منذ طرحه في السادس من أكتوبر عام 2010، نما “إنستغرام” ليصبح منصة رئيسية ضمن مواقع التواصل الاجتماعي على مستوى العالم، وعزَّز من ذلك ارتباطه اللاحق بفيسبوك بعدما قامت الشركة بالاستحواذ على التطبيق في عام 2012 في صفقة تاريخية بلغت قيمتها مليار دولار.
ويبلغ عدد مستخدمي تلك المنصة الرائدة في مشاركة الصور ومقاطع الفيديو، حاليًّا مليار مستخدم، وقد ساعدت طبيعة المنصة على جعلها ساحة مميزة لأعمال التسويق والدعاية والإعلان بالنسبة للعلامات التجارية، فحقق التطبيق 20 مليار دولار من عائدات الإعلانات في عام 2019.
وتنامت خلال الفترة الأخيرة عملية الاستعانة بالمؤثرين على موقع إنستغرام من أجل تسويق السلع والخدمات والوصول إلى شرائح مجتمعية معينة مثل المراهقين والشباب، لكن ثمة ظاهرة لافتة في هذا الإطار تتمثل في عدم التزام هؤلاء المؤثرين بالقواعد الخاصة بالإفصاح عن المحتوى الإعلاني الذي يقومون بنشره من خلال حساباتهم.
أكثر من 90% من مستخدمي «إنستغرام» يتابعون نشاطًا أو علامة تجارية
ووفقًا لمؤسسة “Digital Marketing Institute” فإن المؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي هو المستخدم الذي يمتلك سمة الوصول إلى جمهور كبير على المنصة، ويمكنه إقناع الآخرين بالتصرف بناءً على توصياته. ويعتمد المؤثر على أدوات لجذب العديد من المتابعين باستمرار، وقد يكون المؤثر مدوِّنًا أو شخصًا مشهورًا أو رائد أعمال عبر الإنترنت. واللافت في هذا الإطار أن الكثير ممَّن يتم وصفهم بالمؤثرين طبقًا لاعتبارات الكم، أي حجم المتابعين، لا يمتلكون بالضرورة المؤهلات أو المعرفة الكافية، التي تؤهلهم للتأثير في الجماهير.
وتتمتع منصة إنستغرام بخصوصية تجعلها أكثر ملاءمةً لأعمال التسويق والإعلان والدعاية، فنظرًا لأنها منصة ذات طبيعة بصرية، فإن محتواها كالصور أو مقاطع الفيديو القصيرة يسهل استهلاكه، ممَّا يشجع على المزيد من المشاركة من مستخدم لآخر، بما يساعد العلامات التجارية على تحسين الوصول إلى الجمهور المستهدف، بحيث لا يقتصر على المتابعين الفعليين للمؤثرين فقط، بل يمكن التواصل مع متابعي متابعيهم الذين يتشاركون معهم المحتوى.
ونتيجة لذلك، يقوم المؤثرون بنشر العديد من المنشورات الدعائية، ممَّا يسمح لهم بجني مقابل مادي لما يشاركونه على إنستغرام، وتخصص العديد من الشركات والعلامات التجارية العالمية الكبرى جزءًا متزايدًا من ميزانياتها الإعلانية للتسويق عبر المؤثرين، من أجل الوصول إلى المستهلكين الأصغر سنًّا الذين قد لا يشاهدون التليفزيون أو يقرؤون الصحف.
ووفقًا لبيانات إنستغرام فإن أكثر من 90% من مستخدمي المنصة يتابعون نشاطًا تجاريًّا أو علامة تجارية، بينما تشير شركة Captiv8 للتسويق، إلى أن المؤثرين الذين لديهم أكثر من مليون متابع على إنستغرام بإمكانهم أن يكسبوا ما يصل إلى 20 ألف دولار عن كل منشور ينشرونه نيابة عن المعلنين.
كما توقعت مجلة فوربس الأمريكية مؤخرًا نموًّا هائلًا في صناعة التسويق عبر المؤثرين، ممَّا يشير إلى أن ذلك السوق قد تصل قيمته إلى 15 مليار دولار بحلول عام 2022.
تعمُّد المؤثرين عدم الإفصاح بشكل واضح عن المحتوى الإعلاني
وأجرت هيئة تنظيم المنافسة والأسواق في بريطانيا تحقيقًا حول ما إذا كان عدد كبير جدًّا من المؤثرين ينشرون محتوى عن الشركات دون أن يعلنوا بصورة واضحة للجمهور أنه إعلان مدفوع، وسط مخاوف من أن المنصة لم تفعل ما يكفي لمعالجة المشكلة.
وخلص التحقيق إلى أن العديد من المؤثرين لا يقومون بالإفصاح عن طبيعة المحتوى الإعلاني بشكل واضح للجمهور.
وفي العام الماضي، تعهد 16 من نجوم وسائل التواصل الاجتماعي، بمن فيهم المطربتان إيلي جولدينج وريتا أورا وعارضتا الأزياء روزي هنتنغتون وايتلي وأليكسا تشونغ، بتغيير طريقة نشرهم للمحتوى على الإنترنت.
وجاء التعهد في أعقاب تحذيرات من هيئة تنظيم المنافسة والأسواق في بريطانيا من أن منشوراتهن قد تنتهك قانون المستهلك.
وفي هذا الإطار، وجدت دراسة أجرتها سلطة المعايير الإعلانية، التي تشرف على مراقبة الإعلانات في بريطانيا أن أكثر من 76% من أعمال الترويج التي يقوم بها المؤثرون على إنستغرام تخفي هاشتاقًا يدل على أن المنشور إعلان ترويجي، ممَّا يعني أن المستخدمين بحاجة إلى توسيع نطاق النص ليتم الكشف عن هذا الهاشتاق.
وكانت الهاشتاقات المستخدمة في التحليل كالتالي: #ad، الذي تم استخدامه مع 12.8 مليون منشور، يليه #sponsored في 3.3 مليون منشور، ثم #advertisement في 1.8 مليون منشور، و#giftedفي 1.8 مليون منشور، و#affiliate في 744 ألف منشور.
ووفقًا للوائح سلطة المعايير الإعلانية، يجب أن تكون ملصقات تسويق المؤثر بارزة بدرجة كافية، بحيث يلاحظها المستهلكون بسهولة، مشيرة إلى أن “دفن ملصق في قائمة علامات التصنيف أو وضعه تحت الجزء المرئي من الصفحة، حيث يحتاج المستهلكون إلى النقر فوق عبارة (مشاهدة المزيد- see more) لن يكون كافيا”.
وترى سارة تاسكر، الخبيرة البريطانية في شؤون تطبيق إنستغرام أن “القوة الدافعة للمؤثرين الذين يحاولون إخفاء هاشتاق الإفصاح عن المحتوى الإعلاني تنبع من رغبتهم في فقدان المتابعين لرؤيتهم كبائعين ومسوقين”، وفقًا لشبكة “سي.إن.إن” الإخبارية الأمريكية.
«إنستغرام» يستحدث أدوات وإجراءات جديدة للتحقق من الإفصاح عن المحتوى الإعلاني
وقد أبدى موقع إنستغرام اهتمامًا بمشكلة الإفصاح عن المحتوى الإعلاني منذ سنوات، حيث قام -على سبيل المثال- في عام 2017، بإضافة خيار لوضع علامة شريك تجاري في المنشور الإعلاني، من أجل توفير مزيد من الوضوح حول هذا الأمر.
ويشير موقع “Social Media Today” المتخصص في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن “إنستغرام” يخطط لمعالجة مشكلة “الإعلانات المخفية” من خلال خطوتين رئيسيتين، الأولى تتمثل في عزم المنصة إضافة مطالبة جديدة للمؤثرين بتأكيد ما إذا كانوا قد تلقَّوْا حوافز للترويج لمنتج أو خدمة قبل أن يتمكنوا من نشر منشوراتهم.
أمَّا الخطوة الثانية فتتعلق بتطوير خوارزميات جديدة لاكتشاف المحتوى الإعلاني المحتمل، الذي لم يتم الإعلان عنه بشكل صحيح أو واضح، وإبلاغ الشركات التي يتم الترويج لها عن هؤلاء المستخدمين.
ووفقًا لمتحدث باسم شركة فيسبوك، المالكة لإنستغرام، “ستقوم الشركة بتقديم تقارير منتظمة إلى هيئة تنظيم المنافسة والأسواق في بريطانيا بشأن إجراءات الإنفاذ المتعلقة بالمستخدمين في بريطانيا، كما نوَّه بمواصلة الشركة جهودَ مساعدةِ الأشخاص على التحلِّي بالشفافية بشأن المحتوى المدفوع على إنستغرام، فضلًا عن قيامها بإطلاق برنامج للمساعدة في تثقيف الشباب حول المحتوى المتعلق بالعلامات التجارية وكيفية التعرف إليه”.
ويرى أندريا كوسيلي، الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم المنافسة والأسواق في بريطانيا “أن هذه التغييرات تعني أنه لن يكون هناك أي عذر للشركات للتغاضي عن كيفية الإعلان عن علاماتها التجارية أيضًا”، مشيرًا إلى أن المنصات الرئيسية ابتعدت عن تحمُّل مسؤولية “الإعلانات المخفية” على موقعها.
من خلال العرض السابق يمكن القول بأن المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي -لا سيما المنصات البصرية مثل إنستغرام- يُعتبرون أحد المحددات التي تؤثر في قرارات الشراء بالنسبة للمستخدمين، فغالبًا ما يتطلَّع هؤلاء المستخدمون إلى قنوات التواصل الاجتماعي للحصول على آراء ومراجعات حول المنتجات والخدمات قبل إجراء عملية شراء، لكن المؤثرين لا يتقيدون بالقواعد المرعية للإفصاح عن طبيعة المحتوى المنشور، فبعضهم لا يفصح تمامًا عن كونه ينشر محتوًى إعلانيًّا يتقاضى عليه مقابلًا من الجهة المعلنة، والبعض الآخر إنِ الْتَزَمَ بالإفصاح يكون التزامه منقوصًا كأن يتم إخفاء الهاشتاق الذي يظهر أنه إعلان في مناطق غير مرئية بسهولة للمتابعين.
ويتطلب ذلك الوضع بذل المنصات مزيدًا من الجهود من أجل ضمان تقيُّد هؤلاء المؤثرين بالقواعد المنظِّمة لنشر الإعلانات التي تحفظ حقوق المستهلكين وتحميهم من التعرض للخداع، مع وضع عقوبات رادعة في حال انتهاك المؤثرين لتلك الضوابط، ومن بينها، على سبيل المثال، حظر النشر لفترة زمنية معينة وصولًا إلى إغلاق الحساب تمامًا في حال تكرار تلك المخالفات.