ترجمات

إشكاليات مواقع التواصل الاجتماعي ونهج إدارة الأزمات

أضحت مواقع التواصل الاجتماعي مكونًا أساسيًّا في حياة الإنسان يشبع من خلالها العديد من الحاجات الاتصالية مع الأصدقاء وأفراد العائلة وأيضًا الحاجات الترفيهية، كما تستخدم الشركات والمؤسسات تلك المنصات في أغراض تسويقية، ما جعلها ركيزة أساسية في حملات التخطيط الاستراتيجي لصناعة الصورة الذهنية الخاصة بالعلامات التجارية.
وبالقدر الذي حملت معه تلك المنصات مزايا وفوائد لملايين الأشخاص حول العالم أفضت إلى تخصيص يوم عالمي للاحتفال بها يوافق 30 يونيو من كل عام، جلبت أيضًا أخطارًا وتهديداتٍ تتعلق بالخصوصية، وتسهيل انتشار المعلومات المضللة والأخبار الزائفة، وخطاب الكراهية والأفكار المتطرفة، وما يعتري ذلك من أزمة تتعلق بفجوة تشريعية بشأن ضوابط عمل الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي، وممارساتها الاحتكارية في هذه السوق المهمة والحيوية.
وبرز كذلك الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في إدارة الأزمات سواء على صعيد المؤسسات أو الشركات أو حتى الأفراد، بعدما صارت ساحة رئيسية للتنافس والصراع في ظل سباق لاستقطاب الجماهير عبر تلك المنصات.
الاستخدام الكثيف لمواقع التواصل الاجتماعي
توجد العديد من الدلائل الرقمية والإحصائية على تزايد أهمية مواقع التواصل في حياة الأفراد، إذ يبلغ عدد مستخدميها 3.5 مليار شخص حول العالم، ويقضي الفرد في المتوسط 3 ساعات يوميًّا على هذه المواقع، ويستخدم 500 مليون شخص قصص إنستجرام ويتداولون 95 مليون صورة يوميًّا، بينما يتم تداول 60 مليار رسالة عبر تطبيقي واتساب و”فيسبوك ماسنجر”، ويتم تحميل 300 ساعة على موقع يوتيوب كل دقيقة، وفقًا لموقع “National Today” الأمريكي.
ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وازدياد شعبيتها، ازدادت أيضًا عملية التدقيق التي تتعرض لها، وسط حالة من الجدل الدائر حول استخدامها للبيانات والتأثير على الصحة النفسية وظاهرة الأخبار المضللة، ما وضع المنصات تحت ضغوط لتكون أكثر شفافية.
وعلى الرغم من وجود الكثير من التطبيقات المتاحة على متاجر التطبيقات الخاصة بأنظمة تشغيل الهواتف، فإن عددًا قليلًا منها يعتبر الأكثر أهمية وكثافة في الاستخدام، إذ يشير تقرير صادر عن مؤسسة “Sensor Tower” المتخصصة في بحوث السوق أن تطبيقات الوسائط الاجتماعية احتلت المراكز الثلاثة الأولى من بين أفضل 10 تطبيقات تم تنزيلها على مستوى العالم خلال عام 2020، علمًا بأن القائمة ضمت خمسة تطبيقات للوسائط الاجتماعية.
ووفقًا لموقع “تايمز أوف إنديا” الإخباري، جاءت أكثر تطبيقات الوسائط الاجتماعية شيوعًا عبر أنظمة تشغيل “أندرويد” و”iOS” لعام 2021 على النحو التالي:
يعد تطبيق “تيك توك” المملوك لـشركة بايت دانس الصينية الأكثر تنزيلًا في جميع أنحاء العالم، وهو التطبيق الأكثر تنزيلًا بين مستخدمي نظام تشغيل “iOS”، بينما حلّ ثانيًا كأكثر التطبيقات التي تم تنزيلها بين مستخدمي نظام أندرويد.

جاء تطبيق فيسبوك في المركز الثاني بقائمة أكثر التطبيقات تنزيلًا بشكل عام، وهو التطبيق الأكثر شعبية بين مستخدمي نظام أندرويد في عام 2021 حتى الآن، بينما يحتل المرتبة السادسة بين أكثر التطبيقات شعبية لدى مستخدمي هواتف آيفون. أما إنستجرام، فهو ثالث أكثر تطبيق تم تنزيله من قبل مستخدمي الهواتف الذكية في عام 2021، ويحتل المرتبة الثالثة على كل من متجر آبل ومتجر جوجل بلاي.
احتل تطبيق ماسنجر للتراسل الخاص بفيسبوك المرتبة السابعة في قائمة تطبيقات متجر آبل، مقابل المرتبة السادسة في قائمة متجر جوجل بلاي.
جاء تطبيق سناب شات في المركز الثامن بين أكثر التطبيقات تنزيلًا خلال العام الحالي، وبينما احتل المركز السابع على قائمة متجر جوجل بلاي، لم يدرج ضمن أعلى 10 تطبيقات تنزيلًا في متجر آبل.
فوائد ومخاطر منصات التواصل الاجتماعي
سلطت جائحة فيروس كورونا التي اجتاحت العالم العام الماضي الضوء على الدور المهم الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في ربط الأشخاص ببعضهم، والتواصل بسرعة وبساطة، وتبادل الأخبار، كما أتاحت للشركات المحلية التي كانت تكافح بسبب القيود المرتبطة بالوباء التواصل مع المستهلكين ومواصلة أعمالها، مما أنقذ العديد من الشركات الصغيرة من شبح الإغلاق نهائيًّا.
كما برزت أنماط عديدة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، سواء في مجالات التوعية الصحية وفي القطاع الخيري، إذ تم تدشين العديد من الحملات ونشر منشورات كان لها تأثير كبير خلال العام الحالي من أبرزها حملة أطلقتها منظمة السلام الأخضر في المملكة المتحدة عبر بث مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي للتوعية بخطورة نفايات المواد البلاستيكية مستغلة إمكانيات الوصول الواسعة لتلك الحملات، إذ يشير تقرير هيئة تنظيم الاتصالات في بريطانيا “أوفكوم” لعام 2021 أن 97% من الأشخاص الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت يستخدمون خدمات الفيديو الاجتماعية.
وفي مايو الماضي، أصدرت المنظمة فيديو بعنوان “Wasteminister”، تَظهرُ فيه أطنان من الزجاجات البلاستيكية المستعملة يتم إلقاؤها على مجسم لرئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون خلال مؤتمر صحفي أمام مقر الحكومة في ويستمنيستر، حيث تمثل تلك الزجاجات الكمية الفعلية من النفايات البلاستيكية التي تدعي الحكومة البريطانية أنه يتم إعادة تدويرها.
وفي مقابل هذه الاستخدامات الإيجابية، أفسحت وسائل التواصل الاجتماعي المجال للكثير من الأزمات مثل قضايا التدخل في الانتخابات والتأثير على الرأي العام وهو ما بدا في قضية التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية، وأيضًا نشر أفكار تحض على الكراهية، بجانب شيوع جرائم التصيد، كما أن مظاهر وأنماط الحياة غير الواقعية التي يتم تصويرها على منصات التواصل الاجتماعي من جانب ما يعرفون بـ”المؤثرين” أدت إلى آثار سلبية على الصحة النفسية للشباب وانخفاض شعورهم بتقدير الذات. ومن بين الأزمات التي اشتدت وتيرتها خلال الشهور الماضية وباء المعلومات المضللة المرتبطة بفيروس كورونا، والتي أغرقت منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وهددت استقرار المجتمعات والتعايش بين الأعراق المختلفة.
مواقع التواصل الاجتماعي كأداة لإدارة الأزمات
وعلى وقع تلك المظاهر السلبية، برز دور منصات التواصل الاجتماعي في مواجهة الأزمات بكفاءة وفاعلية، ويعرف موقع “Falcon” المتخصص في شؤون منصات التواصل الاجتماعي، الأزمات على منصات التواصل الاجتماعي بأنها حدث يمكن أن يكون له تأثير سلبي على سمعة مؤسسة أو شركة أو علامة تجارية أو جهة أو فرد ما، وقد يكون الحدث منقولًا من الواقع إلى الفضاء الرقمي، أو بدأ على مواقع التواصل الاجتماعي ثم انتشر، ونظرًا لأن وسائل التواصل الاجتماعي تسمح بمشاركة المنشورات بعدد غير محدود من المرات وبوتيرة سريعة للغاية، تعتبر الأحداث السلبية بمثابة أزمات لأن التعامل معها أشبه بإخماد حريق.
وتجدر الإشارة هنا إلى ثلاث خصائص رئيسية لأزمات وسائل التواصل الاجتماعي، أولها عدم تناسق المعلومات، وثانيها وجود تغيير عن السلوكيات المعتادة، فالتعرض للنقد ليس أزمة في حد ذاته، لكن انفجار النقد بشكل مكثف عبر أكثر من منصة يكون مؤشرًا لوجود أزمة، أما الخاصية الثالثة فتتمثل في وجود خطر كبير وواضح.
ومن هذا المنطلق، ظهر الاهتمام بإدارة الأزمات عبر منصات التواصل الاجتماعي باعتبارها مهمة يجب التخطيط لها مسبقًا، عبر سلسلة من الخطوات التي يتوجب على المؤسسات اتباعها لإدارة الأزمات – بمختلف مراحلها-، وهي على النحو التالي:
تكوين فريق إدارة أزمات:
يضم مجموعة من المسؤولين لكل منهم دور واضح، حيث يتألف ذلك من مزيج من الموظفين التنفيذيين (لإصدار القرارات)، والإداريين (للتنسيق)، والمبدعين (لصياغة الرسالة الصحيحة)، وبالتوازي مع ذلك الإجراء لا بد من الإجابة عن عدة أسئلة من أبرزها من الذي سيتولى المسؤولية عن الاستراتيجية الشاملة؟ ومن المسؤول عن تحديد ورصد الأزمات المحتملة؟ ومن سيتولى إدارة وسائل التواصل الاجتماعي والرد على الأسئلة؟ بحسب موقع ” Mention” المعني بمواقع التواصل الاجتماعي.
وضع معايير لاكتشاف وتصنيف الأزمة:
يتولى فريق إدارة الأزمة في تلك المرحلة التفكير في نوع الأزمات التي قد تواجهها المؤسسة من خلال العثور على أمثلة حقيقية لما يمكن اعتباره أزمة. ومن المزايا الإضافية لتلك العملية تحديد نقاط الضعف المحتملة التي ربما لم يتم التفكير فيها من قبل.
تحديد الرسالة الرئيسية:
يعتبر التفاعل خلال الأزمة من المحددات الرئيسية لعبورها، فقد يكون هناك خطة رائعة وفريق ذكي، ولكن إذا كانت الرسالة خاطئة فلن يكون هناك أي فرصة لتخطي الأزمة.
وضع إرشادات للتواصل:
بمجرد أن تكون الرسالة الأساسية واضحة، لا بد من اتخاذ قرار بشأن كيفية توصيلها، وهذا يعني وضع الإرشادات حتى يعرف كل شخص ضمن فريق الأزمة – وهو يكتب منشورًا أو يبث محتوى على منصات التواصل الاجتماعي- ما هو متوقع منه.
مراقبة التحديثات:
ويتم ذلك من خلال الاستعانة بأداة مراقبة للمساعدة في معرفة ما يقال وأين؟ ويوفر هذا الإجراء الاطلاع على التحديثات في الوقت الفعلي، وتحليل كميات كبيرة من البيانات لاستخلاص النتائج، والتنبيه إذا ما كانت هناك أزمة خطيرة على وشك الحدوث.
في ذات الإطار، توجد ثمة خطوات لا بد من اتباعها على منصات التواصل الاجتماعي خلال وقوع الأزمة، تتمثل في وقف المنشورات المجدولة، والاعتراف علنًا بما يحدث، فلا يمكن الاختباء لفترة طويلة خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك فالأفضل الإفصاح عن وجود مشكلة ما وبأنه يجري العمل على حلها، فالاستجابة السريعة تساعد في تقليل الضرر بشكل عام.
أما عن مرحلة ما بعد الأزمة، فتظهر فيها أهمية أداة المراقبة الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي، حيث توفر بيانات توضح كيف يبدو “أسبوع ما بعد الأزمة”، والتي يمكن مقارنتها بـ”أسبوع الأزمة” و”أسبوع ما قبل وقوع الأزمة”، مع التركيز على عوامل مثل فقد المتابعين، والشكاوى، ومقدار المشاعر السلبية. وتمكن الأداة أيضًا من معرفة المواضع التي كانت الاستجابة فيها من جانب فريق إدارة الأزمة أكثر فاعلية، فعلى سبيل المثال ربما يكون الفريق قد أمضى ساعات لا حصر لها في البحث بموقع تويتر والرد على المستخدمين، في حين أن مشاركة واحدة على فيسبوك قد يكون تم تداولها على نطاق واسع.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن مواقع التواصل الاجتماعي حققت للفرد والمؤسسات العديد من المكاسب والإشباعات للحاجات المتنوعة، لكنها في الوقت ذاته تثير العديد من الإشكاليات والأزمات التي تتطلب حزمة من الحلول سواء على الصعيد التشريعي عبر مخاطبة الشواغل المتعلقة بحماية الخصوصية والحفاظ على سرية بيانات المستخدمين، ووضع ضوابط للإعلان والتسويق عبر هذه المنصات، ومواجهة احتكار الشركات العملاقة لسوق التكنولوجيا، وأيضا على الصعيد التثقيفي عبر تأهيل النشء للتعامل مع هذا العالم الافتراضي بطريقة تحافظ على صحتهم النفسية واتزانهم فكريًّا والحيلولة دون انجرافهم وراء تيارات فكرية متطرفة تسعى لاستقطابهم، أو أن تصبح أذهانهم أسيرة لذلك العالم غير الواقعي بما يجعلهم ناقمين على الحياة وتُثير تطلعات لا تتناسب مع ما يمتلكونه من قدرات وإمكانات.
وأخيرًا، يبرز تحد يتعلق بالاستخدام المؤسسي لمواقع التواصل الاجتماعي في الكشف عن الأزمات وإدارتها على النحو الذي يحجم من الخسائر المحتملة، ويعظم من رأس المال الاجتماعي للمؤسسات ويحسن صورتها لدى الجمهور.

زر الذهاب إلى الأعلى