يُعد التعامل الإعلامي أثناء الأزمات أحد العوامل الرئيسية التي يمكن التعويل عليها من أجل تخفيف حدة الآثار السلبية الناتجة عنها، خاصة إذا تم استخدامه بالشكل الأمثل، وفقًا لخطة إعلامية واضحة ومنضبطة للتعامل مع الأزمات.
وتوجد العديد من المحددات التي تعكس دور الإعلام في مواجهة الأزمات خلال مراحلها المختلفة، لعل أهمها هو إمداد الجمهور بالحقائق والمعلومات عن الأزمة بشكل سريع ودوري، وذلك للحد من انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة التي تنشط أثناء الأزمات، فضلًا عن الحفاظ على الصورة الذهنية للمؤسسة قدر الإمكان.
وبالتطبيق على أزمة انقطاع الخدمات التي أصابت عملاق التواصل الاجتماعي “فيسبوك” والتطبيقات الأخرى المندرجة تحت مظلته “واتساب” و “إنستجرام”؛ فقد أوضح موقع “NetBlocks” المتخصص في مراقبة أمن الشبكات، أن تحليل قياسات الشبكة يُشير إلى انقطاع عالمي لخدمات شركة Facebook Inc، بما في ذلك منصات Facebook و WhatsApp و Instagram و Messenger يوم 4 أكتوبر 2021م، واستمر الانقطاع لمدة تجاوزت الـ 6 ساعات، قبل أن تتم استعادة الخدمة تدريجيًا على الرغم من بقاء المنصات غير مستقرة.
وعلى خلفية هذا الحادث، صدرت عدة تصريحات وبيانات سواء عبر الشركة الأم “فيسبوك” أو تطبيقاتها المختلفة أو أبرز المسؤولين فيها.
ومن أجل التعرف على طبيعة التعامل الإعلامي من جانب فيسبوك خلال وبعد الأزمة، قام مركز القرار للدراسات الإعلامية برصد أبرز هذه التصريحات والبيانات، والتي تمثّلت في (27) مادة؛ تم إخضاعها للتحليل، والذي انتهى إلى ما يلي:
1- اختفاء مالك شركة فيسبوك “مارك زوكربيرغ- “Mark Zuckerbergعن الظهور خلال الأزمة، حيث جاء أول ظهور له عقب عودة الخدمة وتحديدًا الساعة 1.54 صباح يوم 5 أكتوبر بتوقيت السعودية، وذلك عبر صفحته على فيسبوك حيث قال في منشور له “عاد Facebook و Instagram و WhatsApp و Messenger الآن. نأسف للاضطراب اليوم – أعلم مدى اعتمادك على خدماتنا للبقاء على اتصال مع الأشخاص الذين تهتمون بهم”.
وفي تمام الساعة 9.20 صباحًا ظهر زوكربيرغ مرة أخرى عبر منشور جاء فيه “لقد كان يومًا حافلًا، لكني أود أن أهنئ العلماء في Biohub (منظمة بحثية غير ربحية تضم أطباء وعلماء ومهندسين من جامعة ستانفورد) على التقدم الذي أحرزناه منذ أن بدأنا قبل خمس سنوات. بدءًا من رسم خرائط لخلايا الجسم مرورًا بتطوير تقنية جديدة لتصوير تفاعلات البروتين (داخل الجسم) ووصولًا إلي بناء أدوات تشخيص لفيروس كورونا وما بعده، هناك الكثير من الاختراقات التي يجب أن نفخر بها، بينما نعمل على مساعدة العلماء على أن يكونوا قادرين على علاج أو الوقاية أو التصدي لجميع الأمراض بحلول نهاية القرن الحالي”.
ويُظهر هذا المنشور أن مالك شركة فيسبوك سعى من خلاله إلى تذكير مستخدميه حول العالم بالنجاحات التي حققتها الشركة في المجالات الحيوية على مدار السنوات الماضية، ومحاولًا تصدير صورة أن تلك الاختراقات العلمية الهامة جاءت كنتيجة للنجاح والتميز.
وعلى الرغم من هذا الظهور الذي جاء متأخرًا لمالك شركة فيسبوك، إلا أن اختفائه خلال الأزمة أثّر سلبيًا على الشركة، خاصة في ظل وجود حالة من الربط الدائم لدى المستخدمين بين فيسبوك ومالكها الذي اعتاد على التواصل معهم خلال الأحداث الهامة.
2- جاء أول تعليق خلال الأزمة من جانب المتحدث الرسمي لفيسبوك “Andy Stone” الساعة 7:07 مساءًا بتوقيت السعودية عبر تغريدة قام بنشرها على حسابه في منصة تويتر (المنافس الأبرز لفيسبوك)، قال فيها “ندرك أن بعض الأشخاص يواجهون مشكلة في الوصول إلى تطبيقاتنا ومنتجاتنا. نعمل على إعادة الأمور إلى طبيعتها في أسرع وقت ممكن ، ونعتذر عن أي إزعاج”.
3- توالت التعليقات من جانب إدارة فيسبوك وكبار مسؤوليها والتطبيقات التابعة لها خلال بدايات الأزمة، وقد اتسمت هذه التعليقات بما يلي:
– تم التغريد – ربما الاضطراري – على حساباتهم على منصة تويتر الأكثر منافسة لفيسبوك، وقد استغل تويتر ذلك من أجل تحقيق مكسب معنوي وذلك بالتغريد “مرحبًا بالجميع حرفيًا”، وجاء رد التحية – الملغومة – من جانب واتساب وإنستجرام.
– اعتمدت العديد من التغريدات على صيغة موحدة.
– التأكيد على إدراك الأزمة.
– توجيه رسالة طمأنة موجهة للمستخدمين بأن الإدارة تعمل على إعادة الأمور إلى طبيعتها.
– الاعتذار عن التسبب في إزعاج المستخدمين.
– تجاهل التطرق إلى أسباب العطل الحادث.
ويتضح من ذلك، أن التعامل الإعلامي خلال هذه المرحلة (بداية الأزمة)، عكس مؤشرين في غاية الأهمية:
الأول: أن تجاهل ذكر أسباب العطل فتح المجال أمام الاجتهاد وشيوع الأخبار غير المؤكدة وتسبب في انتشار الشائعات ومنها وقوف “هكر” صيني يبلغ من العمر 13 عامًا وراء العطل، وقيام جهات خارجية بهجوم سيبراني على المنصات بهدف سرقة بيانات حساسة، كما أرجع البعض سبب العطل إلى أنه جاء نتيجة التصريحات التي أدلت بها “فرانسيس هاوغين” الموظفة السابقة في فيسبوك واتهمت فيها الشركة باختيار “الربح المادي على سلامة مستخدميها”، موجهة هجومًا حادًا ضدها.
الثاني: شيوع لغة الاعتذار من جانب إدارة ومسؤولي فيسبوك، والتي تُعتبر بمثابة اعترافًا ضمنيًا بأن سبب الخلل داخليًا، ولكن دون التصريح بذلك بشكل صريح في هذه المرحلة من الأزمة.
4- مع استمرار الأزمة وانقضاء وقت طويل تجاوز الأربع ساعات دون التوصل إلى حل، تغيرت لغة الخطاب الخاصة بإدارة فيسبوك، بعدما تداركوا خطأهم، حيث تضمنت منشوراتهم الإعلان على سبب العطل، حيث غرّد “Mike Schroepfer” كبير مسؤولي التكنولوجيا في فيسبوك قائلًا: “خالص الاعتذار لكل من تأثر بانقطاع الخدمات المدعومة من Facebook، نحن نواجه مشكلات في الشبكات وتعمل الفرق بأسرع ما يمكن لتصحيح الأخطاء واستعادتها في أسرع وقت ممكن”.
كما قام الموقع الخاص بمهندسي فيسبوك بنشر بيان استعرض بشكل أكثر تفصيلًا سبب العطل الذي يعود إلى مشكلات تقنية تتعلق بتغييرات على أجهزة التوجيه الأساسية التي تُنسق حركة مرور الشبكة بين مراكز البيانات.
وحرص المهندسون على طمأنة المستخدمين بأن بياناتهم لم تتعرض للاختراق، في محاولة منهم لنفي الشائعات التي ارتبطت بالأزمة بشأن انتهاك خصوصية بيانات المستخدمين.
5- كان من اللافت أن صدور أول تعليق رسمي من فيسبوك بعد حل الأزمة لم يكن عبر منصته، بل جاء على منصة تويتر متمثلًا في تغريدة نشرتها الصفحة الرسمية لمهندسي فيسبوك، وذلك في تمام الساعة 1:31 من صباح يوم 5 أكتوبر بتوقيت السعودية، وجاء في نص التغريدة “إلى المجتمع الضخم من الأشخاص والشركات حول العالم الذين يعتمدون علينا: نحن آسفون. لقد عملنا بجد لاستعادة الوصول إلى تطبيقاتنا وخدماتنا ويسعدنا الإبلاغ عن عودتهم عبر الإنترنت الآن. شكرًا لكم لتحملنا”.
وبعدها بدقيقتين، قام حساب فيسبوك على تويتر بنشر تغريدة تحمل نفس المضمون السابق، تلاه كلًا من FACEBOOK APP، وMESSANGER عبر إعادة التغريد.
بينما قام حساب فيسبوك الرسمي بالنشر على منصته في تمام الساعة 2:42 صباح يوم 5 أكتوبر بتوقيت السعودية – أي بعد النشر على تويتر بأكثر من ساعة – وقال “أردنا الاعتراف بالتأثير الذي أحدثه الانقطاع على كل من يعتمد على الوصول إلى تطبيقاتنا وخدماتنا كل يوم. بالنسبة للشركات الصغيرة التي تكتشف عملاء جدد، والمجموعات التي تجمع الأشخاص معًا حول الاهتمامات المشتركة، ومنشئو المحتوى الذين يتفاعلون مع مجتمعاتهم، والعائلات التي تحاول التواصل: نحن آسفون. لقد عملنا بجد لاستعادة الوصول ويسعدنا الإبلاغ عن عودة تطبيقاتنا وخدماتنا إلى الإنترنت الآن. شكرًا لكم على التحمل معنا واستمروا في أن تكونوا أفضل جزء في فيسبوك”
وتوالى الإعلان عن عودة الخدمات من جانب تطبيقات واتساب وإنستجرام، فضلًا عن كبار المسؤولين في شركة فيسبوك.
من العرض السابق يتضح ما يلي:
أن التعامل الإعلامي مع الأزمة من جانب إدارة فيسبوك اتخذ ثلاث مراحل:
الأولى: بداية الأزمة والتي شهدت غيابًا تامًا من جانب مالك الشركة “مارك زوكربيرغ”؛ وقد يكون هذا الوضع طبيعيًا في الغالب، إلا أن اعتياد المستخدمين حول العالم على ظهور زوكربيرغ في المناسبات الهامة جعل اختفائه مثيرًا للاهتمام والريبة في الوقت ذاته.
كما اتسمت هذه المرحلة أيضًا بغياب المعلومات حول سبب العطل وحجمه ومدى تأثيره، مما أدى إلى انتشار الشائعات.
المرحلة الثانية: ذروة الأزمة، والتي بدأت عندما شعرت إدارة فيسبوك والأشخاص حول العالم أن زمن الانقطاع زاد بشكل ملحوظ لم يحدث من قبل، وفيه تم السماح بتداول المعلومات حول أسباب العطل.
المرحلة الثالثة: أعقبت حل الأزمة، وقد شهدت الظهور الأول لمارك زوكربيرغ.
لم تعتمد إدارة فيسبوك على المتحدث الرسمي الذي يكون معنيًا فقط بالحديث مع الجماهير، بل ظهرت العديد من الأطراف التي تولت مخاطبتهم.
اعتمدت إدارة فيسبوك والمسؤولين فيها والتطبيقات التابعة لها على عرض رسائل اتصالية موحدة أو شبه موحدة، مما يُرجح أن هذه الرسائل كانت تصدر بشكل مُمنهج.
تعاملت إدارة فيسبوك ببراغماتية عندما استخدمت منصة تويتر – المنافسة لها – في عرض تطورات الأزمة، ولكنها أخطأت عندما أعلنت على تويتر عن حل الأزمة قبل الإعلان عبر منصتها.
أظهرت هذه الأزمة أن اقتران المؤسسة بأي شخص فيها حتى وإن كان مالكها قد يأتي بنتائج عكسية في كثير من الحالات، كما أنه يتنافى مع فكرة العمل المؤسسي.
الدروس المستفادة من تعامل فيسبوك إعلاميًا مع الأزمة:
ضرورة إطلاع الجماهير على المعلومات والبيانات أثناء الأزمات، وذلك للحد من انتشار الشائعات التي قد تتسبب في حالة من البلبلة.
غياب الحقائق وانتشار الشائعات قد يُؤثر سلبيًا على الصورة الذهنية للمؤسسة بشكل كبير.
أهمية وجود متحدث رسمي للمؤسسة يكون الوحيد المنوط إليه التحدث مع الجماهير منعًا لازدواجية الرسالة الاتصالية وحدوث لغط.
أهمية التخصص والتعامل المؤسسي في الأزمات.
أبرزت هذه الأزمة أهمية دور إدارات الإعلام المهنية والمحترفة في المؤسسات.