ترتبط المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان بعلاقات أخوة تاريخية تستند إلى أسس متينة على مستوى قيادة وشعبي البلدين، لذا اتسمت تلك العلاقات بالتطور الدائم في مختلف الجوانب سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وكانت وما زالت وستظل عاملًا يعزز من اللحمة الخليجية، ويحفظ أمن واستقرار المنطقة في ظل تنسيق استراتيجي بشأن مختلف القضايا والشواغل التي تمس الدول الخليجية والعربية.
ويزداد الزخم في العلاقات بين البلدين حاليًا في ظل الرؤى الاقتصادية التنموية التي تنتهجها كل من الرياض ومسقط، ويتمثل ذلك في رؤية المملكة 2030 ورؤية عمان 2040، عبر استهداف مواكبة المتغيرات الإقليمية والعالمية واستثمار الفرص المتاحة وتوليد الجديد منها، من أجل تعزيز التنافسية الاقتصادية، والرفاه الاجتماعي، وتحفيز النمو الاقتصادي، وهو ما يفتح آفاقًا أرحب للتعاون بين المملكة والسلطنة.
زيارة السلطان هيثم بن طارق التاريخية إلى المملكة
وفي أول زيارة خارجية له منذ توليه الحكم في 11 يناير 2020، يبدأ سلطان عمان هيثم بن طارق “زيارة دولة” إلى السعودية تستمر لمدة يومين، تلبية لدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود- حفظه الله-، ليكون هذا اللقاء الثاني بين الملك سلمان وسلطان عمان بعد اجتماعهما الأول في يناير 2020 في مسقط خلال تقديم الملك سلمان تعازيه في وفاة المغفور له السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور.
وتذكر قمة نيوم بالزيارة التاريخية التي أجراها السلطان قابوس إلى الرياض بعد توليه الحكم في 11 ديسمبر 1971، تلبية لدعوة تلقاها من العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز – طيب الله ثراه-.
ووفقا لوكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”، فإن زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى المملكة “زيارة دولة”، لذا فهي تصنف ضمن أعلى مستوى بين الزيارات التي تتم بين القادة، إذ تتسم زيارة الدولة بمراسمها الخاصة وتعتبر من أهم أشكال الاتصالات الدولية في مجال البروتوكول الدبلوماسي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن زيارات الملوك ورؤساء الدول تنقسم إلى أربعة مستويات مرتبة من حيث الأهمية كالتالي: زيارة الدولة، والزيارة الرسمية، وزيارة العمل، والزيارة الخاصة.
ويرافق السلطان هيثم بن طارق وفد رفيع المستوى يضم نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع، ووزير ديوان البلاط السلطاني، ووزير المكتب السلطاني، ووزراء الخارجية، والداخلية، والنقل والاتصالات وتقنية المعلومات، والتجارة والصناعة وترويج الاستثمار، بجانب رئيس جهاز الاستثمار العُماني، وتشير طبيعة الوفد إلى حجم الملفات والقضايا الهامة والحيوية التي ستكون مطروحة على طاولة اللقاءات بين مسؤولي المملكة وأشقائهم من سلطنة عمان.
وتكتسب زيارة السلطان هيثم بن طارق أهمية كبرى من حيث توقيتها وأهدافها، كونها تعزز من العلاقات الوطيدة المتميزة التي تربط بين البلدين الشقيقين، وتفتح آفاقًا جديدة من التعاون المشترك في الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، في إطار رؤى اقتصادية تحديثية – رؤية المملكة 2030 ورؤية عُمان 2030- تقوم على أسس تعزز من خطوات التكامل بين الاقتصادات الخليجية وتسير وفق مبدأ التنويع في الاقتصاد وجذب الاستثمار وتوفير متطلباته اللوجستية والتشريعية.
وسيتم وضع بصمة مؤسسية على مسارات التعاون بين البلدين خلال تلك القمة التاريخية التي تستضيفها مدينة نيوم، عبر إطلاق مجلس التنسيق العماني السعودي، الذي سيمثل إطارًا لكثير من الاتفاقيات التي من المزمع توقيعها بين البلدين، حسبما صرح وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي.
نمو ملحوظ في العلاقات الاقتصادية.. وافتتاح مرتقب لأول منفذ بري بين البلدين
وقد شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نموًا ملحوظًا خلال السنوات الست الماضية (2020 – 2015)، إذ بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري مع سلطنة عُمان أكثر من 58.6 مليار ريال، وبلغ حجم الاستثمارات العمانية المرخصة في المملكة أكثر من 318 مليون ريال، وتأتي المملكة في المرتبة السابعة ضمن الدول المصدرة إلى عمان، في حين تأتي عمان في المرتبة التاسعة عشرة ضمن الدول المصدرة إلى المملكة.
وتوفر السوق العمانية فرصًا للصادرات السعودية في قطاعات مواد البناء والمنتجات الغذائية والأدوية والسلع الاستهلاكية المعمرة.
وفي هذا الإطار، كشف رئيس اتحاد الغرف السعودية، عجلان العجلان، أن هناك مباحثات بين قطاعي الأعمال في البلدين تمت خلال الأسابيع الماضية، طُرح خلالها نحو 150 فرصة استثمارية في عمان تقدر قيمتها بـ15 مليار ريال سعودي في قطاعات التطوير العقاري والصناعة والسياحة والثروة السمكية والطاقة المتجددة والبتروكيماويات.
ومن المتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين قفزة في مجالات التعاون والشراكة، في ضوء الافتتاح المرتقب لأول منفذ حدودي بري مُباشر بين البلدين بمسافة تتجاوز 680 كيلو مترًا، ليسهم بعد افتتاحه في تسريع وزيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، لاختصاره نحو 800 كيلو متر من زمن الرحلة، وسيشهد الطريق تنفيذ عدد من الخدمات اللوجستية والصناعية، التي تخدم الاقتصادين السعودي والعماني، إذ سيمكن الطريق الصادرات السعودية من الوصول إلى بقية دول العالم مباشرة عبر بحر العرب، كما سيمكن الصادرات العمانية من الوصول لبقية دول العالم عبر بوابة البحر الأحمر.
توافق سياسي بين الرياض ومسقط تجاه قضايا المنطقة
وقد كثفت السلطنة والمملكة على مدى العامين الماضيين الاجتماعات الثنائية رفيعة المستوى، ففي مارس 2020، استقبل السلطان هيثم بن طارق نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لبحث أوجه التعاون القائم بين البلدين وسبل تحقيق المصالح المشتركة.
وفي مايو الماضي، أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان زيارة إلى سلطنة عمان نقل خلالها رسالة شفوية من خادم الحرمين الشريفين إلى السلطان هيثم بن طارق تتصل بالعلاقات الأخوية والتعاون بين البلدين والشعبين وآفاق تعزيزها.
ومن المتوقع أن يشكل الجانب السياسي محورًا مهمًا من محاور القمة السعودية العمانية في نيوم، فالمملكة وسلطنة عمان تلعبان دورًا فاعلًا في حلحلة العديد من الملفات الإقليمية والدولية، بما تمتلكانه من حكمة وحنكة، وسياسات ذات مواقف متزنة وأهداف واضحة.
وتتلاقى السياسة السعودية والعمانية حول العديد من الرؤى، لا سيما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وهو ما دفع السلطنة للانضمام إلى التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب في عام 2016، ودعم جهود السعودية في هذا الصدد. ولطالما أعربت السلطنة في بياناتها السياسية عن دعمها لحكومة المملكة في مختلف القضايا، إذ رحبت مسقط بالمبادرة التي أعلنتها السعودية للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة اليمنية، كما أعربت السعودية عن تقديرها لجهود السلطنة ودورها الإيجابي في دعم جهود المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث والمبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ.
ومما لا شك فيه فإن التناغم السياسي بين البلدين سيكون له انعكاسات إيجابية على الوضع في المنطقة من خلال التعامل مع عدد من الملفات الساخنة، ويخلق مناخًا من الاستقرار في الخليج العربي.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول: ستعطي زيارة سلطان عمان إلى المملكة العربية السعودية واجتماعه مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، دفعة للعلاقات الثنائية، وتشكل نقطة انطلاق جديدة لبناء مستقبل أكثر ازدهارًا لشعبي البلدين، حيث تفتح تلك الزيارة التاريخية آفاقًا واسعة من التعاون في مختلف قطاعات الاقتصاد بما يعزز مسيرة التنمية، فضلًا عن كونها تدعم جهود السلام وتعزيز الأمن وحلحلة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، كما ستعمل الزيارة أيضا على تعزيز العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وأخيرًا يبقى التأكيد على أن العلاقات السعودية العمانية علاقات راسخة وطيدة، تبشر بمستقبل أكثر ازدهارًا.