دراسات

المعالجة الدرامية لممارسة المرأة للعنف في المنصات الرقمية

شهدت الدراما في الآونة الأخيرة تحولًا هائلًا بعد ظهور المنصات الرقمية التي أصبح لها جمهور تعدى الملايين لما تملكه من مقومات جعلتها منافسًا قويًّا للإعلام التقليدي، كونها في متناول الجميع، الأمر الذي أدى لظهور ما يعرف بـ”دراما المنصات الرقمية” التي تحمل طابعًا مختلفًا يتسم بالجرأة في الطرح والتكثيف في العرض، كما تغيّرت عادات المشاهدة، إذ بات بمقدور الجمهور متابعة الحلقات كافة في ساعات معدودة من خلال توفير جميع الحلقات دفعة واحدة.

ولكن كان من اللافت أن “دراما المنصات الرقمية” تُظهر المرأة بصورة مختلفة، حيث العنف والانتقام والقتل دون مراعاة لما يمكن أن يحدث من تشويه لصورتها جراء ذلك، وبالتالي يتحول دور الدراما من داعم للقيم الإيجابية إلى دعم العنف والجريمة والطبقية في المجتمع.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة البحوث والدراسات الإعلامية  في عددها الصادر في يونيو 2023 دراسة بعنوان “المعالجة الدرامية لممارسة المرأة للعنف في المنصات الرقمية.. دراسة تحليلية”، من إعداد الدكتورة رحاب سلامة، المحاضر بقسم الصحافة والإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة جازان السعودية، حيث سعت إلى رصد وتحليل كيفية معالجة المسلسلات التي تُعرض على المنصات الرقمية لممارسة المرأة للعنف من خلال تحليل مضمون مسلسل “في كل أسبوع يوم جمعة” المعروض على منصة شاهد.

  • نتائج الدراسة

أشارت الدراسة إلى أن معظم الأعمال المنتجة للمنصات الرقمية تكون من إنتاج القطاع الخاص لأن ميزانيات إنتاجه تفوق ميزانيات إنتاج القطاع العام والدولة، وهذا يجعلها تبتعد عن المعايير الرقابية التي تخضع لها المسلسلات التي تقدم على شاشات التلفاز التقليدية – وإن خضعت لها جزئيًا – مما يجعلها أكثر جرأة في الطرح خاصة للموضوعات التي تحمل العنف أو الأفكار المخالفة لقيم وتقاليد المجتمع. ويتنافى هذا مع مبادئ نظرية المسؤولية الاجتماعية التي تهدف إلى التزام وسائل الإعلام بالمعايير المهنية في طرح المعلومات وعدم نشر ما يدعو للجريمة والفوضى في المجتمع.

وأوضحت الدراسة أن المسلسل – عينة الدراسة – اندرج تحت نوعية المسلسلات الدرامية، حيث إنه ناقش أحد أشكال ممارسة العنف الذي يمكن أن تمارسه المرأة ولكن بصورة أقرب للتصور الخيالي وليس الواقع نظرًا لصعوبة المشاهد التي عُرضت في المسلسل.

ورصدت الدراسة أن مشاهد العنف التي قامت بها المرأة في المسلسل حدثت في مجموعة من الأماكن، ولكن معظمها كانت أماكن مغلقة بصورة كبيرة، حيث يصعب على المرأة ممارسة العنف في أماكن مفتوحة؛ نظرًا لطبيعة المرأة حتى وإن كانت مخططة للعنف.

ورأت الدراسة أن اسم المسلسل عبّر عن الأحداث بصورة رمزية، حيث يتضح من النتائج أن ممارسة المرأة للعنف مثّل الموضوع الرئيسي في المسلسل، ويشير ذلك إلى تركيز القائمين على العمل لإبرازه في مختلف المشاهد، حيث تم عرض أنواع مختلفة من طرق ممارسة العنف التي نجد أنه من الصعب على المرأة التفكير والقيام بذلك أيًا كان الدافع وراء ارتكابها ذلك، ولكن المسلسل جسّد المرأة في شكل المُدبر والمُنفذ للعنف بكل أشكاله وتفاصيله مع أن بطلة المسلسل لم تتسم بيئتها بالعنف من الأساس أو حتى بنيتها الجسمانية والشكلية، بما يتنافى مع ما فعلته بعد ذلك من تجسس وقتل وتلاعب، وبالتالي فالمسلسل يقوم بدعم فكرة “العنف” وإمكانية استخدام المرأة له، بل إنه ييسر أيضًا تنفيذه بشكل يتنافى مع واقع مجتمعاتنا العربية التي تُعرض بها مثل هذه المسلسلات. وعلى هذا خلصت الدراسة إلى أن هناك تعمدًا لتشويه صورة المرأة العربية، سواء في الدراما العربية أو الأجنبية المعروضة في المنصات الرقمية.

كما رصدت الدراسة أن مساحة الدور الذي لعبته المرأة الممارسة للعنف في المسلسل قد مثّل الأدوار الرئيسة، ويُدلل هذا على توجهات المسلسل في دعم قيم العنف التي تتنافى مع مجتمعاتنا ومع صورة المرأة في المجتمع المصري الذي مثله المسلسل، حيث إن أبطال المسلسل يعدون نماذج من المفترض أن يُحتذى بها من خلال الإيجابيات التي ينقلونها للجمهور، وحتى إن كان ما ينقل يعكس السلبيات، فلا يُفترض أن يكون على النحو الذي تم تقديمه لأن محاكاته ستكون أسوأ من الاستفادة منه.

ووجدت الدراسة أن معظم أحداث العنف التي قامت بها المرأة في المسلسل، اشتملت على العنف المعنوي “التزوير” والعنف المادي “القتل”، والعنف الرمزي “التجسس”، وبالتالي نوّع المسلسل من أساليب استخدام العنف في المسلسل، وكأنه أمر سهل حدوثه والتعامل معه، وأن المرأة يمكنها بذلك أخذ حقها بحرفية وحنكة دون أن يشعر بها أحد، مما يتنافى مع الواقع بصورة كبيرة.

وخلصت نتائج الدراسة إلى أن المسلسل افتقد للصور والقيم الإيجابية للمجتمع وللمرأة من خلال السلبيات التي قدمها والقيم التي أفرزها للمشاهد، والتي لا تحمل إلا العنف الذي يدمر المجتمع إذا تم ترسيخه خاصة لدى فئة الشباب.

وأشارت إلى أن المسلسل عرض للاتجاه المؤيد والمعارض لاستخدام المرأة للعنف، فظهر الجزء المؤيد لاستخدام العنف في معظم حلقات المسلسل، وهذا من خلال عرضه للأحداث وكأن العنف شيء سهل التخطيط له وتنفيذه، وهذا لا ينفي أن نهاية المسلسل جاءت بعكس هذا التصور، وبذلك ظهرت المعالجة بشكل يرفض العنف لتعود بأدراجها إلى المسؤولية الاجتماعية للدراما كرسالة مهمة للمجتمع، وللمنصات الرقمية كوسيلة تحذر من مخاطر العنف، مع أن هذا قد ظهر متأخرًا في السياق الدرامي بشكل كبير مما جعل ما تم تقديمه من عنف أقوى في التأثير من نهاية العمل.

ورأت نتائج الدراسة أن المسلسل عرض “أساليب ممارسة المرأة للعنف” بطريقة مباشرة، ويتنافى هذا العرض بشكل كبير مع مبادئ المسؤولية الاجتماعية، إذ يساعد ذلك ضعاف النفوس ومحبي التقليد على اتباع نفس الطرق إن لم تكن في القتل، فيمكن أن تكون في التجسس والتتبع.

وأشارت النتائج إلى أن الهدف من معالجة فكرة ممارسة المرأة للعنف كان درامياً من الأساس، فباقي الأهداف لا تنطبق عليه، وترى الدراسة أن طرح استخدام المرأة للعنف بهذه الصورة التي تحمل الكثير من الخطورة على عقليات الجمهور خاصة الشباب ممن يشاهدونه تخرج المنصات الرقمية – التي تقدم مثل هذا المحتوى – عن دائرة المسؤولية الاجتماعية لها كوسيلة إعلامية تحمل من المقومات ما جعلها الأقرب للجمهور في كافة أنحاء العالم، حيث كان من الممكن أن تعرض نفس الفكرة ولكن دون إبراز هذا الكم الهائل من وسائل التخطيط والتنفيذ للعنف، خاصة وإن كانت من تنفذه امرأة، فكم من مشاهدات يعانين من نفس مشكلات البطلة، فهل العنف هو الحل لهن كما فعلت؟ فالدراما وأبطالها من المفترض أن يكونوا مثلا يُحتذى به لا أن يكونوا محرضين على العنف واقترافه؛ لأن عليهم مسؤولية لا يجب أن يخرجوا عن نطاقها، وحتى إن كان الغرض من العرض لا يخرج عن سياق الدراما.

وفيما يتعلق بنهاية المسلسل، رصدت الدراسة أن المعالجة الدرامية قد وضعتها نهاية مباشرة وواضحة، وبذلك يكون المسلسل قد عكس النهاية البديهية لأي شخص يفكر في الحصول على حقوقه من خلال استخدامه للعنف.

  • توصيات الدراسة

قدمت الدراسة عددًا من التوصيات، تمثّلت في ضرورة إخضاع المحتوى المقدم في المنصات الرقمية إلى الرقابة، حيث إن جرأة الطرح تجعلها تفتقد إلى مسؤوليتها تجاه المجتمع وتشيع الفوضى والعنف في المجتمع.

وأوصت بتطبيق الدراسات التحليلية والميدانية على المحتوى المقدم في الدراما المعروضة على المنصات الرقمية لرصد الأفكار الغريبة التي يمكن أن تطرح بها وتتنافى مع قيمنا ومعتقداتنا العربية.

بالإضافة إلى ضرورة العمل على إنتاج محتوى درامي يتماشى مع قيم مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ويعكس صورة المرأة بالشكل الذي يليق بها.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأنه من الأهمية بمكان مراعاة صنّاع دراما المنصات الرقمية في العالم العربي للمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع، والبُعد عن طرح أفكار ومضامين يمكنها التلاعب بعقول الشباب، فحتى وإن كان من الضروري عرض تلك الأفكار، فلا بد من معالجتها دراميًا بشكل احترافي لتجنب السقوط في فخ الترويج للسلوكيات السلبية بدلا من مكافحتها.

زر الذهاب إلى الأعلى