شهدت دولة قطر احتجاجات من جانب أبناء قبيلة آل مرة القطريين بسبب القانون المنظم لانتخابات مجلس الشورى المقررة في أكتوبر المقبل، والتي اقتصر حق الترشح والتصويت فيها على القطريين “الأصليين”، بينما القطريون المجنسون المولودون في قطر والذين حصل أجدادهم على الجنسية القطرية منحهم القانون حق التصويت فقط دون الترشح، أما باقي المجنسين فلن يحق لهم التصويت أو الترشح.
وأدى تصديق أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على قانون الانتخابات إلى خروج قبيلة آل مرة في مظاهرات احتجاجية على إقصائهم من حقهم الطبيعي في الترشح في أول انتخابات تشريعية في تاريخ قطر، مؤكدين أن جذورهم عريقة في البلاد، وتعود إلى ما قبل تأسيس دولة قطر، حيث تُعد قبيلة آل مرة بمثابة المظلة الكبرى التي تجمع آل الغفران وآل بحيح وآل فهيدة وآل جابر وآل زيدان.
وعلى خلفية هذه الاحتجاجات، أحالت السلطات القطرية سبعة أشخاص إلى النيابة العامة بتهمة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أخبار غير صحيحة، وإثارة النعرات العنصرية والقبلية، حسب بيان صادر عن وزارة الداخلية القطرية.
وفي هذا الصدد، تفاعل المستخدمون في مختلف الدول العربية مع الأحداث التي تشهدها قطر، ووجهوا انتقادات لاذعة إلى قناة الجزيرة القطرية على وجه التحديد التي تجاهلت احتجاجات آل مرة رغم أنها لا تبعد سوى عدة أمتار فقط عن مقرها، وذلك عكس سياساتها التحريضية التي انتهجتها ضد غالبية الدول العربية، ورفعها شعارات أبعد ما تكون عن الحقيقة لتبرير تحريضها.
استراتيجيات التضليل في تغطية قناة الجزيرة للأحداث:
مما لا شك فيه أنه لم يُعد لدى الغالبية العظمى من الشعوب العربية – باستثناء بعض المؤدلجين فكريًا – أي مصداقية تجاه قناة الجزيرة، وعلى الرغم من ذلك عمد المستخدمون العرب إلى إحراج القائمين على القناة التي تدعي أنها منبر للرأي والرأي الآخر، وإسقاط ورقة التوت عنهم بنزع الأطر الأخلاقية والإنسانية التي لطالما تشدقوا بها.
في المقابل، كان من الواضح أن الجزيرة في موقف لا تُحسد عليه، فلا هي قادرة على تناول الأحداث في قطر بنفس خطها التحريري الذي اتبعته – وما زالت – مع جيرانها العرب، وفي الوقت ذاته لا تمتلك المبرر لتجاهل هذه الأحداث الملاصقة لها والمنتشرة بشكل لا يمكن التغطية عليه. ولذلك حاولت القناة القطرية تضليل الرأي العام العربي عبر مجموعة من الأساليب التضليلية التي بنتها وفق نظرية التأطير بمستوييها سواء المتعلق بالتناول من عدمه، أو زوايا التأطير التي تم التركيز عليها، وذلك على النحو التالي:
1- التجاهل: حاولت الجزيرة تجاهل احتجاجات آل مرة في بداية الأحداث، وعدم التطرق لها بأي شكل من الأشكال، إلا أن هذه السياسة لم تنجح نتيجة التغطية الكبيرة للاحتجاجات من جانب وسائل الإعلام غير القطرية، فضلًا عن انتشارها الواسع على منصات التواصل الاجتماعي.
2- التلاعب بالعقول: عندما وجدت قناة الجزيرة أنه لا مفر من تناول هذه الأحداث، سعت إلى تضليل الرأي العام القطري والعربي بشكل عام من خلال التحكم في تأطير الحدث وفق أجندة ممنهجة وموجهة، وذلك على النحو التالي:
التهوين: سعت القناة القطرية إلى تناول الاحتجاجات على استحياء، للتقليل من شأنها، فجاءت تغطيتها لها بسيطة من حيث الكم، وسطحية من حيث الكيف؛ كما قصرت الفعل الاعتراضي بوجوده على منصات التواصل الاجتماعي دون إبراز وقفات آل مرة في الشارع.
التلاعب بالألفاظ: اتبعت القناة استراتيجية تغيير المعاني والتلاعب بالتوصيفات لتغيير الحقائق أو التقليل من شأنها على أقل تقدير، فاستخدمت توصيفات مثل (جدل – نقاش) بدلًا من (احتجاجات – اعتراضات).
إخراج الوضع عن سياقه: وذلك من خلال محاولة قناة الجزيرة تحويل احتجاج قبيلة آل مرة على قانون الانتخابات التشريعية من فعل اعتراضي على النهج الإقصائي إلى تصويره على أنه حراك مجتمعي يأتي في سياق البيئة الديمقراطية القائمة على مبدأ حرية الرأي والتعبير؛ كما سعت القناة إلى الإيحاء بأن تفاعل المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي يأتي كمشهد احتفائي بالانتخابات التشريعية المرتقبة، دون إشارتها إلى رفض آل مرة للقانون المنظم لها، وأن الكثير من التفاعلات تتمحور حول هذا السياق.
3- التغليب: إذ تعمدت قناة الجزيرة عرض وجهات النظر التي تتماشى مع سياستها التحريرية فقط دون التطرق إلى وجهة النظر الأخرى، فنقلت تصريحات لمسؤولين وإعلاميين قطريين تسابقوا وتباروا في مهاجمة أبناء قبيلة آل مرة واتهامهم بإثارة البلبلة والخروج عن النظام والقانون.
4- التشويه: ركزت قناة الجزيرة على تشويه الوقفات الاحتجاجية السلمية لأبناء قبيلة آل مرة، سواء من خلال تأطيرها قانونيًا بأنها لا تتوافق مع أنظمة الدولة، أو عبر الادعاء بأنها وقفات مسلحة، مستغلة مقطعًا يُظهر أحد الأشخاص يرفع السلاح وقالت إنه من المحتجين، ثم استخدمت القناة أسلوب التعميم لوصم الاحتجاج بالمسلح والمحتجين بالخارجين عن القانون، وبالتالي إثارة الشارع القطري ضدهم.
5- الازدواجية: بينما كانت لغة خطاب قناة الجزيرة من “التصعيدية” في أحداث ما سُمي بالربيع العربي مرورًا بثورة 30 يونيو في مصر ووصولًا لوقتنا الراهن فيما يتعلق بأحداث تونس؛ واتبع مذيعوها سياسة تحريضية مشجعة على العنف والانقسام وبث الفرقة والعداء بين نسيج الشعب الواحد، إلا أن هذه اللغة تغيرت بشكل جذري إلى التهدئة وضرورة احترام القانون وعدم التظاهر أو الخروج واللجوء إلى القنوات الشرعية فيما يخص الاحتجاجات في قطر.
كما انتهج مذيعو القناة نفس الأسلوب بشكل ممنهج على حساباتهم الشخصية على منصة تويتر، حيث أطروا تجاهلهم لاحتجاجات آل مرة ضد قانون الانتخابات التشريعية من خلال الهروب إلى الأمام، وتبرير الانتقاد والهجوم الموجه إليهم بأنه حقد على دولة قطر بسبب تجربتها الديمقراطية.
وظهر التناقض الفج في تناولهم للموضوع، فعلى سبيل المثال وصف جمال ريان هذه الأحداث بالوضع الداخلي القطري، ولذلك لا يجب التعرض له. رغم أنه لا يتوانى عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بزعم دعم الشعوب العربية.
ومن الواضح أن مذيعي الجزيرة عملوا بشكل ممنهج على إخراج الاحتجاجات عن سياقها، وتخوين كل من يُطابلهم بعدم الكيل بمكيالين، وينتقدهم بسبب تجاهلهم لهذه الاحتجاجات.
فبدوره، استنكر فيصل القاسم حالة الرفض لإقصاء أبناء قبيلة آل مرة من الانتخابات التشريعية القطرية، واستخدم أسلوبًا ترهيبيًا مبنيًا على الإرهاب الفكري عبر توجيه الاتهامات الجزافية والكلام المرسل.
من جانبها، وعلى غير عادتها، لجأت غادة عويس إلى تغيير حاد في لغة خطابها الإعلامي في تناولها لاحتجاجات قبيلة آل مرة مقارنة بتناولها لمختلف الأحداث التي تشهدها الدول العربية، فطالبت بأهمية النقاش الراقي، كما واصلت نهج زملائها في القناة بتوجيه الاتهامات لكل منتقد واعتبارهم مما أسمتهم بـ”الذباب الإلكتروني” و”الحاقدين” على دولة قطر.
هذا السلوك لم ينطبق على القناة ومذيعيها فحسب، بل أيضًا على بعض المسؤولين القطريين السابقين الذين سارعوا إلى التأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة النسيج القطري واستقرار الدولة، ومن أمثلة ذلك رئيس وزراء ووزير خارجية قطر السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، أحد أكبر المؤيدين لما أطلق عليه إعلاميًا “ثورات الربيع العربي”، إلا أنه عندما تعلق الأمر بدولته تغيرت لغة خطابه التحريضية تمامًا، وقدم عبر سلسلة تغريدات على حسابه الشخصي في تويتر النصح لأبناء وطنه بأهمية اللجوء إلى القنوات الشرعية للاعتراض.
ختامًا.. إن تعامل قناة الجزيرة مع احتجاجات أبناء قبيلة آل مرة يُعد بمثابة رسالة واضحة لكل من تعرض لمحتوى القناة التحريضي، وتأثر به واقتنع بمزاعمها حول حقوق الإنسان والحريات، والدليل أنه عندما تعرضت دولة قطر لاعتراض أو احتجاج على قانون، لم تعرضه القناة ومذيعوها – غير القطريين – على أنه احتجاجات شعبية تتطلب الخروج في تظاهرات كما فعلت وحرضت في العديد من الدول العربية، بل سعت إلى التجاهل تارة والتهوين من الحدث تارة أخرى، فضلًا عن التضليل في تأطير الحدث.