احتلت المملكة العربية السعودية الصدارة عربيًا وعلى مستوى دول الشرق الأوسط، وجاءت في الترتيب التاسع عالميًا في تصنيف القوى العالمية لعام 2023 الصادر عن مجلة “US News & World Report”، كجزء من استطلاع “أفضل البلدان”، الذي استند لآراء 17 ألف شخص تجاه 87 دولة، إذ يقيم هذا التصنيف تأثير الدولة بناءً على تصورات المشاركين لعوامل مثل القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ووصف التقرير المملكة بأنها عملاق الشرق الأوسط، حيث تقع الغالبية العظمى من الثروات في شبه الجزيرة العربية داخل حدودها، بجانب مكانتها الروحية لدى العالم الإسلامي، وقوتها الاقتصادية والنفطية، مشيرًا كذلك إلى أن عضوية السعودية في منظمة التجارة العالمية ساعدت على فتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي.
ومما لا شك فيه أن هذا التصنيف يعكس التطور الذي تشهده السعودية بشكل عزز من مقومات القوة الشاملة للدولة والتي تعبر عن محصلة لمجموع مواردها الطبيعية وفاعلية كتلتها الحيوية السكانية والجغرافية والاقتصادية كقوة صلبة أي مادية وملموسة، بجانب القوة الناعمة غير الملموسة والتي تظهر في تفاعلاتها الدبلوماسية والسياسية، وما لديها من مقومات سياحية وإرث ثقافي وتاريخي.
- رؤية المملكة 2030 قاطرة للتحديث والنهضة
ارتبط التطور الذي تشهده السعودية خلال السنوات القليلة الماضية برؤية المملكة 2030 التي أطلقها القائد المُلهم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، في 25 أبريل 2016، لا سيما عبر برامجها الرائدة ومستهدفاتها الطموحة ومشروعاتها العملاقة التي غطت كافة المجالات، فكانت بمثابة خارطة طريق استراتيجية لتحقيق طموحات المملكة وتطلعاتها بالاستفادة من مكامن القوة الاجتماعية والسكانية والاقتصادية الفريدة لتصبح المملكة في مصاف الدول المتقدمة.
وعلى هذا النحو، استهدفت الرؤية تنويع الاقتصاد مع التركيز على التجارة، وتهيئة المناخ لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والتوجه نحو الطاقة الخضراء والحفاظ على الاستدامة البيئية، وتطوير الصناعات عالية التقنية والصناعات العسكرية والدفاعية، وتحقيق نقلة نوعية في قطاعي السياحة والترفيه، بجانب تمكين المرأة والشباب، وذلك انطلاقًا من قناعة راسخة بأن المواطن السعودي هو أهم عوامل النجاح للمملكة، حيث يلعب دورًا محوريًا في التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، ويسهم بشكل مباشر في تحقيق الإنجازات والمضي قدمًا في مختلف المجالات والقطاعات الواعدة.
وقد حققت الرؤية على مدى السنوات الماضية نتائج ملموسة على صعيد منظومة العمل الحكومي والاقتصاد والمجتمع، ورفع مستوى جودة حياة المواطنين وتمكين المواطن والقطاع الخاص، وتنويع الاقتصاد ودعم المحتوى المحلي وتطوير فرص مبتكرة للمستقبل، فضلًا عن خلق بيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية، كما حققت نجاحات ملموسة على مستوى البنية التحتية.
- الكتلة الحيوية السعودية
تتمتع السعودية بكتلة حيوية قوية تتألف من عنصرين وهما الإقليم أي القدرة الجغرافية، والذي يمثل مجموع مشتملاته المقومات الجيوسياسية للدولة، والعنصر الثاني هو السكان أي القدرة البشرية؛ وبناء عليهما تنمو وتتطور باقي القدرات لا سيما الاقتصادية والعسكرية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المملكة تتمتع بموقع جغرافي متميز فهي حلقة اتصال بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، واتصالها البري مع دول الجوار وقربها من المضايق البحرية المهمة أضفى أهمية استراتيجية تؤهلها لأن تصبح مركزا صناعيا مميزا يتسم بقربه من الأسواق العالمية، كما أن المجتمع السعودي مجتمع شاب نابض بالحياة، فوفقا للتقرير الإحصائي لـ “تعداد السعودية 2022” الصادر عن هيئة الإحصاء السعودية، يشكل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة، 63% من المواطنين السعوديين.
ومن المعلوم أن الشباب هم قوة رئيسية للتنمية المستدامة وعوامل رئيسية للتغيير الاجتماعي والنمو الاقتصادي والابتكار التكنولوجي، وهذا ما تؤكد عليه خطابات وسياسات القيادة الرشيدة التي تم ترجمتها عمليا عبر إطلاق الجهات العامة الكثير من البرامج والمشاريع لتمكين الشباب ضمن برامج ومشاريع مبادرات التحول الوطني، بهدف زيادة مشاركة الشباب اجتماعيًا وفي سوق العمل.
أما على صعيد القدرة الاقتصادية، تحتل المملكة مركزًا اقتصاديًا مرموقًا؛ حيث يُعد اقتصادها الأكبر في الشرق الأوسط ومن بين أكبر عشرين اقتصادًا في العالم. وقد وثق العديد من التقارير والمؤشرات الاقتصادية التطور الكبير الذي حققه اقتصاد المملكة في إطار جهود تطوير وتنويع الاقتصاد السعودي، فعلى سبيل المثال جاءت المملكة في المرتبة 17 عالميًا من أصل 64 دولة هي الأكثر تنافسية في العالم، لتصبح من الدول الـ 20 الأولى لأول مرة في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية، الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية.
وتقدمت بذلك 7 مراتب في نسخة العام الحالي 2023م، مدعومةً بالأداء الاقتصادي والمالي القوي في عام 2022م، وتحسن تشريعات الأعمال، ما جعلها في المرتبة الثالثة بين دول مجموعة العشرين لأول مرة، متفوقةً بذلك على دول ذات اقتصادات متقدمة في العالم مثل كوريا الجنوبية، وألمانيا، وفرنسا، واليابان، وإيطاليا، والهند، وبريطانيا، والصين، والمكسيك، والبرازيل، وتركيا.
ومن جهة القوة المالية، سجلت الميزانية العامة للمملكة العام الماضي فائضا بلغ 102 مليار ريال سعودي بواقع 27 مليار دولار للمرة الأولى منذ 9 سنوات.
وعلى صعيد القدرة العسكرية، يحتل الجيش السعودي المرتبة الـ22 عالميًا في تصنيف موقع “جلوبال فاير باور” المتخصص في الشؤون العسكرية، والذي يعتمد على أكثر من 50 عاملًا لتحديد مكانة القوة العسكرية لأي دولة، مع الأخذ في الاعتبار القوة العسكرية والمالية والقدرات اللوجستية والعامل الجغرافي.
وبجانب ذلك تعمل المملكة على توطين الصناعات العسكرية السعودية في إطار رؤية المملكة 2030، إذ تستهدف توطين ما يزيد على 50% من إجمالي الإنفاق العسكري بحلول عام 2030، وكذلك بناء الإمكانات الوطنية لدعم الخطط المستقبلية الرامية للارتقاء بصناعات عسكرية حديثة ومتطورة.
- القوة الناعمة للمملكة
تمثل القوة الناعمة أحد المرتكزات الهامة لحضور المملكة بشكل فاعل ومؤثر في المشهد الإقليمي والعالمي؛ وبحسب أستاذ العلاقات الدولية الأمريكي الشهير، جوزيف ناي الذي صك هذا المفهوم في كتابه “وثبة نحو القيادة- Bound to lead” الصادر عام 1990، تشمل القوة الناعمة مجموعة من أدوات الإقناع والجذب التي تتم من خلال السمعة الدولية والسلطة المعنوية والأخلاقية والوزن الدبلوماسي والقدرة الإقناعية والجاذبية الثقافية.
وبتطبيق هذا المفهوم على الحالة السعودية، نجد أن المملكة تتمتع بقدرة دبلوماسية نابعة من سياسة خارجية تستهدف ترسيخ احترام قواعد القانون الدولي ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والدعوة إلى السلام والاستقرار، بجانب جهاز دبلوماسي نشط، وتفاعل إيجابي مع مختلف القضايا والأزمات الدولية، عبر استضافة قمم إقليمية ودولية على أراضيها بغية حلحلة تلك الأزمات أو المشاركة الفاعلة في كافة المؤتمرات والقمم التي تعقد في الخارج، هذا فضلا عن امتلاك زمام المبادرة إزاء القضايا والتحديات الإقليمية والدولية وهي إحدى السمات التي ميزت السياسة الخارجية السعودية.
ولما كان كل من السياحة والترفيه من عناصر القوة الناعمة في العصر الراهن، أولت القيادة الرشيدة اهتمامًا كبيرًا لهما من خلال تعزيز السياحة الدينية، وفتح المجال أمام أنماط سياحية جديدة تجمع بين الثقافة والمغامرات والسياحة البحرية، إذ تمتاز المملكة بوجهات سياحية ذات تنوع جغرافي وتاريخي، تسلط الضوء على الموارد الطبيعية والكنوز الأثرية والأماكن التاريخية، التي تلبي تطلعات السياح، وأطلقت مشروعات سياحية عملاقة من أبرزها مشروع “نيوم” على ساحل البحر الأحمر، ومشروع “أمالا” السياحي في مدينة تبوك والذي يوصف بأنه “ريفيرا” الشرق الأوسط.
كما اتخذت المملكة خطوات هامة لجذب السائحين إليها من بينها التأشيرة السياحة التي تم الإعلان عنها عام 2018، بالإضافة إلى استضافة الأحداث الرياضية الهامة التي يوجد لها جمهور غفير حول العالم، وهي السياسة التي من شأن الاستمرار في انتهاجها أن تدعم تدفق السياحة إلى أكبر اقتصاد في الوطن العربي.
وفي مجال الترفيه، تبرز مواسم السعودية وفي مقدمتها موسم الرياض كواحدة من أبرز الخطوات التي اتخذتها المملكة من أجل التحول نحو أن تصبح من أهم الوجهات السياحية والترفيهية في العالم، وتشتمل تلك المواسم على فعاليات فنية ورياضية وثقافية معتمدة على أحدث التقنيات التكنولوجية في مجال الترفيه والألعاب.
وتأسيسًا على ما سبق يمكن القول، بأن القيادة الرشيدة، أيدها الله، تمكنت في سنوات قليلة من تعزيز رصيد القوة الشاملة التي تتمتع بها الدولة السعودية، وتحقيق طفرات كبرى في مختلف المجالات، من خلال وضع رؤية المملكة 2030 تلك الوثيقة التنموية المرجعية التي انبثق عنها كافة الاستراتيجيات العامة والسياسات والبرامج التنفيذية. وفي ظل ديناميكية القوة الشاملة للدولة، تربط عناصر هذه القوة علاقة تفاعلية تبادلية التأثير والتأثر، فكل إنجاز يتم تحقيقه في أي قطاع يشكل إسهامًا يعزز من القوة الشاملة للدولة.