تعززت ظاهرة كراهية الأجانب في جميع أنحاء العالم خلال السنوات الأخيرة، وقد يكون هذا الاتجاه بسبب صعود السياسيين القوميين أو الأحداث الاقتصادية، مثل الركود الذي أثار استياء بعض العمال العاطلين عن العمل من المهاجرين، لكن البعض وجَّه أصابع الاتهام إلى وسائل التواصل الاجتماعي، والتي برزت في نفس الوقت الذي كان فيه كره الأجانب متصاعدًا.
وعلى الرغم من أن التوقيت المماثل لا يثبت أن وسائل التواصل الاجتماعي تسببت في كراهية الأجانب، فإنها مثار للتساؤل.
مواقع التواصل الاجتماعي ساحة لتواصل كارهي الأجانب والتخطيط للهجمات ضدهم
ولمعرفة ما إذا كان الاتجاهان مترابطين، ركز جورجي إيجوروف، أستاذ الاقتصاد الإداري وعلوم القرار في كلية كيلوج بجامعة نورث ويسترن الأمريكية، وفريقه البحثي على روسيا، وبحثوا بشكل خاص في الصلة بين الزيادة في جرائم الكراهية وانتشار منصة تشبه “فيسبوك- Facebook” تسمى “فكونتاكتي- VKontakte”.
ووجد الباحثون أن ارتفاع استخدام تلك المنصة مرتبط بالزيادة في جرائم الكراهية، ولكن في المدن فقط، التي كان لديها بالفعل دعم قوي للسياسات القومية.
وأوضحت الدراسة أن وسائل التواصل الاجتماعي من المحتمل أن تساعد الأشخاص الذين يَكرهون الأجانب على الاتصال والتخطيط للهجمات معًا. وأكثر من ذلك، بدا أن التعرض لـ”فكونتاكتي- VKontakte” يجعل الأشخاص أكثر كراهية للأجانب.
وتشير الدراسة إلى أن تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع يمكن أن تتجاوز المناقشات عبر الإنترنت، وأن لها أيضًا عواقب في الواقع الحقيقي.
كما توضح أنه من الصعب تحديد ما إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي تسبب رهاب الأجانب، فمن الممكن أن يكون السبب في الاتجاه المعاكس، أي أن رهاب الأجانب القوي يشجع الاستخدام المتكرر لوسائل الإعلام الاجتماعية. أو ربما عامل ثالث، مثل ضعف الاقتصاد، يزيد من كره الأجانب والوقت الذي يقضيه المستخدم على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك.
ارتباط مستويات القومية في المدن وارتفاع معدل الكراهية بين المستخدمين عبر منصة “فكونتاكتي- VKontakte” الروسية
وللحصول على صورة أوضح استغل فريق إيجوروف حقيقة أن استخدام “فكونتاكتي- VKontakte” في روسيا انتشر بشكل عشوائي إلى حدٍّ ما، وتلك المنصة ظهرت أول مرة عام 2006 حيث قام بافيل دوروف بتطويرها عندما كان طالبًا في جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية، وفي البداية كان الاستخدام يقتصر غالبًا على الطلاب ومعارفهم، لذلك تميل الشبكة إلى النمو في المقام الأول بالمدن الرئيسية للطلاب.
لرسم خريطة لهذا النمو، تعاون الفريق البحثي مع ليوناردو بورزتين في جامعة شيكاغو، وكذلك روبين إنيكولوبوف وماريا بتروفا في معهد برشلونة للاقتصاد السياسي والحكم، وحسب الباحثين، فقد زاد عدد مستخدمي “فكونتاكتي- VKontakte” في 625 مدينة عبر روسيا في عام 2011، بعد عدة سنوات من إصدار التطبيق.
كما حصلوا على بيانات حول جرائم الكراهية من مركز “SOVA” للمعلومات والتحليل غير الربحي. وقام الفريق بتقييم المستويات الحالية من القومية في كل مدينة بناءً على جزء ضئيل من الناس الذين صوَّتوا لصالح حزب “رودينا” (أي الوطن) ذي الطابع القومي في عام 2003.
وبحث فريق الدراسة عن صلة بين استخدام “فكونتاكتي- VKontakte” وجرائم الكراهية بين عامي 2007 و2015، والتحكم في عوامل مثل حجم سكان المدينة ومتوسط الدخل والتعليم والتجزئة العرقية والمعروفة بأنها احتمال وجود شخصين من أعراق مختلفة.
ووجد الباحثون أن ذلك يعتمد على مستويات القومية الموجودة مسبقًا، في المدن التي تحظى بأكبر دعم لحزب رودينا، حيث ارتبطت زيادة بنسبة 10% باستخدام “فكونتاكتي- VKontakte” بما يصل إلى 26% في ارتفاع ضحايا جرائم الكراهية.
علاوة على ذلك، يبدو أن استخدام “فكونتاكتي- VKontakte” له تأثير أقوى على عدد جرائم الكراهية التي ترتكبها الجماعات من تلك التي يرتكبها مهاجم واحد. وهي نتيجة تتوافق مع فكرة أن وسائل التواصل الاجتماعي تساعد في عملية التنسيق.
في الماضي، قد يتجنب العديد من الأشخاص الذين يعانون من كره الأجانب، الابتعادَ عن اتخاذ أي إجراءات بأنفسهم، لكن عندما وجد هؤلاء المستخدمون آخرين لديهم آراء متشابهة عبر منصة “فكونتاكتي- VKontakte”، فقد تكون هذه الاتصالات قد شجعتهم على ارتكاب العنف معًا.
رهاب الأجانب المخفي والاستقطاب.. ظاهرتان أكثر ارتباطًا باستخدام منصة “فكونتاكتي- VKontakte“
تقدم الدراسة مسارات مختلفة أيضًا لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على كره الأجانب وأحد الاحتمالات هو أن منصة “فكونتاكتي- VKontakte”، عرَّضت الأشخاص لوجهات نظر أكثر كراهيةً، ونتيجة لذلك ازدادت كراهية الأجانب لدى بعض المستخدمين وتجاوزت في النهاية عتبة الاستعداد لارتكاب جريمة.
والاحتمال الثاني هو أن الأشخاص لم يصبحوا بالضرورة أكثر كراهية للأجانب، لكنهم شعروا أن وجهات نظرهم كانت مقبولة اجتماعيًّا أكثر عندما وجدوا نظراء متشابهين في التفكير. مثل هذا المجتمع لن يدينهم -بل ربما يعجب بهم– في حال قاموا بإيذاء جسدي لشخص من مجموعة عرقية أخرى.
ولتفكيك هذه التفسيرات، صمم الباحثون مَسْحًا قيِّمًا لرهاب الأجانب بطريقتين. الأولى: نظروا في عدد الأشخاص الذين اعترفوا صراحةً بمواقف كراهية الأجانب. الأخرى: بحثوا عن مستويات رهاب الأجانب “المخفية” أو غير المعلنة للمشاركين.
وقام الفريق بتجنيد أكثر من 4000 شخص من 125 مدينة في روسيا لإجراء الاستطلاع عبر الإنترنت في عام 2018. وتم تقسيم المشاركين في كل مدينة إلى مجموعتين، وتم تقديم قائمة من الأسئلة لكل مجموعة.
بالنسبة للأشخاص المبحوثين في المجموعة الأولى، كانوا يجيبون عن مجموعة من الأسئلة العامة، مثل: هل تقرأ كل أسبوع عادةً صحيفة أو مجلة واحدة على الأقل؟ أو: هل تعرف اسم رئيس المحكمة الدستورية للاتحاد الروسي؟ أمَّا المبحوثون في المجموعة الثانية فقد أجابوا عن نفس القائمة من الأسئلة مع سؤال واحد إضافي وهو هل تشعر بالانزعاج أو الكراهية تجاه بعض الأعراق؟
ووجد الباحثون أن زيادة استخدام منصة “فكونتاكتي- VKontakte” في المدينة أدت بالفعل إلى مستويات أعلى من كراهية الأجانب، ممَّا يعني أن ثمة بعض الأشخاص الذين لم يكونوا يعانون من كره الأجانب، تحوَّلوا إلى ذلك. وخلصوا أيضًا إلى أن منصة “فكونتاكتي- VKontakte” لم تجعل كراهية الأجانب أكثر قبولًا اجتماعيًّا في الأماكن العامة.
وهذه النتائج لا تشير إلى ارتفاعٍ عامٍّ في كراهية الأجانب، بل تشير إلى ارتفاع في الاستقطاب داخل المجتمع، فالشخص الذي يكره المهاجرين سيجاهر بشعوره ذلك، في حين أن الشخص الذي يدعم المهاجرين سيصبح أكثر شَغَفًا بالدفاع عنهم.
وأخيرًا.. خلصت الدراسة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تجعل الجميع أكثر كرهًا للأجانب، ولكنها ساحة للاستقطاب، ورأت أنه من المثير للقلق أن وسائل التواصل الاجتماعي تغلق على الأشخاص في غُرَف الصدى.
وتوصى الدراسة بأن تقوم الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي بتصميم منصات تشجع على المحادثة بين المجموعات، مشيرة -على سبيل المثال- إلى أن الخوارزمية التي تحدد محتوى خلاصة أخبار المستخدم يمكن أن تعطي الأولوية لرسائل من أشخاص لديهم خصائص ديموغرافية أو سمات ملف شخصي مختلفة.