أعطى ظهور الإنترنت زخمًا خاصًّا حول الحق في الخصوصية لا سيما بعد انتشار ما يسمى بـ”هستيريا التواصل الاجتماعي”، واتجاه الأفراد المتزايد -كبارًا كانوا أو صغارًا- إلى وضع معلوماتهم الشخصية وصورهم ومقاطع فيديو خاصة بهم أو بأسرهم على شبكة الإنترنت، مما أوجد خطرًا لا يستهان به بشأن انتهاك حرمة الحياة الخاصة في مجال المعلوماتية.
وقد أوجد انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، حالة من التساهل في الخصوصية الفردية، ومع الوقت تجاوز ذلك المعنى التقليدي للخصوصية، الذي كان يعني بالحياة الخاصة للمستخدم، وضمان تحكمه في المعلومات التي يرغب باطلاع الغير عليها، بل والتحكم في من له الحق في ذلك، ليجعل من حياة المستخدم الخاصة مادة للنشر والمشاركة العامة مع الآخرين.
وعلى الرغم من الشهرة والشعبية الكبيرة التي أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تتمتع بها، وسعيها الدائم والمستمر لتطوير خدماتها، فإنها لا تزال تتعرض لكثير من الانتقادات، بسبب بعض الإجراءات التي تتعلق بانتهاك الحق في الخصوصية.
وفي هذا الإطار، سعت دراسة منشورة بمجلة البحوث الإعلامية بعنوان “ضوابط حماية الحق في الخصوصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي”، للدكتورة شيرين کدواني مدرس الإعلام الرقمي بكلية الآداب جامعة أسيوط إلى استكشاف مدى الحماية التي توفرها هذه المواقع لحق مستخدميها في الخصوصية
● مشكلة الدراسة
تنبع مشكلة الدراسة من واقع الانتشار الواسع الذي حققته مواقع التواصل الاجتماعي، وغزوها جميع المجتمعات العربية دون الانتباه والاهتمام لموضوع الخصوصية، فالمشكلة تكمن في أن الأفراد أصبحوا يفرطون في خصوصيتهم بشكل مثير للقلق، سواء بوضع معلومات عن أنفسهم أو صورهم الشخصية أو مقاطع فيديو عن مناسبات خاصة بهم وبأسرهم وأصدقائهم على تلك المواقع، التي تكون متاحة للجميع، والأكثر خطورة استخدام المراهقين والأطفال هذه المواقع، ومن ثم تسعى الدراسة لاستكشاف مدى الحماية التي توفرها المنصات الاجتماعية للحق في الخصوصية، وذلك بالتطبيق على موقعي فيسبوك وإنستغرام عبر تحليل سياسة الخصوصية Privacy Policy الخاصة بالموقعين في الأول من نوفمبر 2021.
● نتائج الدراسة
كشفت نتائج الدراسة عن تشابه سياسة الخصوصية التي تتبعها إدارة موقعي فيسبوك وإنستغرام إلى حد كبير، فقد التزمت إدارة الموقعين بإعلام المستخدمين بأنواع المعلومات التي تجمعها عنهم، وأوجه استخدامهم لتلك المعلومات، وكيفية مشاركتها مع الآخرين، فضلا عن حق المستخدمين في التحكم في المعلومات التي تجمعها عنهم، وذكرت إدارة الموقعين أنهم يتيحون للمستخدم إمكانية الوصول إلى بياناته وتصحيحها ومعالجتها ومسحها.
وقد خلصت الدراسة إلى حقيقة مؤداها أن مواقع التواصل الاجتماعي تملكها شركات تجارية خاصة، تقدم كثيرًا من الخدمات المجانية، لذلك تمثل بيانات المستخدم قيمة اقتصادية كبيرة لدى تلك المواقع، وتبرر الشركات المالكة للمواقع تلك العملية بكونها تسهم في بقاء استخدام المواقع مجانًا، وكأن المستخدم يدفع ببياناته الشخصية مقابل الخدمة التي يحصل عليها، وهو ما ينتهك حقًّا أصيلًا للأفراد، إذ كشفت النتائج عن كون إعدادات الخصوصية التي توفرها تلك المواقع لا تحمي المستخدم إلا من بقية الأعضاء في الموقع، ولكنها لا تمنع بياناته عن مالكي الخدمة، علاوة على ذلك، قد تتعرض بيانات المستخدمين الشخصية لتغييرات ديناميكية من حيث الخدمة؛ إذ إن تلك المواقع تحتفظ بالحق في تغيير سياسة الخصوصية دون قيد، وهو ما يُمثل خطرًا يهدد ملايين المستخدمين في حالة اختراق نظام الأمن الرقمي لتلك المواقع، سواء من الخارج أو من داخل الشركة ونشر هذه المعلومات أو بيعها.
ويوجد اعتبار آخر مهم، هو أن تلك المواقع تملك حقوقًا واسعة النطاق في استخدام المحتوى الذي ينشره المستخدم بأي طريقة تريدها، وللموقع أيضًا حرية نقل هذه الحقوق إلى شركة أخرى. ولن ينتهي حق الموقع في استخدام المحتوى الخاص بالمستخدم إلا بعد أن يحذف المحتوى، أو يحذف حسابه، وبعد أن يتوقف جميع المستخدمين الذين تمت مشاركة المحتوى معهم من التفاعل معه.
الأمر الذي يدعونا هنا لتأكيد انعدام الخصوصية المعلوماتية على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أصبحت المعلومات الشخصية بمثابة العملة الأكثر تداولا على الإنترنت، وكأن المستخدم يدفع من بياناته الشخصية مقابل الخدمة التي يحصل عليها عن طريق الإنترنت.
وبعبارة أخرى، تعد عملية نقل المعلومات الشخصية للمستخدمين وتبادلها عن طريق الوسائل الإلكترونية جزءا من تعاقد يقدم الأفراد بموجبه طواعية معلومات عن أنفسهم وعلاقاتهم مقابل استخدامهم للسلع والخدمات والمعلومات الرقمية.
ويثير هذا الوضع القلق بشأن انتهاكات الخصوصية التي تتسبب فيها هذه المواقع، لا سيما في ظل تأكيد الدراسات الميدانية – التي أجريت في هذا الصدد – حقيقة أن كثيرًا من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي غير مدركين لمخاطر الكشف عن المعلومات الشخصية، واعتادوا على النقر على زر القبول والموافقة على تقديم بياناتهم الشخصية دون أن يبذلوا أي وقت يذكر في قراءة سياسة الخصوصية بالمواقع، التي تكون دائمًا طويلة ومعقدة، وبلغة قانونية يصعب على المستخدم فهمها، وهو ما يحمي تلك المواقع من المسؤولية القانونية باعتبار أن المستخدمين كانوا على علم بسياسة الخصوصية ووافقوا عليها.
● توصيات الدراسة
انطلاقًا مما سبق، توصي الدراسة بضرورة تطبيق عدد من التوصيات التي ربما تسهم في تحقيق قدر أكبر من حماية الحق في الخصوصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتلخص في:
- التوعية المجتمعية بمخاطر انتهاك الخصوصية على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال تنظيم ورش عمل وندوات ولقاءات جماهيرية في هذا الصدد. وأن يكون ذلك في ظل سياسة إعلامية تسعى لتنبيه الجمهور وتوعيته بحقوقه، وبطرق التعامل مع الشركات والجهات التي تجمع معلومات عنه، وبضرورة الاطلاع المستمر على سياسات الخصوصية مع تكتيل الرأي العام وراء هذه القضية، والضغط الدائم على إدارات مواقع التواصل الاجتماعي، سعيًا لإجبارها على احترام الحق في الخصوصية.
- إدراج منهج تعليمي حول التربية الإعلامية الرقمية في المدارس والجامعات يختص بكيفية التعامل مع الإعلام الرقمي الجديد.
- حث الحكومات على سن قانون لحماية الخصوصية على مواقع التواصل الاجتماعي، ووضع ميثاق دولي يضع معايير وضوابط تنظم عمل تلك المواقع تحت إشراف المنظمة الدولية للاتصالات السلكية واللاسلكية والمنظمات الإعلامية الدولية، دون المساس بحرية التعبير والميزات الإيجابية للإعلام الرقمي الجديد.
وخلاصة القول إن العبء يقع الآن على المستخدم في حماية خصوصية معلوماته، فقد يتوقف الضرر الذي يمكن وقوعه على الأفراد على مقدار مشاركة المستخدم في مواقع التواصل الاجتماعي، ومقدار المعلومات التي يكون على استعداد لتقاسمها مع الآخرين، ويبقى السؤال مطروحًا هل يُضحي المستخدم بالخدمات التي تقدمها هذه المواقع مقابل الحفاظ على خصوصيته؟ ويعتبر الجواب على هذا التساؤل أمرًا شخصيًّا. ويمكن القول بأنه ليس على المستخدم أن يضحي بالميزات التي تقدمها له تلك المواقع، لكن في المقابل عليه التحكم فيما يعرضه عليها وبما يجنبه عواقب كشف واختراق هذه المعلومات.