يرتكز السعي المحموم لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 على أمل كاذب في إمكانية تعديل سلوك النظام الإيراني عبر تقديم المزيد من التنازلات، في حين يتمتع حكام ولاية الفقيه بسجل حافل من عدم الامتثال لكل اتفاقية أبرموها منذ وصولهم إلى السلطة قبل أكثرمن أربعة عقود.
وهو ما سلط عليه الضوء ديفيد شيد المدير السابق بالإنابة لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية “دي آي إيه” في مقال نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية تحت عنوان “وجوب تفكيك الحرس الثوري الإيراني وليس حذف اسمه“، نستعرضه على النحو التالي:
● تنازل قائم على افتراض أحمق
يُعتبر رفع ميليشيا الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية أحد التنازلات الرئيسية التي قيل إن إدارة الرئيس بايدن تنظرفيها حاليًا، ومثل هذا التنازل سيكون مبنيًّا على افتراض أحمق بأن الحرس الثوري سيغير سلوكه ويتوقف عن استخدام الإرهاب كأداة لزعزعة الاستقرار فيالمنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن التفاؤل بإبرام صفقة تضاءل بشكل طفيف في الأيام الأخيرة، حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس أن الولايات المتحدة تستعد لسيناريوهات يتم فيها إحياء الاتفاق النووي أو انهياره بالكامل.
ويرى بعض منتقدي المفاوضات الجارية، أن هذا التكتيك تتبعه الإدارة الأمريكية لكي تثبت للكونجرس أنها اتخذت موقفًا حازمًا في المفاوضات على الرغم من أن كل الأدلة تشير إلى عكس ذلك، فمنذ أن رفضت إيران مسودة اتفاق قيل إنها اكتملت بنسبة 100% تقريبًا في فبراير الماضي، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن إحياء الاتفاقية سيعتمد على التنازلات غير المبررة لصالح النظام الإيراني، لا سيما ما يتعلق بميليشيا الحرس الثوري، خاصة وأن طهران تدفع بقوة لإزالة الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية وهو التصنيف الذي جرى في عام 2019 بعد طول انتظار، فتورط هذه الميليشيا في الهجمات الإرهابية يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي بجانب دعمه لهجمات الميليشيات العراقية على المصالح الأمريكية، ودعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وكذلك عدد كبير من الأنشطة الخبيثة الأخرى التي أودت بحياة مئات من الجنود الأمريكيين.
● دوافع طهران لحذف الميليشيا من قائمة الإرهاب الأمريكية
تم تفصيل أنشطة ميليشيا الحرس الثوري الإيراني في تقرير صدر الشهر الماضي عن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، والذي سعى إلى شرح سبب رغبةطهران في إخراج الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية. وأوضح التقرير أن التصنيف أعاق العديد من المعاملات المالية الأجنبية المتعلقة بميليشيا الحرس الثوري، منوها بأن استراتيجية الولايات المتحدة كان يمكن أن تكون أكثر فاعلية لو تم تعزيزها من خلال إجراءات عقابية أخرى.
وأضاف، أنه لأمر مروع أن يفكر البيت الأبيض في تقديم تنازل بهذا الحجم لنظام يعتمد على الحرس الثوري الإيراني، واستخدام الإرهاب كأداة للقوة الوطنية، لذا يجب أن يعامل كما هو منظمة إرهابية، فالحرس الثوري لن يغير سلوكه ولا يستطيع ذلك.
جدير بالذكر، أنه حتى أثناء إعادة التأكيد على أن الاتفاق مع إيران ليس وشيكًا ولا حتميًا، لم يكن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والمبعوث الأمريكيالخاص لإيران روبرت مالي مستعدين لاستبعاد احتمال إلغاء تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية.
ولم تكن إدارة بايدن واضحة في تحديد ما قد تقدمه طهران في مقابل تلك الخطوة، علمًا بأن بعض التقارير تشير إلى أن البيت الأبيض يريد التزامًا بتغيير السلوك الإقليمي للحرس الثوري الإيراني، على الأقل فيما يتعلق بمصالح أمريكية محددة.
وسيكون هذا طلبًا سخيفًا لسببين، الأول أنه يتجاهل بسذاجة سجل النظام الإيراني في انتهاك التزاماته، والثاني تجاهله لحقيقة هدف ميليشيا الحرس الثوري الإيراني، فالإرهاب مكون رئيسي في الحمض النووي لذلك التنظيم شبه العسكري المنخرط في مجموعة واسعة من النزاعات الإقليمية والساعي إلى تقويض المصالح الأمريكية.
● رسائل عكسية إلى حلفاء واشنطن والشعب الإيراني
وهنا ثمة تساؤلات تفرض نفسها أبرزها ما نوع الرسالة التي يرسلها حذف ميليشيا الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية إلى الأصدقاء والأعداء على حد سواء؟ كيف يمكننا تجاهل دور الحرس الثوري الإيراني في الهجمات الإرهابية على ثكنات مشاة البحرية الأمريكية في لبنان عام 1983 وتفجيرات أبراج الخبر في السعودية عام 1996 وغيرها في سوريا وحول العالم؟
لقد كان تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية خطوة أولى حيوية. والآن، يقع على عاتق إدارة بايدن وحلفاء أمريكا الأوروبيين تنسيق استراتيجية لفرض جميع العقوبات ذات الصلة بشكل متعدد الأطراف وتقويض القوة الإقليمية للحرس الثوري وكذلك قوته المحلية بشكل قاطع، في ضوء أن إيران شهدت ثماني انتفاضات ضد نظام الملالي منذ نهاية عام 2017.
ففي نوفمبر 2019، وخلال أكبر هذه الانتفاضات، لعب الحرس الثوري الدور الرئيسي في حملة قمع قتل فيها ما لا يقل عن 1500 شخص. واللافت أن هذا لم يمنع الشعب الإيراني من الاحتجاج ضد الحرس الثوري وتأثيره على السياسة الخارجية، ففي مظاهرات لاحقة، أحرقت “وحدات المقاومة الإيرانية” صور قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، جناح العمليات الخاصة الخارجية في ميليشيا الحرس الثوري، حتى في الوقت الذي حاول فيه نظام الملالي تصوير سليماني كبطل قومي بعد مقتله في غارة أمريكية بطائرة من دون طيار قرب مطار بغداد في يناير 2020.
هناك بوادر واعدة على أن الشعب الإيراني سيواصل الوقوف في وجه الحرس الثوري، لذا فإن تصنيفه كمنظمة إرهابية أجنبية يبعث برسالة تضامن إلىالشعب الإيراني، وبالتالي سيؤدي شطبه من قائمة الإرهاب إلى إرسال رسالة عكسية داخل إيران وخارجها.
وتأسيسًا على ما سبق يمكن القول، بأنه إذا كان البيت الأبيض يفكر بجدية في الاستجابة لمطالب طهران لإحياء الاتفاق النووي ومن بينها حذف ميليشيا للحرس الثوري من قائمة الإرهاب، فلا بد أن يدرك أنه بتلك الخطوة سيدير ظهره لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وكذلك الشعب الإيراني.