برزت معالجة الصحف السعودية للقضايا التي يشهدها المجتمع السعودي بشكل عام، وما تشهده المملكة العربية السعودية أثناء رئاستها واستضافتها لقمة مجموعة العشرين لعام 2020 بشكل خاص كونه حدثًا فريدًا ورائدًا على مستوى العالم العربي، حيث تُمثل المملكة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو ما يعكس ثقل ومكانة السعودية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وقد استعرضت الصحافة السعودية وناقشت منذ إعلان رئاسة المملكة لمجموعة العشرين في 1 ديسمبر 2019 مجموعة من القضايا أبرزها تسخير كافة السبل لمجموعات التواصل الثماني التي تعمل تحت مظلة المجموعة من أجل مناقشة القضايا المالية والاجتماعية والتنموية المشتركة لاستخلاص توصيات ونتائج لقادة مجموعة العشرين التي تمثل أكبر 20 دولة في العالم من حيث الأهمية الاقتصادية، إذ يشكل مجموع اقتصادات هذه الدول نسبة 80% من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي، وثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية، وتضم ثلثي سكان العالم.
وقامت المملكة بتنسيق أعمال القمة تحت شعار “اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع” لمناقشة ثلاثة محاور رئيسية تركز عليها، وهي تمكين الإنسان والحفاظ على كوكب الأرض وتشكيل آفاق جديدة، وتتوافق هذه المحاور بشكل كامل مع أهداف المحاور الثلاثة التي بنيت عليها رؤية المملكة 2030، خاصة فيما يتعلق بتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، والتنمية المستدامة، وتعزيز حركة التجارة والاستثمار، إضافة إلى تمكين المرأة.
وفي هذا الإطار، ركزت دراسة للدكتور إبراهيم بن محمد الثقفي الأستاذ المساعد بكلية الإعلام والاتصال جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بعنوان “المعالجة الصحفية لقضايا مجموعة العشرين في ضوء رؤية المملكة 2030 – دراسة تحليلية لعينة من الصحف السعودية” نشرتها المجلة المصرية لبحوث الإعلام، على بحث المعالجة الصحفية التي قدمتها الصحف السعودية لقضايا مجموعة العشرين، ومدى قدرة الصحافة على ربطها بالأهداف الرئيسية أو الفرعية أو التفصيلية لرؤية المملكة 2030.
عينة الدراسة وإطارها النظري
وقد تم تطبيق الدراسة التحليلية على عينة من الصحف وهي الرياض والشرق الأوسط والاقتصادية منذ إعلان ترؤس المملكة لقمة مجموعة العشرين ابتداء من 1/12/2019 وحتى تسليمها للدولة المستضيفة للقمة التالية وهي إيطاليا في 1/12/2020. وجاء اختيار الصحف الثلاث بحيث تمثل كل صحيفة نوعًا مختلفًا عن الآخر، فصحيفة الشرق الأوسط تمثل الصحف السعودية الدولية التي تستهدف الجمهور المحلي والدولي، أما صحيفة الرياض فهي تمثل الصحف السعودية العامة وتتمتع بجماهيرية عريضة، أما صحيفة الاقتصادية فتمثل الصحف السعودية المتخصصة والتي تم اختيارها بسبب نجاحها واكتسابها ثقة جمهورها واستمرارها عن غيرها من الصحف المتخصصة في الصدور.
واعتمدت الدراسة على “نظرية الأطر الإعلامية- Frame Analysis Theory” من أجل التعرف على أنواع الأطر والقوى الفاعلة ومسارات البرهنة والأبعاد المستخدمة من قبل عينة الدراسة في طرح ومعالجة قضايا مجموعة العشرين وربطها برؤية المملكة 2030.
كما استندت إلى أداة تحليل المضمون كأداة أساسية لجمع البيانات من الصحف عينة الدراسة، باعتبارها الأنسب في تحقيق أهداف الدراسة من خلال إخضاع مضمون معالجة الصحف لقضايا مجموعة العشرين أثناء رئاسة المملكة لها للتحليل الكمي للتعرف على قدر الأهمية التي غطت بها الصحف الموضوعات.
نتائج الدراسة
توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج نستعرضها على النحو التالي:
أظهرت نتائج الدراسة أن إجمالي عدد المواد الصحفية المنشورة في الصحف عينة الدراسة بشأن قمة مجموعة العشرين برئاسة المملكة بلغ 1976 مادة صحفية تتضمن كلا من (الأخبار والتقارير الصحفية والمقالات وغيرها من الفنون الصحفية)، وقد احتلت صحيفة الرياض المرتبة الأولى من حيث حجم التغطية بنسبة 38.3%، يليها بفارق طفيف صحيفة الاقتصادية في المرتبة الثانية بنسبة 37.9% وجاءت في المرتبة الثالثة صحيفة الشرق بنسبة 23.8%. ويتضح من ذلك تقارب اهتمام صحيفتي الرياض والاقتصادية بقمة مجموعة العشرين مقارنة بصحيفة الشرق الأوسط، ويمكن تفسير ذلك بإتاحة نشر أخبار القمة في صحيفتي الرياض والاقتصادية في كافة أقسام الصحيفة كالمحليات والاقتصاد والرأي، عكس صحيفة الشرق الأوسط التي خصصت عددًا معينًا من الصفحات لنشر أخبار القمة بجانب اهتمامها بالأخبار الدولية والسياسية بشكل ملحوظ.
أما عن اهتمامات صحف الدراسة بالقضايا الفرعية لمحاور قمة العشرين، فقد حظي المحور الخاص بتمكين الإنسان بالاهتمام الأكبر من قبل الصحف الثلاث بنسبة 69.3% يليه وبفارق كبير محور تشكيل آفاق جديدة بنسبة 17%، بينما تراجع اهتمام الصحف الثلاث بمحور الحفاظ على كوكب الأرض إلى 13.7%وقد اهتمت صحيفتا الرياض والاقتصادية بمحوري تمكين الإنسان وتشكيل آفاق جديدة بنسبة أكبر من صحيفة الشرق الأوسط، بينما اهتمت صحيفة الرياض بالحفاظ على كوكب الأرض بنسبة أكبر من الصحيفتين الأخريين.
وفيما يتعلق بالمصادر المستخدمة في صحف الدراسة، احتلت فئة (دون مصدر) الترتيب الأول بنسبة 39.3%، وهو ما يشير إلى أن النسبة الأكبر من الموضوعات الصحفية الخاصة بقمة مجموعة العشرين كانت بلا مصادر صحفية محددة، حيث كانت تكتفي بكتابة اسم الصحيفة رغم أن بعض المواد الصحفية كانت تشير في داخلها إلى تقارير أو أخبار من وكالات الأنباء أو مصادر صحفية أخرى كالبيانات التي تصدر عن المنظمات الثماني الرسمية التي تعمل تحت مظلة مجموعة العشرين.
وجاءت فئة محرر في المرتبة الثانية بنسبة 19.7%، وتلتها مباشرة في الترتيب الثالث فئة كاتب بنسبة قدرها 18%، وهو ما يعكس اهتمام الكتاب بهذا الحدث الضخم ومحاولة تسليط الضوء عليه، وإبراز قيمته للمواطن السعودي وتعريفه بمستهدفات تلك القمة وربطها بمستهدفات المملكة العربية السعودية تحت مظلة رؤية 2030، وتركزت النسبة الأكبر من مواد الرأي في الاقتصادية رغم اعتمادها على كُتّاب الرأي غير السعوديين كالمواد التي يتم نشرها باتفاق خاص مع صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وجاءت وكالة الأنباء السعودية في الترتيب الرابع بنسبة 9.1% وكلها في صحيفة الرياض، ويعود ذلك كون صحيفة الاقتصادية والشرق الأوسط لا تكتب اسم وكالة الأنباء كمصدر بل تكتفي باسم الصحيفة، وتشير داخل المادة الصحفية إلى وكالة الأنباء،
وفي المركز الخامس المراسل الداخلي بنسبة 7.8%، واعتمدت صحيفة الرياض على المراسل الداخلي بنسبة أكبر من باقي الصحف عينة الدراسة، وجاء المراسل الخارجي في المرتبة السادسة بنسبة 4.6%، ويعود ذلك لصعوبة تغطية الأحداث والتنقل بسبب الجائحة، وجاء اعتماد الاقتصادية على المراسل الخارجي بنسبة أكبر من باقي صحف الدراسة.
ثم المصادر المتعددة بنسبة 1.2%، وجاءت فئة وكالات الأنباء في آخر المصادر بنسبة 0.4% وكلها كانت في صحيفة الرياض التي اعتمدت على بعض ما نشرته وكالات الأنباء بشأن القمة.
وأظهرت نتائج الدراسة أن الصحف عينة الدراسة وظفت المعالجة الإيجابية في المرتبة الأولى بنسبة 47.9% ثم المحايدة بنسبة 24.7% وأخيرا المعالجة السلبية التي جاءت بنسبة ضعيفة للغاية في الصحف الثلاث بنسبة 0.4%.
كما أوضحت النتائج أن كُتّاب الرأي في الصحف عينة الدراسة بشكل عام وصحيفة الرياض بشكل خاص أكثر وعيًّا بقضايا المجموعة ومحاور رؤية المملكة 2030 ، حيث أشارت الدراسة إلى أن هناك ربطًا بين قضايا المجموعة والرؤية بشكل كبير في المقالات المنشورة في صحف العينة بشكل عام.
ونوهت الدراسة أنه على الرغم من انتشار الاتجاه العام في الصحف نحو توظيف الإنفوجراف في التغطية الصحفية ومعالجة البيانات فإن صحف عينة الدراسة لم تستفد منها في معالجتها لقمة العشرين، واحتل العنوان العريض المرتبة الأولى بين وسائل الإبراز التي وظفتها الصحف في معالجتها لقمة العشرين يليها صور الأحداث ومن ثم الصور الشخصية.
كما أشارت نتائج الدراسة إلى أن صحيفة الاقتصادية تميزت عن بقية صحف العينة بأنها خصصت صفحة باسم كل دولة من دول مجموعة العشرين تعرض من خلالها معلومات وبيانات عن الدولة ابتداء من يوم 3 نوفمبر حتى بداية القمة.
توصيات الدراسة ومقترحاتها
في ضوء نتائج الدراسة خرجت بعدد من التوصيات والمقترحات العلمية والعملية تتمثل في ما يلي:
– وضع أطر أو محاور رئيسية للتغطيات الصحفية والإعلامية الوطنية تُحدَّث شهريًا وفق متطلبات رؤية 2030، وربطها قدر المستطاع بكافة الفنون التحريرية المنشورة في الصحف من خلال أبواب ثابتة.
– إصدار دورية متخصصة من وزارة الإعلام تُعنى بتبسيط مفهوم رؤية المملكة 2030 حتى لا يكون مفهوم الرؤية قاصرًا على المتخصصين.
– توجيه المؤسسات الصحفية السعودية بالتركيز على محاور رؤية 2030 كافة من خلال متخصصين على أن يتم التواصل من خلالها مع الجمهور والمتخصصين حتى تصبح الرؤية في متناول كافة أفراد المجتمع.
– العمل على خلق صفحات متخصصة وثابتة للقضايا والمشاريع الكبرى المرتبطة برؤية المملكة 2030.
– العمل على التنوع في استخدام الفنون الصحفية المختلفة في التغطيات الصحيفة والمعالجة الصحفية للقضايا والأحداث المختلفة على ألا يطغى فن الخبر على بقية الفنون الصحفية الأخرى كالتحقيق الصحفي والحديث الصحفي وغيرهما.
– الاهتمام بصحافة الإنفوجرافيك وصحافة البيانات، وتوظيف ذلك بطريقة تساعد القارئ على الاهتمام بقضايا وموضوعات الصحف الورقية إلى جانب الاهتمام بعناصر الإبراز المصاحبة للمواد الصحفية كصور الأحداث والرسوم البيانية لتحقيق العديد من الوظائف الاتصالية كجذب الجمهور، وزيادة وصول المعلومة بشكل أسهل.
– تنوع اعتماد الصحف على المصادر المختلفة للوصول للمعلومات وعدم الاكتفاء بإعادة كتابة البيانات بطريقة مختلفة، بل يجب تطوير المواد من خلال بناء المادة بطريقة محترفة خاصة بالصحيفة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الدراسة أظهرت الحاجة إلى تبني أطر معالجة تسلط الضوء بشكل أكبر على رؤية المملكة 2030 وربطها بالأحداث سواء الدولية أو الداخلية، مع الاهتمام بتقديمها في شكل قوالب صحفية متنوعة تواكب روح العصر، وتخاطب القارئ بالمعلومات بشكل دقيق وبسيط ومكثف وجاذب.
5 دقائق