ترجمات

شبكات التواصل الاجتماعي وتوظيف الذكاء الاصطناعي.. «لينكد إن» نموذجًا

يتدخل الذكاء الاصطناعي في كثير من المجالات لتحقيق استفادة عالية من الأعمال المختلفة، وتعتبر شبكة “لينكد إن” إحدى أبرز الواجهات التي تستخدم هذه التقنية، حيث إن الشبكة العملاقة تعتبر ملاذًا لكثير من الباحثين عن الوظائف حول العالم منذ بدء التشغيل الفعلي لها -بدأ في مايو 2003- واستقطبت حتى يوليو 2020 ما يزيد على 690 مليون مستخدم، منتشرين في 200 دولة ومنطقة حول العالم، إذ إنها متاحة بنحو 24 لغة.

مراحل تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي على شبكة “لينكد إن”

في الأوقات المبكرة جدًّا عند تأسيس “لينكد إن”  تم تحديد عاملين أساسيين للتميز هما البيانات والمشتركون، وتم رفع شعار “الأعضاء أولًاmembers first”، حيث يتم التعامل بوضوح واتساق وتحكُّم فعَّال في كيفية استخدام بيانات الأعضاء، وصياغة رؤيتهم لخلق فرصة اقتصادية لكل عضو من القوى العاملة.

ومع بدء الشبكة العالمية في العثور على المزيد والمزيد من الطرق لدمج الذكاء الاصطناعي في منتجاتهم وخدماتهم، أدركوا أيضًا أهمية التأكد من أن جميع الموظفين على استعداد تام للعمل مع تقنية الذكاء الاصطناعي حسب الاحتياج، كلٌّ حسب وظيفته، وتحقيقًا لهذه الغاية تم إنشاء برنامج تدريب داخلي يسمى “أكاديمية الذكاء الاصطناعي”AI Academy ، ويعتبر هذا برنامجًا تعليميًّا للجميع بداية من مهندسي البرمجيات إلى فرق المبيعات، على حسب المستوى المناسب لكل مجموعة وظائف، ليكونوا على أُهْبَة الاستعداد للتعامل مع هذه التقنية.

كان من بدايات مشاريع الذكاء الاصطناعي على الشبكة توصيات بالأشخاص الذين قد تعرفهم People You May Know والتي تعرف اختصارًا بـ(PYMK)، وتصل هذه الخوارزمية الأعضاء بآخرين قد يعرفونهم على الموقع وتساعدهم على بناء شبكاتهم، وهو نظام توصية لا يزال محوريًّا على “لينكد إن”، وعلى الرغم من أنه الآن أكثر تعقيدًا بكثير ممَّا كان عليه في تلك الأيام الأولى، وقد بدأت خاصية PYMK”” كمنتج للبيانات نحو عام 2006، وفى تلك الأيام الأولى لم يُشِرْ أحد إلى أن PYMK مشروع  متعلق بالذكاء الاصطناعي، حيث إن ذلك المصطلح لم يكن شائعًا في ذلك الوقت.

كان المشروع الآخر الذي تم العمل عليه في نفس الوقت تقريبًا هو ما يعرف بـ”تصنيف البحث”search ranking، والذي كان مشكلة تقليدية للذكاء الاصطناعي في ذلك الوقت بسبب ظهور “جوجل” والمنافسة في مساحة محرك البحث.

توصيات العمل والتسويق والحماية من المحتوى الاحتيالي

ويعتبر إيغور بيريسيتش، رئيس قسم البيانات بـ”لينكد إن”، أن استخدام الذكاء الاصطناعي على “لينكد إن” يشبه استخدام الإنسان للأكسجين، يلزم أن يتم استخدامه بشكل دائم، فبالنسبة لأعضاء الشبكة فإن التقنية  تساعد في التوصية بفرص العمل وتنظم السِّيَر الذاتية، وتضمن أن تكون الإشعارات التي يتلقونها مفيدة وفي وقت مناسب، وتقترح محتوى تعليميًّا خاصًّا بـ”لينكد إن” لمساعدتهم على تعلُّم مهارات جديدة.

وفيما يتعلق بمنتجات شركة “لينكد إن”، يقول بيريسيتش: “يساعد الذكاء الاصطناعي مندوبي المبيعات في الوصول إلى الأعضاء المهتمين بمنتجاتهم، ويقدم المسوِّقون المحتوى المدعوم المتصل بما يسوِّقون له، كما يقوم القائمون بالتوظيف بتحديد مجموعات المواهب الجديدة والوصول إليها”، وتعمل مزايا الذكاء الاصطناعي على الشبكة أيضًا في ذلك السياق، فتقوم بالمساعدة في حماية الأعضاء من المحتوى الاحتيالي والضار،  وكذلك توجيه اتصالات الإنترنت لضمان أفضل سرعة ممكنة للمشتركين.

يعتبر بيريسيتش أن ضمان سلامة الأعضاء على المنصة أمر يتم اتخاذه على محمل الجد، فكونك شبكة اجتماعية ذات أبعاد مهنية قوية جدًّا، من المهم التصرُّف بسرعة في تحديد الإساءة ومنعها، نظرًا لأن الإساءات والتهديدات تتغير باستمرار،  ويأتي الذكاء الاصطناعي في صميم هذه الجهود، ووجد “لينكد إن” هذه التقنية مفيدة للغاية في اكتشاف الملفات الشخصية غير اللائقة.

يعمل الذكاء الاصطناعي أيضًا على تحسين كل تجربة، بدءًا من الإشعارات التي يتلقاها الأعضاء بشأن العناصر ذات الصلة بهم، وتعد إحدى أبرز الطرق التي يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي، عملية التحديثات feed، حيث تفرز وتصنف قائمة غير متجانسة من الأنشطة (المشاركات والأخبار ومقاطع الفيديو والمقالات وما إلى ذلك)، ولضمان حدوث التحديث الملائم  فإن الخوارزميات تأخذ في الاعتبار الفروق الدقيقة المختلفة لتوصيات المحتوى وتفضيلات الأعضاء.

وكان أحد الأمثلة المثيرة للاهتمام التي حدثت عام 2018 عندما تم اكتشاف توزيع غير متكافئ في التحديثات، وكان معظم منشئي المحتويات لا يتلقون أي تعليقات على نحوٍ متزايدٍ، فقد كان نموذج التحديث الموضوع يفعل ما تم برمجته عليه، وهو  مشاركة محتوى بشكل واسع النطاق من شأنه أن يولِّد الكثير من التفاعل، ومع ذلك أدرك القائمون على الشبكة أن هذا التحسين لم يكن بالضرورة الأكثر فائدة لجميع الأعضاء، وهو إحدى السلبيات التي خلقتها تقنية الذكاء الاصطناعي، وتم العمل على تعديلها لمساعدة منشئ المحتوى على إيصال محتواه لجمهور أصغر وأكثر اهتمامًا.

مع هذا التحديث بدأت خوارزميات الترتيب في عرض عناصر معينة، فبالنسبة للمشاهد يتم عرض المحتوى ذي الصلة بناءً على تفضيلاته، وبالنسبة للمنشئ يعمل على تشجيع محتوى عالي الجودة ومساعدتهم في الوصول إلى جماهيرهم، ويعلق بيريسيتش على ذلك قائلًا: “تغيرت طريقتنا إلى مزيج صحي من المحتوى، ممَّا أدى بعد ذلك إلى تحسين التفاعل لكل من المشاهدين والمنتجين”.

خطوات سابقة على اللوائح المنظمة لحماية البيانات العالمية

في السنوات الأخيرة  بدأت دول العالم في وضع قوانين حول قدرة الشركات على تخزين بيانات المستخدم واستخدامها، فتهدف تلك القوانين -مثل النظام الأوروبي العام- إلى حماية البيانات (GDPR)، أو قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا (CCPA) إلى تعزيز حقوق الخصوصية وحماية المستهلك، وبالنسبة إلى بعض الشركات، يعني الالتزام في تعاملها مع البيانات، ولحسن حظ “لينكد إن” فإن البيانات تُعتبر دائمًا أحد الأصول للشركة وتم التعامل معها باحترام كأحد عوامل التميز الأساسية للشركة.

حتى قبل وجود اللائحة العامة لحماية البيانات، كان لدى “لينكد إن” إطار داخلي يسمونه C’s3 وهو اختصار لـ”الوضوحclarity ، والاتساق consistency، والتحكمcontrol”. ويقول إيغور بيريسيتش، رئيس قسم البيانات بالموقع: “كنا نعتقد في ذلك الوقت، -وما زلنا حتى اليوم- أننا مدينون لأعضائنا بتقديم توضيح حول ما نفعله ببيناتهم، وأن نكون متسقين في القيام بما نقوله فقط، ولإعطاء أعضائنا السيطرة على بياناتهم”، ويستخدم الذكاء الاصطناعي هنا في عملية الحفاظ على البيانات ومراجعة العمليات وتحديثها، لضمان المزيد من الخصوصية.

اختصاص الذكاء الاصطناعي الوظيفة الأسرع نموًّا

بصفتها شبكة اجتماعية احترافية كبيرة فإن “لينكد إن”  لديها فرصة فريدة لوضع رؤى حول تغيير أدوار الوظائف والمواقف الشعبية التي قد لا تمتلك الشركات الأخرى رؤى عميقة فيها، ففي نهاية العام الماضي 2019، أصدرت “لينكد إن”  تقريرها السنوي الثالث حول الوظائف الناشئة لتحديد الوظائف الأسرع نموًّا، وظهر اختصاص الذكاء الاصطناعي باعتباره الوظيفة الأولى الناشئة في هذه القائمة،  حيث أظهر نموًّا سنويًّا بنسبة 74٪ على مدى السنوات الأربع الماضية، ومن المثير للاهتمام بشكل خاص رؤية هذا النمو خارج صناعة التكنولوجيا، ففي عام 2017 وجدوا أن قطاع التعليم لديه ثاني أكبر عدد من متطلبات مهارات الذكاء الاصطناعي الأساسية التي أضافها الأعضاء.

في الآونة الأخيرة،  وسط التباطؤ الاقتصادي الناجم عن وباء كورونا، لا تزال “لينكد إن”  ترصد أن سوق العمل بالذكاء الاصطناعي مستمر في النمو، حيث زادت وظائف الذكاء الاصطناعي بنسبة 8.3٪ في الأسابيع العشرة التي تلت تفشِّي الفيروس في الولايات المتحدة، على الرغم من أن قوائم وظائف الذكاء الاصطناعي تنمو بشكل أبطأ، ممَّا كانت عليه قبل الوباء، وعلى الرغم من التباطؤ العام في الطلب على المواهب، فإنه يبدو أن أصحاب العمل منفتحون على توظيف متخصصين في الذكاء الاصطناعي.

الأمر المثير للاهتمام في مجال الذكاء الاصطناعي هو أن “لينكد إن”  تشهد نظامًا بيئيًّا كاملًا من الأدوار التقنية التي تدعم الأعمال المختلفة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، فبالعودة إلى تقرير الوظائف الناشئة السابق ذكره، فإن الوظائف المتخصصة في الذكاء الاصطناعي مثل الأشخاص الذين يصنعون النماذج ويطبقونها وما إلى ذلك ترتفع، وفي نفس الوقت ما يسمى الوظائف “المجاورة للذكاء الاصطناعي” آخذة في الارتفاع أيضًا، هذا يعني أنك تشاهد المزيد من الطلب على علماء البيانات ومهندسي البيانات ومهندسي “السحب “الإلكترونية، وهذا النمو يزداد عبر العديد من الصناعات، وليس فقط قطاع التكنولوجيا.

وأخيرًا.. إن استخدام الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على شبكة “لينكد إن” فتتجه إليه يوتيوب” عندما لا تكون المراجعات البشرية ممكنة لمقاطع الفيديو، كذلك تستخدمه “فيسبوك” و”تويتر”  أيضًا لتتبُّع المواد المسيئة على مواقعهم، والمزيد من شركات التكنولوجيا مثل DataRobot وTextio

وYonder وKodiak Robotics وZoox وCruise وغيرها من شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة والتعلُّم الآلي، يرتبط مستقبلها بإيجاد الحلول الذكية الخاصة بالذكاء الاصطناعي.

زر الذهاب إلى الأعلى