قضى موقع يوتيوب كغيره من منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، سنوات في توسيع جهوده لمعالجة المعلومات المضللة بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، حيث وظف خبراء في السياسة ومشرفين على المحتوى، واستثمر في المزيد من التكنولوجيا للحد من وصول الروايات الكاذبة.
لكن المنصة المملوكة لشركة جوجل قررت الشهر الماضي تخفيض فريقها الصغير المؤلف من خبراء السياسة المسؤولين عن التعامل مع المعلومات المضللة، حيث جاءت تلك الخطوة ضمن استغناء جوجل عن 12 ألف موظف، وتركت شخصًا واحدًا فقط ليكون مسؤولاً عن سياسة المعلومات المضللة في جميع أنحاء العالم، وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
وتعكس هذه التخفيضات اتجاهًا يهدد بإلغاء العديد من الضمانات التي وضعتها منصات التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة لحظر أو الحد من المعلومات المضللة، مثل الادعاءات الكاذبة حول وباء كورونا المستجد “كوفيد -19″، أو الحرب الروسية في أوكرانيا أو نزاهة الانتخابات حول العالم، حيث قامت شركة تويتر تحت إشراف مالكها الجديد إيلون ماسك بتخفيض عدد موظفيها، بينما حولت شركة ميتا المالكة لفيسبوك وإنستجرام وواتساب، تركيزها ومواردها إلى عالم الميتافيرس.
- مخاوف من تزايد تآكل الثقة عبر الإنترنت
في مواجهة الرياح الاقتصادية المعاكسة والضغوط السياسية والقانونية، أظهر عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي مؤشرات على أن مكافحة المعلومات الكاذبة عبر الإنترنت لم تعد أولوية عالية، مما أثار مخاوف بين الخبراء الذين يتتبعون المشكلة من أنها ستؤدي إلى مزيد من تآكل الثقة على الإنترنت.
ويقول أنجيلو كاروسوني، رئيس منظمة ” Media Matters for America” المعنية بمراقبة محتوى وسائل الإعلام: “لن أقول إن الحرب قد انتهت، لكنني أعتقد أننا خسرنا معارك رئيسية”، مضيفا “أعتقد أننا كمجتمع فقدنا الشهية لمواصلة النضال. وهذا يعني أننا سنخسر الحرب”.
في المقابل، تؤكد الشركات أنها لا تزال جادة، لكن الجهود المبذولة لمكافحة المعلومات الخاطئة والمضللة عبر الإنترنت – والتي يمكن القول إنها بلغت ذروتها خلال وباء كوفيد والانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 – قد تضاءلت في وقت لا تزال فيه مشكلة المعلومات المضللة ضارة كما كانت دائمًا مع الانتشار.
في غضون ذلك، أعاد ميتا مؤخرا حسابات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على فيسبوك وإنستغرام، بعد عامين من تعليقه بتهمة التحريض على العنف قبل اقتحام مبنى الكابيتول (مقر الكونجرس)، وقد تمت إعادة الحسابات على الرغم من أن منشورات ترامب على منصته الخاصة Truth Social”” مليئة بالمحتوى المتطرف، مثل نظريات المؤامرة التي نشرتها حركة “QAnon” والتي أعلن فيسبوك سابقًا أنها غير مقبولة. كما دعا إيلون ماسك ترامب مرة أخرى إلى تويتر، وهي إحدى الخطوات العديدة التي اتخذها لتفكيك العديد من السياسات السابقة للمنصة، متفاخرًا بأنه يريد التراجع عن القرارات السيئة التي اتخذها مالكوها السابقون. وكان الفريق الذي أشرف على قضايا الثقة والسلامة – بما في ذلك المعلومات المضللة – من بين أولئك الذين تم التخلص منهم تحت قيادة ماسك.
- تخفيض خبراء مكافحة التضليل العاملين في يوتيوب
لم تكن التخفيضات في عدد موظفي يوتيوب جذرية، ولكنها كانت كبيرة بالنسبة للفرق الصغيرة المكلفة بوضع سياسات النظام الأساسي وتحسينها، فوفقا لمصدر مطلع على القرار تم فصل اثنين من الخبراء الخمسة المسؤولين عن ملف المعلومات الخاطئة، بما في ذلك مدير الفريق، وبات هناك خبير واحد فقط بشأن التضليل السياسي وخبيرين معنيين بالمعلومات الطبية الخاطئة. كما تخلت عن اثنين من خبرائها الذين يعملون على المسائل ذات الصلة بخطاب الكراهية والتحرش.
لقد لعب هؤلاء الخبراء أدوارًا مهمة في تحديد المكان الذي يجب أن يكون فيه خط يوتيوب الفاصل بين المحتوى المقبول والمحتوى غير المقبول، ونصح المديرين التنفيذيين بشأن القرارات الصعبة المتعلقة بالمحتوى. في حين لم يتأثر خبراء السياسة الذين يعملون في قضايا أخرى مثل التطرف وسلامة الأطفال وسياسات المنتجات الجديدة بتسريح الموظفين.
في المقابل، أكد موقع يوتيوب أنه بشكل عام كانت عمليات التسريح متوافقة مع تخفيضات الوظائف بنسبة 6% عبر شركة ألفابيت الأم المالكة لجوجل؛ وشددت إلينا هيرنانديز المتحدثة باسم موقع يوتيوب في بيان على أن “المسؤولية تظل على رأس أولوياتنا، وسنواصل دعم الفرق والتعلم الآلي والسياسات التي تحمي مجتمع يوتيوب بنفس التركيز والصرامة للمضي قدمًا”.
ولم تقل أي من الشركات أنها تخلت عن مكافحة المعلومات المضللة، حيث كتب نيك كليج، رئيس الشؤون العالمية في ميتا، بعد إعادة حساب ترامب على فيسبوك، أنه سيستمر في التدخل “حيث يوجد خطر واضح بحدوث ضرر حقيقي في العالم”.
وأكد كليج في بيان على وجوب أن يكون الجمهور قادرًا على سماع ما يقوله السياسيون – الجيد والسيئ والقبيح – حتى يتمكنوا من اتخاذ خيارات مستنيرة في صندوق الاقتراع، مشددا على أن “هذا لا يعني أنه لا توجد حدود لما يمكن أن يقوله الأفراد على منصتنا”.
من جانبها، قالت هيرنانديز المتحدثة باسم موقع يوتيوب إن المنصة تحاول عرض معلومات للمستخدمين من مصادر موثوقة، مضيفة أن يوتيوب كان لديه فريق متخصص يعمل على انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وأزال أكثر من 10 آلاف مقطع فيديو عن الانتخابات.
في المقابل، وجد الباحثون في منظمة ” Media Matters for America” عدة أمثلة على نشر معلومات مضللة عن فيروس كورونا على “YouTube Shorts”، وهي خدمة النظام الأساسي لمقاطع الفيديو التي تستغرق دقيقة واحدة. كما عثروا على مجموعة من مقاطع الفيديو التي تتبنى آراء تحض على الكراهية ومعادية للنساء لبعض من منشئي المحتوى المشهورين.
ورأت كايلا جوجارتي، نائبة مدير الأبحاث في منظمة ” Media Matters for America، أن يوتيوب ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى غير متسقة في تنفيذ سياساتها لمكافحة التضليل.
وفي العام الماضي، حذرت الشبكة الدولية لتقصي الحقائق، التي تمثل أكثر من 80 منظمة، في رسالة موجهة إلى يوتيوب من أن المنصة كانت “إحدى القنوات الرئيسية للتضليل والمعلومات المضللة عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم”، وأنها لا تعالج المشكلة.
وأخيرا، تؤكد نورا بينافيدز، كبيرة المستشارين في مجموعة “”Free Press للحقوق الرقمية والمساءلة، أن اعتدال المحتوى مفيد للأعمال التجارية وللديمقراطية”، معتبرة أن “الشركات تفشل في القيام بذلك لأنها تعتقد على ما يبدو أنه ليس لديها دور كبير بما يكفي للعبه، لذا فهي تدير ظهرها لتلك القضية.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن مكافحة المعلومات المضللة مسألة يجب أن تظل في مقدمة أولويات الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي لخطورتها على أمن واستقرار المجتمعات، ما يستلزم مزيدًا من البرامج والاستثمارات داخل المنصات لتعزيز القدرات على مجابهة تلك الظاهرة الآخذة في النمو.