غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي من الطريقة التي يتواصل بها الأفراد والمؤسسات داخل المجتمع، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الاتصالات الحديثة، لذلك بات فهم ديناميكياتها أمرًا ضروريًا، وهو ما أدى لانشغال كثير من الأكاديميين بتوظيف نظريات وأطر منهجية لدراسة وتحليل الحالة الاتصالية عبر هذه المنصات، وما تشهده من تفاعلات وتأثيرات متبادلة بين أطراف العملية الاتصالية.
وفي هذا الإطار، نشرت المجلة الجزائرية لبحوث الإعلام والرأي العام في عددها الصادر في يونيو 2023، ورقة بحثية بعنوان “قراءة مفاهيمية للإعلام الجديد؛ وفقًا لنموذج شانون ويفر للاتصال”، من إعداد الدكتور طلال ناظم الزهيري الأستاذ بالجامعة المستنصرية في العراق، حيث هدفت إلى توظيف هذا النموذج للوصول إلى قراءة مفاهيمية لوسائل الإعلام الجديد، وتأثيرها المجتمعي من خلال فحص مكونات النموذج، بما في ذلك المرسل والمستقبل والرسالة والقناة والضوضاء والتعليقات.
- نموذج شانون ويفر
يُعرف هذا النموذج باسم نموذج الاتصال، وهو إطار مُعترف به على نطاق واسع لتحليل وفهم عمليات الاتصال، وقد تم تطويره في عام 1949 من قبل كلود شانون ووارن ويفر، ويحدد النموذج العناصر الأساسية للاتصال والعوامل المختلفة التي يمكن أن تؤثر على إرسال واستقبال الرسائل، ويتكون من 5 عناصر أساسية وهي:
- المصدر: الشخص أو الكيان الذي يبدأ عملية الاتصال.
- الناقل: الآلية المستخدمة لتشفير الرسالة ونقلها.
- القناة أو الوسيط: الذي يتم من خلاله نقل الرسالة مثل خط الهاتف أو البريد الإلكتروني.
- المتلقي: الشخص أو الكيان الذي يتلقى الرسالة.
- الوجهة: المستلم المقصود للرسالة.
ووفقًا لنموذج شانون ويفر، يعد الاتصال عملية خطية تنتقل فيها الرسالة من المصدر إلى الوجهة عبر سلسلة من الخطوات. ويقر النموذج أيضًا أن الاتصال يمكن أن يتأثر بعوامل مختلفة، بما في ذلك الضوضاء والتغذية الراجعة، إذ تشير الضوضاء إلى أي تداخل يمكن أن يعطل إرسال أو استقبال رسالة. وهذا يشمل عوامل خارجية مثل الضوضاء، بالإضافة إلى عوامل داخلية مثل الانحرافات أو التحيز.
وتعد التعليقات عنصرًا أساسيًا في النموذج، حيث تسمح للمرسل والمستقبل بتبادل المعلومات وضبط اتصالاتهما وفقًا لذلك، ويمكن أن تتخذ التعليقات أشكالًا كثيرة مثل الإشارات اللفظية أو غير اللفظية، وهي ضرورية لضمان تلقي الرسالة وفهمها على النحو المنشود.
ويدرك نموذج شانون ويفر أن الاتصال ليس عملية تقنية بحتة، ولكنه يتشكل أيضًا من خلال المعايير الاجتماعية والثقافية للأفراد المعنيين، ويوفر النموذج إطارًا واضحًا لتحليل عمليات الاتصال، ويمكن تطبيق عناصره الأساسية على مجموعة واسعة من عمليات الاتصال.
- الإعلام الجديد وفق نموذج شانون ويفر
يوفر تطبيق النموذج على الإعلام الجديد اكتساب فهم أعمق لكيفية إرسال الرسائل وتسلمها وتفسيرها في محيط بيئتها الرقمية، فضلًا عن إمكانية تحسين الاتصال ضمن المنظومة الإعلامية، وهو ما يتضح على النحو التالي:
- المرسل: لا يزال المرسل في وسائل الإعلام الجديد هو الشخص أو الكيان الذي ينشئ الرسالة ويرسلها إلى المستلم، لكنه قد يتميز بقدرته على أن يتخذ كثيرا من الأشكال، على سبيل المثال يمكن أن يكون المرسل فردًا أو مجموعة أو مؤسسة أو نظامًا آليًّا. وفي بعض الحالات قد يكون المرسل مجهولًا، مما يجعل من الصعب على المتلقي تحديد هويته.
جانب آخر مهم للشخصية المرسلة في الإعلام الجديد هو أنه قد يكون لديه إمكانية الوصول إلى مجموعة متنوعة من القنوات والتي يمكن من خلالها نقل الرسالة.
وتجدر الإشارة إلى أن تنوع الأشكال والقنوات المتاحة في وسائل الإعلام الجديد يمكن أن يقدم تحديات وفرصًا جديدة للتواصل الفعال.
- المتلقي: يتخذ أشكالًا مختلفة، فقد يكون فردًا أو مجموعة أو منظمة أو نظامًا آليًّا. ويتمثل أحد التحديات في الإعلام الجديد في أن المتلقي يتحكم في الرسالة التي يتلقاها أكثر من قنوات الاتصال التقليدية، فعلى سبيل المثال يمكنه اختيار أو تجاهل أو حظر أو كتم الرسائل أو اختيار التعامل مع المرسل بصورة مباشرة.
بالإضافة إلى ذلك قد يتمكن المتلقي من الوصول إلى مجموعة متنوعة من القنوات التي يمكن من خلالها تلقي الرسائل مثل منصات التواصل الاجتماعي أو تطبيقات المراسلة أو البريد الإلكتروني أو المدونات أو القنوات الرقمية الأخرى.
وبشكل عام يلعب المتلقي دورًا أساسيًا في عملية الاتصال، حيث يحدد كيفية تفسير الرسالة وكيفية استجابته لها. وفي الإعلام الجديد، يمكن أن تؤثر قدرة المتلقي على التحكم في تفاعلاته وتصفية الرسائل على فاعلية عملية الاتصال.
- الرسالة: يمكن أن تتخذ أشكالًا مختلفة بما في ذلك النصوص والصور ومقاطع الفيديو والصوت والرموز التعبيرية، وهي عرضة للتغيير أو التشويه، حيث يتم نقلها عبر قنوات مختلفة مما قد يؤثر على طريقة تلقيها وتفسيرها من قبل المتلقي، لذلك من الضروري النظر في كيفية تقديم الرسالة وكيف يمكن أن تتأثر بعوامل مثل اختيار الكلمات والنبرة والتوقيت والسياق. ويعد فهم الرسالة وكيفية تقديمها أمرًا بالغ الأهمية في الإعلام الجديد، فهناك حاجة إلى استراتيجيات مراسلة فعالة لضمان نقل الرسالة وفهمها بدقة من قبل المتلقي.
- القناة: تتخذ أشكالًا مختلفة مثل منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة، والبريد الإلكتروني والمدونات والبودكاست وأدوات مؤتمرات الفيديو والمنصات الرقمية الأخرى. ويمكن أن تؤثر القنوات على عملية الاتصال بعدة طرق، فعلى سبيل المثال تتمتع القنوات المختلفة بنقاط قوة وقيود متباينة، مما قد يؤثر على نوع الرسالة التي يمكن نقلها وردود الفعل بين المرسل والمستقبل.
علاوة على ذلك، يمكن للقنوات الإعلامية للإعلام الجديد أن تقدم ضوضاء وتعليقات إضافية، مما قد يؤثر على وضوح الرسالة ودقتها. إذ قد تخضع الرسالة المشتركة على وسائل التواصل الاجتماعي للتعليقات والمراجعات من المستخدمين الآخرين، والتي يمكن أن تؤثر على كيفية تفسير المتلقي للرسالة. وبالتالي يعد فهم القناة وخصائصها أمرا ضروريا في الإعلام الجديد.
- الضوضاء: تشير في سياق نموذج الاتصال إلى أي عامل يمكن أن يتداخل مع دقة إرسال الرسالة واستقبالها، فقد تكون جسدية أو دلالية أو نفسية. أما في الإعلام الجديد يمكن أن تساعد التعليقات والملاحظات في معالجة الضوضاء من خلال السماح للمرسل بتوضيح الرسالة أو المتلقي لطلب التوضيح.
ويعد فهم الضوضاء وتأثيرها على عملية الاتصال أمرًا بالغ الأهمية لتطوير استراتيجيات اتصال فعّالة في سياق الإعلام الجديد.
- التغذية الراجعة: يقصد بها استجابة المتلقي على الرسالة المرسلة، وتتخذ في عصر الإعلام الجديد عدة أشكال مثل الإعجابات أو المشاركات أو التعليقات أو الرسائل المباشرة.
ويمكن أن توفر الملاحظات معلومات قيمة حول رد فعل الجمهور على الرسالة، والتي يمكن أن تساعد المرسل على تكييف رسالته لجمهور معين أو تحسين الفاعلية الشاملة لاستراتيجية الاتصال الخاصة به.
ويعد تطوير آليات ردود فعل فعالة مُصممة خصيصًا للقناة والجمهور أمرًا ضروريًا للتواصل الناجح في الوسائط الجديدة، ويمكن أن يشمل ذلك الإشراف على التعليقات أو استخدام استطلاعات الرأي أو الاستطلاعات لجمع الملاحظات أو الانخراط مع الجمهور لتوضيح الرسالة.
وختامًا، خلصت الورقة البحثية إلى أن الإعلام الجديد لا يعني بأي حال من الأحوال حالة مختلفة عن الإعلام التقليدي، لأن وصف الجديد هو في الواقع وصف للقنوات والوسائل المستخدمة لنقل الرسالة من المرسل إلى المتلقي. أما باقي المكونات فهي متشابهة في الممارسة الإعلامية مع إدراك أن هناك تباينات واختلافًا نسبيًا بين فاعليتها في الإعلام الجديد والتقليدي.
كما رجحت أن يشهد العقد المقبل ظهور مفاهيم جديدة ونماذج اتصال مبتكرة تأخذ بعين الاعتبار واقع التطور في الفضاء الرقمي خاصة مع نمو مبادرات الذكاء الاصطناعي ودوره في إعادة تقديم المعرفة البشرية من خلال خوارزميات الآلة، وهو ما قد ينتج المزيد من الفرص للمؤسسات الإعلامية، ولكنه سيشكل أيضًا تحديات جديدة. وسيكون أحد التحديات الرئيسية هو ضمان مصداقية وموثوقية المعلومات المقدمة.