تقارير

“أوميكرون” يضع العالم أمام اختبار جديد

مع تصاعد المخاوف بشأن متحور فيروس كورونا الجديد “أوميكرون” الذي تم اكتشافه في جنوب إفريقيا نهاية الأسبوع الماضي، تسعى الحكومات في جميع أنحاء العالم جاهدة لحماية مواطنيها من تفش محتمل لهذا المتحور عبر سلسلة من القرارات الخاصة بحظر السفر ووقف الرحلات الجوية مع مناطق انتشاره في جنوب القارة الإفريقية، بينما تخوض كبريات شركات الأدوية العالمية سباقًا جديدًا لتطوير لقاحاتها من أجل تحقيق فاعلية ضد المتحور الجديد الذي يحمل عدداً كبيراً من الطفرات تجعله أكثر قدرة على مقاومة اللقاحات الحالية، وهو ما ينذر بالعودة إلى المربع الأول في مواجهة الوباء.

ويفتح ظهور ذلك المتحور تساؤلات عدة حول مدى نجاعة الجهود الدولية لمكافحة فيروس كورونا بعد مرور عامين على ظهوره لأول مرة في مدينة ووهان بالصين، وكذلك إلى أي مدى يمكن أن تتأثر حركة التجارة الدولية بعدما كان العالم على أعتاب مرحلة جديدة ينهض فيها من أسوأ أزمة اقتصادية واجهها منذ “أزمة الكساد الكبير” في ثلاثينيات القرن العشرين، وهو ما نستعرضه في سياق التقرير التالي:

أوميكرون المتحور الأسرع انتشارًا

يعتبر ظهور متحورات أو سلالات جديدة لفيروس كورونا المستجد أمرا متوقعاً مع استمرار انتشار الفيروس وتباطؤ عملية تلقيح الأشخاص في الكثير من البلدان والمناطق حول العالم، ولم يكن متحور “أوميكرون” هو الأول من نوعه، فعلى مدى الأشهر الستة الماضية، ظهرت متحورات أخرى مثل متحوري “دلتا” و”دلتا بلس” في الهند، ومتحور “هيهي” في الصين، لكن “أوميكرون” الذي ظهر في جنوب إفريقيا يحمل مؤشرات مقلقة إذ يحتوي على أكثر من 30 طفرة في جزء من الفيروس يسمى “بروتين سبايك”، وهو هيكل يستخدمه الفيروس التاجي لدخول الخلايا التي يهاجمها، بينما المتحورات السابقة لم تتكاثر إلى حد كبير كهذا. كما أن “أوميكرون” ينتقل بسرعة أكبر من المتحور دلتا، وهو ما تؤكده منظمة الصحة العالمية التي تشير إلى أن النتائج الأولية تكشف أن “أوميكرون” الأشد عدوى بين كل متحورات الفيروس التي ظهرت حتى الآن، كما يؤكد المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض أيضًا أن هذا المتحور يتحايل على المناعة وأشد عدوى وينتشر بسرعة، حيث تظهر الدراسات المبكرة أن “أوميكرون” يتفشى بمعدل (1-2) بما يعني أن كل شخص يصاب بالفيروس من المرجح أن ينقله إلى شخصين آخرين، وفقا لوكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية.

بالإضافة إلى ذلك، تبدو ثمة صعوبة نوعًا ما في الكشف عن “أوميكرون” حتى مع اعتماد فحوصات تفاعل البوليمراز المتسلسل “بي.سي.آر”، نظرًا لأن هذا المتغير لديه عناصر ناقصة في جين “S” الذي يسمح بالتعرف السريع على الفيروس، لكن هذه الفحوصات تبقى قادرة عمومًا على التعرف على جينات أخرى من هذا المتحور.

أما بالنسبة للأعراض المصاحبة لـ”أوميكرون”، فهي لا تختلف عن أعراض فيروس كورونا، وإن كانت هناك مخاوف من ألا توجد أعراض بالأساس لدى بعض المصابين كما جرى مع المتحور دلتا، وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن الأبحاث حول هذا المتحور تحتاج لعدة أسابيع حتى تقيّم بشكل دقيق خطورته.

اللقاحات الحالية في مواجهة “أوميكرون”

في الوقت الذي صنفت فيه منظمة الصحة العالمية “أوميكرون” بأنه متحور مثير للقلق”، فإنها شددت على الحاجة إلى مزيد من البحث لتحديد ما إذا كان يسبب مرضًا أكثر خطورة، وما إذا كان يمكنه التهرب من الحماية المناعية التي توفرها اللقاحات، لكن شركات الأدوية الكبرى سارعت إلى اتخاذ خطوات على صعيد تطوير اللقاحات الحالية، ليشعل “أوميكرون” مجددا جذوة تنافس عالمي بين مصنعي اللقاحات، إذ أعلنت شركة بيونتيك الألمانية أنها تستطيع إنتاج وشحن نسخة محدثة من لقاحها المشترك مع شركة “فايزر” الأمريكية خلال 100 يوم، حال اكتشاف أن المتحور الجديد يمكنه التغلب على المناعة التي يوفرها لقاحها الحالي.

كما بدأت شركة “نوفافاكس” الأمريكية للأدوية العمل على تطوير لقاحها، معربة عن أملها في أن يكون اللقاح الجديد جاهزًا للاختبار والتصنيع في غضون أسابيع، فيما أفادت شركة “موديرنا” الأمريكية بأنها سوف تطور جرعة معززة من لقاحها لمقاومة المتحور الجديد.

أما شركة أسترازينيكا البريطانية السويدية فتجري حاليًا دراسات في بوتسوانا وإسواتيني، حيث ظهر المتحور الجديد هناك أيضًا، وذلك لجمع البيانات من أرض الواقع حول مدى فاعلية لقاحها في الحماية منه.

في غضون ذلك، اعتبر خبراء في المجال الطبي أن جرعة واحدة من لقاح “فالنيفا” الفرنسي قد يكون الحل السحري في مواجهة المتحور الجديد، مشيرين إلى أن اللقاح يحتوي على فيروس كورونا معطل بالكامل، ولا يمكن أن يسبب المرض ويمكن الجهاز المناعي من معرفة التهديد الفيروسي، ليعمل الجهاز المناعي على إنتاج أجسام مضادة، بحسب صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.

وفي المقابل، تستخدم لقاحات فايزر وأسترازينيكا ما يعرف بـ”شظايا جينية” من “بروتين سبايك”، الذي تستخدمه معظم اللقاحات لتهيئة جهاز المناعة ضد فيروس كورونا. وكانت نتائج التجارب التي أجريت على “فالنيفا” ونُشرت الشهر الماضي أظهرت أنه فعّال بنسبة 95% في الوقاية من العدوى.

تقاعس دعم حملات التطعيم في الدول الفقيرة

لطالما حذرت منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ شهور من عدم العدالة في توزيع اللقاحات، مؤكدة للدول المتقدمة الغنية أن إنهاء الوباء يتطلب حصول الجميع سواء في الدول الغنية أو الفقيرة على اللقاح، فبينما كان الغرب يخزن اللقاحات التي لن يستخدمها ويمنح جرعات معززة إلى مواطنيه، لا يجد ملايين الأشخاص اللقاحات في إفريقيا، حيث تم تطعيم 7% فقط من سكان القارة السمراء، وهو الوضع الذي سمح للفيروس بالانتشار والتحور.

وقد اعتبرت كريستالينا جوجيفا، المدير الإداري لصندوق النقد الدولي أن الفشل في المساعدة في تطعيم سكان إفريقيا جنوب الصحراء -بالكاد تم تطعيم 4% من السكان- قد جعل الجميع معرضين لخطر متحور جديد أكثر ضراوة، مؤكدة أن “أوميكرون” هو تذكير ملح بالأسباب التي تجعلنا بحاجة لفعل المزيد من أجل تطعيم العالم بأسره.

معلومات زائفة على تويتر وغموض يحيط بالتداعيات الاقتصادية

شكل ظهور متحور “أوميكرون” مادة خصبة لترويج معلومات زائفة على مواقع التواصل الاجتماعي كان أبرزها تداول الكثير من مستخدمي موقع التدوينات القصيرة “تويتر” منشورات مرتبطة بمقال للمنتدى الاقتصادي العالمي، قائلين إن المتحور ليس جديدًا على الإطلاق، حيث أوضحوا أن المنتدى نشر قصة حول المتحور في يوليو الماضي، أي قبل 4 شهور من إبلاغ جنوب إفريقيا منظمة الصحة العالمية بظهور المتحور.

لكن الحقيقة تكشف زيف تلك الشائعة فالنسخ المؤرشفة من تلك القصة تظهر أنه لم تذكر “أوميكرون” لكن ما جرى هو أنه تم تحديث القصة في نوفمبر بعد إعلان منظمة الصحة العالمية عن المتحور، إذ إن أرشيف الصفحة من 12 يوليو، عندما نُشرت القصة لأول مرة، لم يحتو على أي ذكر للمتغير الجديد، وبدلًا من ذلك يبدأ بمناقشة متحور دلتا.

من جهة أخرى، أثار ظهور المتحور الجديد حالة من عدم اليقين في الأسواق الدولية فحتى الآن لا يُعرف الكثير عن الضرر الاقتصادي الذي قد يحدثه على المديين المتوسط والطويل، لكن أسعار النفط قد خسرت عشرة دولارات في يوم إعلان منظمة الصحة العالمية رسميا عن المتحور وتسميته “أوميكرون”، وسجلت الأسعار أكبر تراجع في يوم واحد منذ أبريل 2020، بفعل مخاوف من أن تؤدي السلالة الجديدة، إلى تقويض النمو الاقتصادي والطلب على الوقود، وإثر ذلك قررت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) تأجيل اجتماع اللجنة الفنية المشتركة إلى 1 ديسمبر أما لجنة المراقبة الوزارية المشتركة، التي تضم ممثلين عن تحالف “أوبك+” فسوف تجتمع في اليوم التالي، وذلك لإعطاء اللجان المزيد من الوقت لتقييم أثر انتشار المتحور “أوميكرون”.

وتترقب أسواق النفط بشدة اجتماعات “أوبك+”، بعد القرار الأمريكي بالإفراج عن 50 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي الأمريكي للنفط في محاولة للتأثير على أسعار النفط المرتفعة.

نهج استباقي وشفافية في تعامل المملكة مع المستجدات

كدأبها في التعامل مع كافة القضايا، اتخذت المملكة العربية السعودية خطوات استباقية تهدف من خلالها إلى الحفاظ على سلامة المواطنين والمقيمين والزائرين، بجانب التحلي التام بالشفافية فيما يخص مكافحة فيروس كورونا المستجد، إذ قطعت المملكة شوطًا كبيرًا في عمليات التلقيح ضد الوباء، حيث وفرت اللقاح للجميع مواطنين ومقيمين وزوار بشكل مجاني، فبلغ عدد الجرعات المُعطاة في المملكة 47 مليون جرعة، وتجاوز التحصين 22.3 مليون شخص.

وبمجرد الإعلان عن اكتشاف المتحور الجديد في جنوب إفريقيا، بدأت هيئة الصحة العامة في السعودية تقييم المخاطر على المستوى الدولي مع الجهات المعنية، لمنع وصول الفيروس المتحور إلى المملكة، ولذلك جاء إعلان وزارة الداخلية تعليق القدوم مؤقتًا للوافدين من بعض الدول بسبب ظهور متحور (أوميكرون)، سواء من القادمين مباشرة أو غير مباشرة، فيما عدا مَن قضى مدة لا تقل عن 14 يومًا في دولة أخرى من الدول التي تسمح الإجراءات الصحية في المملكة بدخول القادمين منها.

هذا بالإضافة إلى تطبيق كامل إجراءات الحجر الصحي المؤسسي المعتمد لمدة 5 أيام على جميع الفئات المستثناة من القادمين من تلك الدول بمن في ذلك مواطنو المملكة بغض النظر عن حالة التحصين. وتضم قائمة الدول المشمولة بهذا القرار كلا من جنوب أفريقيا وناميبيا وبوتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق وليسوتو وإسواتيني ومالاوي وزامبيا ومدغشقر وأنغولا وسيشل وموريشيوس وجزر القمر.

وتأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن ظهور المتحور الجديد “أوميكرون” يُعد بمثابة جرس إنذار للعالم قاطبة بأهمية التكاتف لمواجهة التهديدات الأمنية غير التقليدية كالأوبئة نظرًا لتداعياتها الواسعة على الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي وتهديدها للأمن الإنساني، فالتعاون الدولي لم يعد ترفًا بل صار ضرورة بقاء، وهو ما يحتم إعادة النظر في النظام الصحي العالمي على صعيد السياسات والعمل المؤسسي.

زر الذهاب إلى الأعلى