصال المساعدات إلى المناطق التي تحتاج إليها. وتصنف منظمة (ACAPS) غير الربحية، القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية في السودان بأنها الأكثر تشددًا، حيث روى أحد النازحين أن الرحلة الأخيرة من كسلا إلى بورتسودان، حوالي 350 ميلًا، كان بها 22 نقطة تفتيش، مما يجعل حركة الإمدادات بطيئة للغاية، فالرحلات التي كانت تستغرق عادةً بضع ساعات، غالبًا ما تمتد إلى عدة أيام.

ويشير برنامج الأغذية العالمي إلى أنه قدم المساعدة إلى ما لا يقل عن 6.7 مليون شخص خلال الحرب، لكن شاحناته مُنعت أيضًا من السفر واختطفت ونهبت من قبل الجماعات المسلحة.

ومن الجدير بالذكر أن الحكومة السودانية أعادت في أغسطس الماضي، فتح قناة مساعدات مهمة على طول الحدود مع تشاد كانت معطلة خلال الأشهر الستة الماضية، لكن المساعدات لم تتدفق حتى الآن إلا بالكاد.

  • خذلان من المجتمع الدولي

وبحسب لجنة الإنقاذ الدولية، فإن المجتمع الدولي خذل السودان، إذ لم يتم تمويل خطة الاحتياجات والاستجابة الإنسانية التي أطلقتها الأمم المتحدة للسودان لعام 2024 والبالغة 2.7 مليار دولار إلا بنسبة 48% فقط.

وقد أدى نقص التمويل هذا إلى شعور السودانيين بالتجاهل. كما أشار المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إلى أن السودان “لا يحظى بالاهتمام الذي يستحقه”،  مرجعا ذلك إلى حد كبير إلى أبعاد تتصل بالعرق مقارنة بوضع الصراع في أوكرانيا.

ويشير خبراء آخرون أيضًا إلى افتقار الدول الغربية إلى المصالح الجيوسياسية في هذه الحرب، حيث ترى ميشيل جافين الخبيرة لدى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن الأفارقة لا يدركون فقط الوقت والموارد والاهتمام رفيع المستوى الموجه نحو الأزمات في غزة وأوكرانيا، بل يدركون أيضًا التفاوت بين هذا المستوى من الجهد والاهتمام، والمحاولات الخافتة لمعالجة أكبر مشكلة في العالم “الأزمة الإنسانية في السودان”، معتبرة أن ما يحدث جزءًا من “رواية أوسع” حول التجاهل والازدراء.

وختامًا، إن العالم يشهد اليوم أسوأ فجوة تمويلية لمواجهة الأزمات الإنسانية، حتى مع تزايد الحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى، فبين عامي 2016 و2022، تم تمويل نداءات الأمم المتحدة بنسبة 58% في المتوسط. ويزداد هذا الوضع سوءا مع تصاعد الحروب واستمرارها لفترة أطول ​​في جميع أنحاء العالم، بجانب الآثار المتفاقمة لأزمة المناخ حيث يضرب الجفاف منطقتي القرن الإفريقي والساحل، وتجتاح الفيضانات باكستان وجنوب السودان وليبيا، وتؤدي الضغوط الزراعية إلى الصراع على الموارد في نيجيريا.

زر الذهاب إلى الأعلى