يعتبر الاتصال ووسائله من أكثر الميادين التي شغلت اهتمام الباحثين في مختلف المجالات المعرفية، خصوصًا اللغويين وعلماء النفس والتربية والسيمائيين وعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيا وغيرهم باعتباره عنصرًا أساسيًا في نقل الثقافة والحضارة؛ وتعد الصورة أقدم وأول اللغات التي استخدمها الإنسان للتعبير عن مشاعره وخواطره قبل أن يصل إلى اللغة اللفظية المنطوقة.
فمنذ القدم بدأت البشرية في التعبير عن ذاتها من خلال الرسم على جدران الكهوف والنقش على الأحجار قبل أن تظهر الكتابة وتتحول هذه الرسوم إلى لغة ذات طابع مجرد. واليوم بعد التطور الكبير الذي شهدته البيئة الإعلامية الرقمية ظهرت لغة جديدة تسمى لغة “الإيموجي” هذه اللغة التي تحاول أن تشرح المشاعر أو الأحاسيس التي يصعب علينا التعبير عنها، أو تعزز معاني الكلمات التي نكتبها.
فالرموز التعبيرية تعتبر في وقتنا الحاضر أداة لنقل الأفكار والمشاعر باعتبارها نوعًا من أنوع اللغة غير اللفظية ،حتى أن بعض الباحثين ذهب إلى اعتبار أن الرموز التعبيرية “الإيموجي- Emoji” ستكون لغة المستقبل، مستندين على إحصائية تفيد بأن هناك 41 مليار رسالة نصية ترسل كل يوم حول العالم منها 6 مليارات رسالة تتضمن واحدة من هذه الرموز التعبيرية، وقد أصبحت شعوب العالم تحتفي باليوم العالمي للرموز التعبيرية الذي يصادف السابع عشر من شهر يوليو من كل عام؛ لذلك يشير البعض إلى أن هذه الرموز أصبحت لغة عالمية “غير رسمية” يتداولها مستخدمو الوسائل التقنية الحديثة.
وفي ضوء ذلك، نشرت مجلة اتحاد الجامعات العربية لبحوث الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، دراسة بعنوان “واقع استخدام الرموز التعبيرية في البيئة الإعلامية الرقمية”، لفيصل مؤنس شتات العنزي المحاضر في قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الملك سعود، والتي سعت إلى تسليط الضوء على عدد من المحاور التي تشغل اهتمام الكثير من الباحثين والمستخدمين لهذه الرموز التعبيرية.
إشكالية الدراسة وتحليل إطارها المفاهيمي
أصبح استخدام الرموز التعبيرية في المحادثات الرقمية أمرًا شائعًا لدى الكثير من المستخدمين، نظرًا لما تقدمه هذه الرموز من مزايا اتصالية مختلفة، إضافة إلى توفرها بأشكال وتصاميم متنوعة في العديد من المنصات الإعلامية الرقمية، مما ساهم في أن تكون هذه الرموز “عنصرًا فاعلًا” في إكمال المعنى الناقص أو الذي لا تستطيع اللغة المكتوبة التعبير عنه.
فمستخدمو هذه الرموز يمكنهم اختزال الكثير من العواطف ومشاعر الحب والغضب والجوع برمز تعبيري واحد يتيح نقل هذه المشاعر ببساطة وسرعة إلى المستخدم الآخر، حيث يستطيع المستخدم الاختيار بين 3304 رموز متوفرة في منصة “يونيكود- Unicode” مما يجعل هذه الرموز قادرة على أن تعكس مشاعر المستخدمين مهما كان نوع المحادثة التي تدور بينهم سواء كانت محادثة رسمية أو غير رسمية، ففي المنصة الاجتماعية “فيسبوك” -على سبيل المثال – يتم يوميًا إرسال أكثر من 900 مليون رمز تعبيري دون وجود أي نص في الرسالة، مما يؤكد على الدور الاتصالي المهم الذي تقوم به هذه الرموز باعتبارها أحد أشكال الاتصال غير اللفظي. وعلى هذا الأساس تحاول الدراسة التعرف على واقع استخدام هذه الرموز في البيئة الإعلامية الرقمية.
وعرفت الدراسة الرموز التعبيرية بأنها صور تخيلية رقمية شائعة يمكن أن تظهر في النصوص، الرسائل، البريد الإلكتروني، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، كما أنها شخصيات مصورة أو رسوم توضيحية تحظى بشعبية كبيرة في الاتصالات النصية، وهي أيضًا صور يمكن دمجها بشكل طبيعي مع نص عادي لإنشاء شكل جديد للغة.
وتقوم الرموز التعبيرية بالعديد من الوظائف التي تساهم في جعل المحادثات الرقمية أكثر سهولة من ناحية التعبير أو حتى من ناحية الرد والتجاوب، وقد حدد باحثون ثلاث وظائف تقوم بها الرموز عند استخدامها في المحادثات النصية، وهي:
– بادئة للحديث: من خلال استخدام رمز تعبيري “وجه مبتسم” على سبيل المثال لبدء المحادثة بدلًا من إلقاء التحية.
– إنهاء المحادثة: فالرموز التعبيرية العاطفية مثل القلوب أو الوجوه المبتسمة تستخدم عادة في نهاية المحادثة بدلًا من كتابة “مع السلامة”.
– تجنب الصمت في المحادثة: ففجوة الصمت هي أمر شائع في المحادثات الكتابية؛ لذلك يتم استخدام الرموز التعبيرية حينما يرغب أحد أطراف المحادثة معرفة معلومة محددة عن موضوع معين يحاول فيه الطرف الآخر تجنب الحديث عنه!
وقد أوضح آخرون أن هناك عدة وظائف أيضا تقدمها هذه الرموز، تقسم بين المرسل والمستقبل في العملية الاتصالية، وتتمثل بالنسبة للمرسل في الوظيفة العاطفية من خلال التعبير عن موقف المرسل تجاه موضوع معين، وأيضًا وظيفة تبادل المشاعر، فعندما يرسل المرسل أحد الرموز فهو بالتأكيد يسعى لنقل مشاعره أو مواقفه للطرف الآخر.
وبالنسبة للمستقبل تتمثل في الوظيفة الدالة حيث يمكن للعواطف أن تؤثر على مشاعر المتلقي وفكره. وكذلك الوظيفة المرجعية، حيث تساعد الإيموجي على نقل الرسائل والمعلومات إلى المتلقي.
وعلى الرغم من تعدد المزايا والوظائف التي تقوم بها الرموز التعبيرية، فإن بعض الدراسات والمراجع العلمية أشارت إلى أن استخدام هذه الرموز قد يكون له بعض الجوانب السلبية، منها:
– صعوبة تحديد مشاعر أو انفعالات الشخص: فعلى الرغم أن الصورة تغني عن ألف كلمة! فإن هذا يختلف عند استخدام الرموز التعبيرية، فالرمز قد يكون سببًا لاستنتاج ألف معنى! وقد يكون أيضًا عاملًا في وصول معلومة غير صحيحة لأحد عناصر العملية الاتصالية، حيث يتوقف استيعاب وفهم الرسالة الرمزية على مجموعة من العوامل منها استخدام نفس المنصة التقنية إضافة إلى الكلمات المصاحبة التي تعزز المعنى الحقيقي لهذا الرمز.
– اختلاف معنى الرمز وتصميمه من منصة إلى منصة أخرى: وهذه السلبية تدخل في السلبيات البرمجية، فكل منصة تقوم بتصميم رموز تعبيرية متقاربة في التصميم العام مختلفة في المعنى مما يؤدي إلى اختلاف شكل الأيقونة بين المستخدمين.
– اختلاف تفسيرها وقبولها باختلاف نوع الجنس: فقد بينت إحدى الدراسات الغربية أن الرموز التي تتضمن مشاعر عاطفية مثل إيموجي القلب أكثر ملاءمة وقبولا عندما تأتي من الإناث، أما الرسائل التي تتضمن رموزًا أقل عاطفة مثل “face – Smiling” فهي مقبولة بنفس القدر من الطرفين.
– الهروب من المحادثة أو إنهاؤها: خاصة في المحادثات التي قد تسبب حرجًا لأحد الأشخاص.
– ضياع اللغة: فعلى الرغم من المزايا التي تتمتع بها الرموز التعبيرية فإنها قد تكون سببًا في التأثير على اللغة وبخاصة لغة الأطفال.
إطلالة على دراسات أجنبية تناولت الرموز التعبيرية
استعرضت الدراسة مجموعة من الدراسات الأجنبية التي تناولت واقع استخدام الرموز التعبيرية في البيئة الإعلامية الرقمية وفقًا لأكثر من منظور، ويمكن تصنيف تلك الأبعاد إلى ما يلي:
معرفة مدى وجود فروقات في استخدام الرموز التعبيرية بين الجنسين، فمن خلال عينة قوامها 40 شخصًا وبالاعتماد على المنهج المختلط، خلصت النتائج أن هناك بعض الاختلافات في طريقة استخدام الرموز باختلاف الجنس، لكن كلا الجنسين في العينة اتفق أنه يستخدم الرموز التعبيرية بهدف تقوية معنى رسائله.
تأثير نوع الجنس في تفسير الرموز التعبيرية، وجرى ذلك من خلال وضع مجموعة من الفرضيات العلمية بالاعتماد على منهج المسح، وبالتطبيق على عينة قوامها 80 طالبًا، ثبت أن تفسير الناس للرموز لا يتأثر بنوع جنس المرسل فقط، بل يتعدى ذلك إلى نوع الرمز التعبيري المستخدم، مما يؤكد على ضرورة التفكير في كيفية اختيار الرموز التعبيرية لأنها تعد عنصرًا مهمًا يمكن أن يؤثر على مدى قبول الرسالة لدى الطرف الآخر.
رصد إيجابيات وسلبيات استخدام الرموز التعبيرية في مواقع التواصل الاجتماعي من خلال دراسة على عينة قوامها 100 شخص من مستخدمي برنامج “Wechat”، بحيث يقوم كل شخص من هؤلاء بعرض الرموز التعبيرية التي استخدمها مؤخرًا في محادثاته ثم يقوم بالاختيار من رقم 1 أو 10 بحيث 1 يعبر عن المشاعر السلبية و10 يعبر عن المشاعر الإيجابية، وأكدت الدراسة أن الرموز التعبيرية هي أقرب لتكون معبرة عن الأمور الإيجابية الخاصة بالناس أكثر من الأمور السلبية.
كيفية استخدام الأفراد للرموز التعبيرية بهدف التضامن في الأزمات والكوارث، فقد قام الباحثون باختيار نوعين من هذه الأحداث وهما إعصار إيرما سبتمبر 2017 وهجمات باريس نوفمبر 2015 وجمع الباحثون أكثر من 2 مليون تغريدة في الفترة من 13 نوفمبر 2015 إلى 17 نوفمبر 2015 تتضمن كلمة “باريس” باستخدام خدمة “”Twitter GNIP4، كما قاموا بجمع التغريدات التي تتضمن كلمة “”Irma، بدءًا من الوقت الذي أصبحت فيه العاصفة شديدة حتى أصبحت العاصفة ضعيفة. وقد توصلت الدراسة إلى أن الرموز التعبيرية الإيجابية والمتعاطفة مع هذه الأحداث لها حضور ثابت على مدار أيام الأسبوع، أما السلبية فتصبح قليلة مع مرور الوقت.
التعرف على طريقة استخدام الإيموجي، من خلال عينة قوامها 16 شخصًا (10 إناث و6 ذكور) وبالاعتماد على المنهج النوعي، تم إجراء مقابلة بشكل فردي مع كل مشارك ثم فحص قوائم الرموز التعبيرية بعد موافقة أفراد العينة. وقد توصلت الدراسة إلى أن استخدام الإيموجي قد يتسبب في إعاقة تقديم وضعف المفردات ومشاركة العواطف الكاذبة.
نتائج الدراسة
بعدما استعرضت الدراسة العديد من الدراسات والمراجع العلمية التي تناولت الرموز التعبيرية، توصلت إلى نتائج من أبرزها:
– خلصت الدراسة إلى وجود اهتمام كبير في موضوع الرموز التعبيرية في الدراسات الأجنبية المتميزة جدا في المنهجية والمتنوعة كثيرًا في المحاور التي تناولتها وبينت تأثيرها، بينما على الجانب الآخر هناك ضعف كبير في تناول موضوع الرموز التعبيرية في الدراسات العربية، فعلى الرغم من قلة الدراسات العربية فإنها أيضًا تركز على جانب واحد فقط، ألا وهو الجانب اللغوي، وتهمل بقية الجوانب العلمية.
– ترجح الدراسة أن استخدام الرموز التعبيرية سيزداد مستقبلا؛ نظرًا لأن المنصات الإعلامية الرقمية تتجدد وتتطور يومًا بعد يوم، وسيرافق ذلك بدء سن القوانين التي تشرح وتفسر طريقة استخدام الرموز التعبيرية خاصة فيما يتعلق بإثبات الجرم، كون الواقع الافتراضي الذي نعيشه اليوم يحتم ذلك.
– كما تتوقع الدراسة أن تقوم كافة المنصات الرقمية بتوحيد أشكال وتصاميم الرموز التعبيرية حتى تكون أكثر قابلية للفهم والتفسير من كافة المستخدمين، وأن يتم في المستقبل القريب تطوير رموز تعبيرية تتناسب مع المكفوفين وذوي الإعاقات البصرية ليكونوا قادرين على فهمها واستخدامها والتجاوب معها.
توصيات الدراسة
استعرضت الدراسة مجموعة من التوصيات تمثلت في ما يلي:
– القيام بالمزيد من الأبحاث حول الرموز التعبيرية خاصة فيما يتعلق بطريقة استخدامها وتأثيرها على المجتمع السعودي.
– إجراء دراسات تسعى لتفسير الأسباب الكامنة وراء تفضيل بعض المستخدمين لألوان معينة عند استخدام الرموز التعبيرية مثل القلب الأزرق أو الأخضر وغيرهما.
– على المهتمين في المجالين السياسي والرياضي إجراء الدراسات التي تهدف لمعرفة أوقات استخدام الجماهير لأعلام الدول في المنصات الاجتماعية مع محاولة التعرف على نوعية المناسبات أو الأسباب التي تدفعهم لذلك.
– تطبيق بعض الدراسات على المكفوفين وذوي الإعاقات البصرية ومعرفة العوائق التي تواجههم في فهم الرموز.
– تشجيع رجال القانون على كتابة المقالات العلمية والأبحاث التي تتناول الرموز التعبيرية ودورها في الجريمة الاتصالية، لما له من فائدة كبرى قد تخفى على بعض المستخدمين.
– حث الأشخاص على توخي الحذر وعدم المبالغة في استخدام الرموز التعبيرية خاصة في حال اختلاف خلفيات المشاركين في عملية الاتصال، لأن تفسيرها قد يختلف من شخص لآخر.
– من المهم أن يتبنى اللغويون الفكرة الإيجابية عن استخدام الرموز التعبيرية كعنصر مهم في تعزيز اللغة والمشاعر، وعدم مقارنتها بما يطلق عليه “العربيزي” (لغة الأرقام أو أحرف الشات وتسمى أيضاً بلغة الفرانكو وهي عبارة عن لغة تواصل عربية بالأحرف الإنجليزية مستحدثة وغير رسمية) لأن الرموز ليست لغة هجينة بل مجموعة من الصور.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الصور التعبيرية أحدثت قفزة نوعية في مجال اللغة والاتصال، مما ساهم في إثراء اللغة بشكل عام من خلال ما تقدمه من مزايا أهمها تكملة المعنى الناقص في الكلام المكتوب بوصفها نوعًا من أنواع الاتصال غير اللفظي وعادلت بذلك لغة الجسد كالإيماءات والإشارات والإيحاءات، لكن الجانب الأخطر فيها هو توظيف البعض لتلك الرموز في التهديد بارتكاب جرائم، وهو ما يدق ناقوس خطر بشأن دور الرموز التعبيرية في الجريمة الاتصالية، وهي مسألة بحاجة إلى دراسة معمقة من جانب الباحثين في مجال الإعلام الجديد وفي المجال القانوني.
7 دقائق