منذ تأسيس المملكة العربية السعودية وعلى مدار عقود ممتدة، تبنت قيادتها الرشيدة نهجًا متعدد المحاور لحركة السياسة الخارجية السعودية، وأنماطا متنوعة من الدبلوماسية بوصفها الذراع التنفيذية لتحقيق أهداف تلك السياسة وأولوياتها، وعلى هذا النحو استحوذ نمط الدبلوماسية الإغاثية على اهتمام كبير ينبع من الدور الريادي للمملكة كقوى اقتصادية رئيسية في النظام العالمي، وقائدة للعالم الإسلامي، وقطب رئيسي في منظومة العمل العربي المشترك.
واستشعارًا لأهمية هذا الدور الإنساني والمسؤولية الأخلاقية، عملت المملكة على تأطير جهودها ذات الصلة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية التي تقدمها إلى شعوب الأرض من أقصاها إلى أدناها، من خلال استحداث مؤسسات معنية بتلك المهام التي جعلت من “مملكة الإنسانية” وجهة أساسية يُهرع إليها في أوقات الشدائد والأزمات والمحن، كونها تحمل على عاتقها رسالة حفظ كرامة الشعوب المحتاجة، وتحقيق الازدهار للفئات الأشد ضعفًا وإغاثة المنكوبين أينما كانوا، فالإغاثة الإنسانية من منظور الشريعة الإسلامية لا تميز بين إنسان وآخر بناء على عرق أو لون أو لسان أو دين أو طائفة.
التفاعل السعودي مع كارثة زلزال المغرب
شكّل الزلزال القوي الذي ضرب المغرب في التاسع من سبتمبر الجاري، وأسفر عن مقتل 2497 شخصا وإصابة 2476 آخرين، ودمار هائل، كارثة كبرى وفاجعة مؤلمة أثارت تعاطفا عربيا وعالميا واسعا مع المنكوبين في المغرب؛ وفور وقوع تلك المأساة أعربت المملكة العربية السعودية – في بيان صادر عن وزارة الخارجية – عن صادق مواساتها لحكومة وشعب المملكة المغربية الشقيقة، مؤكدة وقوفها وتضامنها مع المغرب وشعبها الشقيق في هذا المصاب الجلل، معبرة عن خالص تعازيها لأسر المتوفين، وتمنياتها الصادقة للمصابين بالشفاء العاجل، والأمن والسلامة للمملكة المغربية وشعبها الشقيق.
ووجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله– مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بتسيير جسر جوي لتقديم المساعدات الإغاثية المتنوعة، للتخفيف من آثار الزلزال على الشعب المغربي الشقيق.
وقد جاءت تلك الخطوة انطلاقًا من الحرص على الوقوف إلى جانب المتضررين من أبناء الشعب المغربي الشقيق، والتخفيف من آثار الزلزال المدمر، الذي تسبب في وقوع خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
ويتضمن الجسر الجوي إرسال فريق البحث والإنقاذ السعودي من المديرية العامة للدفاع المدني، وفرق من هيئة الهلال الأحمر السعودي، بقيادة مركز الملك سلمان للإغاثة، للمشاركة في الأعمال الإغاثية والإنسانية، وإنقاذ المحتجزين تحت الأنقاض والمتضررين من الزلزال.
وبجانب الدعم الرسمي، عبّر السعوديون عن تضامنهم مع أشقائهم في المغرب، إذ شهدت وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلًا واسعًا من جانب المستخدمين السعوديين الذين دشنوا هاشتاقا يحمل اسم (#السعودية_تساند_المغرب) دعوا فيه للمغرب دولة وشعبًا بأن يحفظهم الله، وتمنوا الشفاء للمصابين وترحموا على المتوفين.
كما أثنوا على التوجيهات السريعة لولاة الأمر –حفظهم الله – بتسيير جسر جوي لتقديم المساعدات لضحايا الزلزال في المغرب، معربين عن شعورهم بالفخر بالمملكة وقيادتها الرشيدة؛ كونها دائمًا سبّاقة في مساعدة وإغاثة المنكوبين.
البعد المؤسسي للجهود الإغاثية السعودية
تماشيًا مع الجهود الإغاثية المستمرة للمملكة العربية السعودية وحرصها الدائم على مساعدة المنكوبين والمحتاجين، اهتمت المملكة بوضع نظام مؤسسي للمساعدات وتطوير الآليات في هذا المجال الحيوي، من بينها الصندوق السعودي للتنمية، الذي تم تأسيسه ليصبح القناة الرئيسية التي تقدم من خلالها مساعداتها الإنمائية، إذ يتمثل هدفه الأساسي في المساهمة في تمويل المشاريع التنموية في الدول النامية عن طريق منح القروض لتلك الدول، بجانب تقديم منح للمعونة الفنية لتمويل الدراسات، فضلًا عن تقديم الدعم المؤسسي.
وبجانب هذا البعد الإنمائي، للسعودية بصمة مؤسسية واضحة في مجال العمل الإغاثي، عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية، الذي تأسس في مايو 2015 برأسمال يبلغ مليار ريال سعودي، إذ يتصدر قائمة المؤسسات المعنية بالإغاثة ليس فقط من حيث قيمة المساعدات والمعونات التي تمر من خلاله، بل أيضا الأساليب المتطورة التي يتبعها في هذا المجال.
السعودية من بين أكبر 10 دول مانحة في العالم
وتعد المملكة العربية السعودية من بين أكبر 10 دول مانحة في العالم تقدم المساعدات الإنسانية والإنمائية للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، ففي العقود الثلاثة الماضية، أنفقت السعودية أكثر من 96 مليار دولار، على المساعدات الإنسانية والتنموية، وفي 2021م، كانت الدولة الأعلى في العالم، وقدمت مساعدات إنسانية وتنموية بما يعادل 7.2 مليار دولار (1.05% من إجمالي دخلها القومي)، بحسب تصريحات للدكتور عقيل الغامدي، مساعد المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة.
ووفقا لمنصة المساعدات السعودية، بلغ إجمالي المساعدات الإنسانية والتنموية التي قدمتها المملكة عبر 16 جهة سعودية مانحة 462.11 مليار ريال سعودي أي ما يعادل 123.22 مليار دولار أمريكي، وذلك من خلال 5694 مشروعا في 167 دولة، (تشمل المشاريع والمساهمات الإنسانية والتنموية والخيرية والخدمات المقدمة للزائرين “اللاجئين”).
وقد غطت المشاريع قطاعات مختلفة، جاء في صدارتها مساعدات تنموية تتعلق بالتعليم (1794 مشروعا)، ثم مساعدات إنسانية عامة تتصل بالأمن الغذائي والزراعي (876)، ثم في قطاع الصحة (680)، وكذلك النقل والتخزين (271)، والإيواء والمواد غير الغذائية (259).
وتصدرت مصر قائمة الدول الأعلى تلقيًا للمساعدات السعودية بواقع 32.488 مليار دولار، تليها اليمن (14.091 مليار)، ثم باكستان (10.582 مليار)، وفي المركز الرابع العراق (7.327 مليار)، ثم فلسطين (5.187 مليار).
وفي ذات الإطار، بلغت المساهمات المالية للمملكة في المنظمات والهيئات الدولية، 10.30 مليار ريال سعودي أي ما يعادل 2.74 مليار دولار أمريكي تشمل دعم البرامج العامة، والمساعدات الإنسانية والإغاثية في حالات الطوارئ والأعمال الخيرية الدينية والاجتماعية والصحة والنقل.
وتعد الأمم المتحدة على رأس أكبر 5 جهات مستفيدة، حيث حصلت على (439.5 مليون دولار)، يليها الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (328.2 مليون)، ثم البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (305.3 مليون)، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (238.6 مليون)، ثم البنك الإسلامي للتنمية (204,8 مليون).
وختامًا، إن المملكة العربية السعودية كانت وما زالت وستظل – بفضل الله- وفي ظل توجيهات قيادتها الرشيدة، صاحبة الدور المبادر في تقديم العون والمساعدة خلال الأزمات والكوارث، وذلك نهج وممارسة راسخة، كما أن العطاء وإغاثة الملهوف من القيم الإسلامية السمحة والشيم العربية الأصيلة التي تتحلى بها السعودية قيادةً وشعبًا.