تقارير

تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية

تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا بارزًا في التأثير على الصحة النفسية لمئات الملايين من مستخدمي تلك المنصات حول العالم، فقوة الاتصالات التي توفرها الشبكات الاجتماعية في الفضاء الافتراضي تعد محددًا رئيسيًا في تشكيل الحالة المزاجية للمستخدمين.

ويؤدي الانغماس في ذلك العالم الافتراضي إلى الافتقار للروابط الاجتماعية القوية وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا على الصحة النفسية للأشخاص، في الوقت الذي لا يمكن لمنصات التواصل الاجتماعي أن تكون بديلاً للتواصل البشري في العالم الحقيقي.

وفي هذا الصدد، تشير دراسات علمية إلى أن الاتصال الشخصي مع الآخرين يساهم في تحفيز الهرمونات التي تخفف من التوتر وتجعل الفرد يشعر بمزيد من السعادة والإيجابية، بينما قضاء الكثير من الوقت في الانخراط  في تفاعلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يشعر الإنسان بمزيد من الوحدة والعزلة ويُفاقم مشاكل الصحة النفسية.

ما الذي يدفع الفرد لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي؟

يصل معظم الأشخاص حاليًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي عبر الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية، وفي حين أن هذا يجعل من السهل جدًا البقاء على اتصال، لكن هذا الاتصال المفرط على مدار الساعة قد يؤدي إلى حدوث مشكلات في التحكم في التنبيهات والإشعارات المستمرة  من تطبيقات التواصل الاجتماعي والتي تؤثر بدورها على تركيز الفرد وتزعج نومه.

واللافت أن تصميم منصات التواصل الاجتماعي يقوم على جذب انتباه المستخدمين، وإبقائهم على الإنترنت، ودفعهم للتحقق بشكل متكرر من شاشات الهاتف أو الحاسوب أو الجهاز اللوحي بحثًا عن التحديثات. وقد شكّل ذلك طريقة تجني بها الشركات الكثير من الأموال، ولكن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يتحول لإدمان، فعندما يتلقى المستخدم إعجابًا أو مشاركة أو ردًا إيجابيًا على منشور ما، فإن ذلك يؤدي إلى إطلاق مادة الدوبامين (مادة  مسؤولة عن الشعور بالمتعة) في الدماغ، وهي مادة “مكافأة” لما يحصل عليه مدمنو المشروبات الكحولية والمخدرات بعد تعاطيها. ولذلك كلما شعر مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بأنه تمت مكافأته، زاد الوقت الذي يقضيه على المنصة، حتى لو أصبح ذلك ضارًا بجوانب أخرى من حياته، وفقًا لموقع “helpguide” المعني بالصحة النفسية.

ماذا عن مظاهر الاستخدام غير الصحي لوسائل التواصل الاجتماعي؟

يوجد العديد من المظاهر الدالة على دخول الشخص في دائرة الاستخدام غير الصحي لوسائل التواصل الاجتماعي، من بينها الخوف من الضياع الذي يكون دافعًا للشخص لتكرار الدخول إلى المنصات الاجتماعية، نظرًا لشعوره بالقلق من إمكانية استبعاده من المحادثة في المدرسة أو العمل إذا ما فاته آخر الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي؟ أو ربما يشعر أن علاقاته ستتأثر إذا لم تعجبه مشاركات الآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي أو يشاركها أو يرد عليها على الفور.

كيف تتشكل الحلقة المفرغة للاستخدام غير الصحي لوسائل التواصل الاجتماعي؟

يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي إلى حلقة سلبية دائمة، تبدأ عندما يشعر الفرد بالوحدة أو الاكتئاب أو القلق أو التوتر، فحينها يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي كطريقة لتخفيف هذا الملل أو من أجل الشعور بالارتباط بالآخرين. ومع ذلك فإن استخدام المنصات الاجتماعية في كثير من الأحيان يزيد من الخوف والشعور بعدم الرضا والعزلة، وتؤثر هذه المشاعر سلبيًا على مزاج الشخص وتزيد من سوء أعراض الاكتئاب والقلق والتوتر.

وهكذا تتسبب هذه الأعراض المتفاقمة في زيادة استخدام الشخص لوسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي يستمر الانحدار.

ما المؤشرات الدالة على تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية؟

تختلف طبيعة استخدام الأشخاص لمواقع التواصل الاجتماعي، فلا يوجد مقدار محدد من الوقت يقضيه الشخص في استهلاك تلك المنصات أو عدد معين للمنشورات يشير إلى أن معدل الاستخدام أصبح غير صحي، ولكن جوهر الإشكالية يتعلق بتأثير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الحالة المزاجية للفرد والجوانب الأخرى من حياته. فعلى سبيل المثال، قد يمثل الاستخدام مشكلة إذا تسبب في إهمال العلاقات الطبيعية في الواقع (العلاقات وجهاً لوجه) أو صرف انتباه الشخص عن العمل أو المدرسة أو أثار مشاعر سلبية لديه كالحسد أو الغضب أو أصابه بالاكتئاب.

وتشمل المؤشرات الدالة للتأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية: قضاء المزيد من الوقت على هذه المنصات مقارنة بالتفاعلات الاجتماعية غير المتصلة بالإنترنت، والمقارنة بشكل سلبي مع الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي، والمعاناة من التنمر الإلكتروني، وكذلك التشتت في المدرسة أو العمل، وعدم وجود أي وقت للتأمل الذاتي ومراجعة النفس.

ومن بين المؤشرات أيضًا الانخراط في سلوك محفوف بالمخاطر من أجل كسب الإعجابات أو المشاركات أو ردود الفعل الإيجابية على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك المعاناة من اضطراب النوم ، فضلًا عن تفاقم أعراض القلق أو الاكتئاب أو الوحدة.

كيف يمكن تعديل استخدام الوسائط الاجتماعية لتحسين الصحة النفسية؟

توجد مجموعة من الخطوات التي تساهم في تقليص معدلات استخدام منصات التواصل الاجتماعي واستهلاك محتواها، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى تحسين الصحة النفسية للفرد.

وتتمثل الخطوة الأولى في تقليل الوقت الذي يقضيه الفرد على الإنترنت، إذ وجدت دراسة أجرتها جامعة بنسلفانيا أن تقليل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى 30 دقيقة في اليوم أدى إلى انخفاض كبير في مستويات القلق والاكتئاب والوحدة واضطراب النوم. وهذا يتطلب تقليل استخدام الهواتف الذكية، وهو ممكن من خلال اتباع النصائح التالية: استخدم أحد التطبيقات لتتبع مقدار الوقت الذي يقضيه الشخص على وسائل التواصل الاجتماعي، وإغلاق الهاتف في أوقات معينة من اليوم، وعدم اصطحاب الهاتف أو جهازك اللوحي إلى السرير، وكذلك تعطيل إشعارات الوسائط الاجتماعية.

أما عن الخطوة الثانية فتتعلق بتغيير الهدف من وراء استخدام منصات التواصل الاجتماعي، وهي خطوة كفيلة بتحسين تجربة الاستخدام وتجنب العديد من الجوانب السلبية، فمن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للعثور على معلومات محددة، أو الاطمئنان على صديق مريض، أو مشاركة صور جديدة للعائلة تكون تجربته مختلفة تمامًا عمن يدخل إلى المنصة لمجرد شعوره بالملل أو معرفة عدد الإعجابات التي حصل عليها من منشور سابق.

وتتمثل الخطوة الثالثة في قضاء المزيد من الوقت مع الأصدقاء غير المتصلين بالإنترنت، فجميع الأشخاص بحاجة إلى صداقة واقعية لمواجهة الحياة ومشكلاتها والتشارك في الأحداث المفرحة والنجاحات.

ما وسائل مساعدة الأطفال للخروج من دوامة الاستخدام غير الصحي لوسائل التواصل الاجتماعي؟

إذا كان الآباء قلقين بشأن استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي، فقد يكون من المغري مصادرة هواتفهم أو أجهزتهم الأخرى، لكن هذا يمكن أن يخلق المزيد من المشاكل، ويفصل الأطفال عن أصدقائهم ويحرمهم من الجوانب الإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي، لذا هناك طرق أخرى لمساعدة الأطفال على استخدام فيسبوك وإنستجرام وتويتر وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي بطريقة أكثر مسؤولية، وعلى رأس تلك الطرق المراقبة والحد من استخدام الطفل لوسائل التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال تساعد تطبيقات الرقابة الأبوية في تقييد استخدام الأطفال للهواتف في أوقات معينة من اليوم.

ويعد الحوار مع الطفل من الوسائل الفعالة أيضًا، فغالبًا ما يخفي استخدامه لمواقع التواصل مشكلات أعمق تتعلق بالدراسة أو الأسرة أو مشاكل ذاتية كالخجل أو القلق الاجتماعي، بالإضافة إلى ذلك من الممكن للآباء حظر وسائل التواصل الاجتماعي لأوقات معينة، لكن يبقى العامل الأبرز والأهم هو تقديم إيضاحات للأبناء بأن وسائل التواصل الاجتماعي ليست انعكاسًا دقيقًا لحياة الناس، فلا يجب أن يقارنوا أنفسهم أو حياتهم بشكل سلبي بحياة الآخرين كما تبدو على المنصات الاجتماعية، وأخيرًا يجب على الآباء تشجيع الأطفال على ممارسة الرياضة والاهتمامات الأخرى غير المتصلة بالإنترنت.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن منصات التواصل الاجتماعي تمثل سلاحًا ذا حدين فيما يتعلق بتأثيرها على الصحة النفسية للفرد، فقد تكون علاجًا أو داءً وهذا يتوقف على طبيعة استخدام المنصة وشخصية المستخدم، ويتطلب ذلك بذل جهود تتعلق بنشر الوعي حول كيفية استخدام تلك المنصات لدى الجمهور بكل فئاته – سواء من الأطفال أو المراهقين أو الناضجين- وهي مهمة يلعب فيها الإعلام دورًا أساسيًا في تكوين تلك الثقافة التي تتداخل فيها الأبعاد التقنية والنفسية والمجتمعية.

زر الذهاب إلى الأعلى