إن صدور مبادرة الحرير الجديدة في بكين في ٢٠١٣، والإعلان عن رؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠ في ٢٠١٦، قد وفّرا للعلاقات الصينية السعودية إمكانيةً أوسع للتلاقي والتعاون، ومحتوياتٍ أكثر تحديداً للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.
إنه التلاقي والتفاعل الخلاّق بين حُلمين وطنيين في استكمال بُنيان الدولة الحديثة والتقدّم الاقتصادي، وتعرض هذه الورقة إمكاناتِ التعاون والفرص المتاحة في إطار المبادرة والرؤية.
طريق الحرير.. الفرص والتحديات:
يرجع الإعلان الرسمي لمبادرة طريق الحرير الجديد إلى خريف ٢٠١٣ سواءً الشق البريّ او الشق البحري.
تمثل مبادرة الحزام والطريق خطوة أساسية متقدمة على طريق التكامل الاقتصادي بين آسيا وأوروبا وأفريقيا
وبدأت خطط التنفيذ تتشكل بطريقة محدّدة في ٢٠١٥ و٢٠١٦، وهو ما يرجع إلى مساعي الحكومة الصينية للحصول على أوسع تأييدٍ ممكن لمبادرتها على الساحة الدولية.
وتمثل مبادرة الحزام والطريق – المعروفة باسم مبادرة طريق الحرير الجديد – خطوةً أساسية متقدمة على طريق التكامل الاقتصادي بين آسيا، وأوروبا، وأفريقيا.
وتهدف الصين من المبادرة إلى تشييد بِنيةٍ أساسية إقليمية وقارية وعالمية، تمثّل امتداداً لبنيتها الأساسية الداخلية وبرنامجها لتنمية غرب وجنوب غربي البلاد، ففي مارس ٢٠١٥ نشرت الحكومة الصينية وثيقةً بعنوان “معاً نبني الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الواحد والعشرين”، وتقوم هذه العملية من البناء المشترك على التجارة والبنية الأساسية والروابط الثقافية وفرص التعاون الإقليمي، وتقدّمت الوثيقة بمبادئ التعاون المفيد لكل الأطراف، وفي مجال البنية الأساسية وضعت أربع أولويات، هي: بنية النقل الأساسية، وبنية أساسية تتعلق بالموانئ، وأخرى تتعلق بالطيران، ورابعة تتعلق بخطوط أنابيب للنفط والغاز، كما تضمنت إبراز الحاجة إلى طريق حرير للمعلومات وتقنية الاتصال، بمدّ كابلاتِ أليافٍ ضوئية عابرة للحدود، ومثلها خطوط بحرية عابرة للقارات، وطرق معلومات بالأقمار الصناعية.
الطرق البرية
في أكتوبر ٢٠١٦ نشرت الحكومة الصينية خطةً مفصلة للطرق الحديدية البرية، وتشمل ثلاثة طرق: الشمالي والأوسط والجنوبي، أما الشمالي فهو خطّ السكك الحديدية الروسي عبر سيبيريا وحتى موسكو، ثم يتشعب إلى شعبتين نحو موانئ البلطيق ونحو بيلاروسيا وحتى أوروبا الغربية، وأما الأوسط فيشقّ غربَ الصين عبر كازاخستان وروسيا وبيلاروسيا إلى أوروبا، وأما الجنوبي فيمرّ بكازاخستان عبر بحر قزوين والقوقاز إلى شبكة السكك الحديدية التركية، فشبكة السكك الحديدية الأوروبية.
وبالفعل شهد عام ٢٠١٦ انتقال ١٧٠٠ رحلة بالقطارات من الصين عبر الممرّ الشمالي والممرّ الأوسط إلى أوروبا، نقلت حوالي ١٥٠ ألف حاوية، ويتوقع أن يزداد نقل الحاويات بالقطارات حتى العام القادم ٢٠٢٠ إلى حوالي نصف مليون حاوية حسب توقّعات الصين.
الشقّ البحري للمبادرة
تقطع القطارات المسافة إلى شواطئ الأطلنطي في ١٦ يوماً، بينما يبلغ زمن قطع المسافة بين الصين وأوروبا بحرياً ٣٠ يوماً
أما الشق البحري من مبادرة طريق الحرير، فيربط الصين بالشرق الأوسط وأوروبا وشرق أفريقيا، وهو مكمّل للطريق البريّ لكنه أوسعُ قدرةً على نقل السلع ويستغرق وقتاً أطول، فالقطارات تقطع المسافة إلى شواطئ الأطلنطي في حوالي ١٦ يوماً، بينما يبلغ زمن قطع المسافة بين الصين وأوروبا بحرياً مدة ٣٠ -٤٠ يوماً.
تتكامل الجهود الدبلوماسية والمالية الصينية في إقامة ما يمكن تسميته بالبنية الأساسية المؤسسية لهذا المشروع الكبير، من عقد اتفاقات مع البلدان المعنية والتي يصل عددها إلى ٦٥ دولة، وإنشاء البنية الأساسية المصرفية، والتي تضم بنك آسيا لاستثمارات البنية الأساسية، وصندوق طريق الحرير، وبنك منظمة تعاون شنغهاي، وبنك مجموعة بركس.. وغيرها، ومحاولة التوفيق بين المؤسسات الجمركية في البلدان التي يمرّ بها الطريق، لتيسير مرور التجارة عبر الطريق، وكذلك لتأمين سلامة الطريق والشاحنات والقطارات والبضائع والمحطات القائمة على طول هذه الممرات التي يتكوّن منها طريق الحرير، والخدمات الضرورية لحركة النقل التجاري بأكملها.
الطموح الصيني الجديد يقضي بإنشاء ممرات اقتصادية من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلنطي مروراً بوسط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا
ولعل أهم عناصر هذا المشروع هو توفر الاستثمارات لإقامته، وهذا ما يميّزه عن العديد من المبادرات الأخرى، فالفوائض الصينية هي العامل المقرّر النهائي للتنفيذ، وفي هذا المجال، تعهّدت الصين باستثمار ٤ ترليون دولار، لإقامة البنية الأساسية لطريق الحرير الجديد، كما يكمل هذا العامل الحاسم وجودُ الشركات الصينية المتخصصة في الإنشاءات والقادرة على التنفيذ.
وتضم البنية الأساسية موانئ ومطاراتٍ وطرقاً برية وسككاً حديدية وممرّاتٍ اقتصادية، من العمل المشترك مع العديد من بلدان العالم، على مساحة تمتد من المحيط الهادئ في الشرق إلى المحيط الأطلنطي في الغرب، مروراً بوسط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، فهذا هو الطموح الصيني الجديد، والإضافة الاستراتيجية الهائلة التي تتقدّم بها الصين للاقتصاد العالمي، ولأكثر من ثلثي بشرية القرن الحادي والعشرين.
المبادرة والعلاقات العربية الصينية:
بلغت العلاقات العربية الصينية درجةً معقولة من التبلور المؤسسي، فمنذ ٢٠٠٤ تم ترتيب لقاءات دورية على مستوى وزراء خارجية دول الجامعة العربية والصين، تُعقد كلّ عامين، لوضع أجندة العلاقات بين الطرفين للدورة القادمة.
وفي الدورة الثامنة لمجلس وزراء خارجية دول الجامعة العربية والصين، التي عقدت في بكين عام ٢٠١٨، تم التوقيع على خطة عمل لثلاث سنوات، تشمل مشروعاتٍ تَدخل ضمن مبادرة طريق الحرير، ودفعت الصينُ والجامعة العربية مستوى العلاقات بينهما إلى درجة الشراكة الاستراتيجية.
العلاقات الصينية الخليجية:
تعطي مبادرة طريق الحرير دفعة قوية للعلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي
تزايد الاهتمام الصيني بالخليج، بهدف تأمين مصادر النفط والغاز أو الطاقة، فمعظم احتياجات الطاقة الصينية تأتي من الخليج وخاصة من المملكة العربية السعودية، ويتوقع أن تبلغ قيمة التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج حوالي ٣٥٠ مليار دولار عام 2020، ويُعتبر عَقد اتفاقيةٍ لحرية التجارة بين بلدان مجلس التعاون الخليجي والصين من أولويات الطرفي ، وتعمل الشركات الصينية للحصول على عقود التشييد والبناء في الخليج. وتشارك بلدان الخليج في بنك آسيا لاستثمارات البنية الأساسية AIIB، الذي أقامته الصين ليكون قناة الاستثمارات الرئيسيّة لمشروعات طريق الحرير الجديد.
ويوفر التعاون في إطار مبادرة طريق الحرير دفعةً قوية للعلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، فالمبادرة أوجدت إطاراً شاملاً لربط الصين برؤى التنمية في بلدان الخليج، وفي مقدمتها المملكة.
الفرص والتحديات في مبادرة الحرير الصينية:
الفرص المتاحة:
أولاً – طريق الحرير البحري يمثل تطويراً لطرق نقل الصادرات النفطية السعودية إلى الصين، وتقليل المسافة بين موانئ التصدير السعودية ومناطق استهلاك النفط في الصين سيكون له تأثيره الإيجابي على تصدير النفط السعودي إلى الصين، خاصة وأن الصين منذ ٢٠١٠ هي أكبر مستورد للنفط من المملكة.
وتتراوح مكانة المملكة في تصدير النفط إلى الصين بين المرتبة الأولى حتى ٢٠١٦، والمرتبة الثانية بعد روسيا.
تطوير طرق النقل البحري وتنويعها يصبّ في صالح تنمية التجارة السعودية مع البلدان التي يمرّ بها الطريق
كما أن توقعات زيادة الطلب الصيني على النفط السعودي تؤكد هذه الحقيقة، وفي هذا الإطار فإن مشروعات تخزين النفط وتكريره والصناعات البتروكيماوية بالصين، هي مجال جاذب للاستثمارات الخارجية السعودية، وتأتي ضمن جهود المحافظة على أسواق النفط السعودية، وإذا كانت المملكة هي أكبر شريك تجاري للصين في الشرق الأوسط، فإن تطوير طرق النقل البحري وتنويعها يَصبّ في صالح تنمية التجارة السعودية مع البلدان التي يمرّ بها الطريق.
ثانياً – إمكانية مشاركة الصين في المناطق الصناعية المخطّط تشييدُها بالمملكة مثل منطقة نيوم الاقتصادية، كما ستكون هذه المنطقة الاقتصادية على ساحل البحر الأحمر الشمالي، ضمن المناطق الاقتصادية التي يمرّ بها طريق الحرير البحري.
ثالثاً – يمثل طريق الحرير بمشروعاته فرصاً للاستثمار المشترك العربي – السعودي – الصيني.
التحديات
أولاً – مصاعب تسويق المنتجات الصينية في الأسواق المختلفة، في ظلّ المنافسة الشرسة التي تواجهها من المنتجات الأجنبية.
ثانياً – أعباء الديون المترتبة على إقامة مشروعات البنية الأساسية من قبل الشركات الصينية.
ثالثاً – التقنية الصينية ليست بنفس مستوى تقنية البلدان الصناعية المتقدّمة.
رابعاً – المنافسة القائمة على المستوى العالمي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، يمكن أن تترتب عليها آثار سلبية لاختيار أحد المنافسين.
أوجه التلاقي بين رؤية 2030 ومبادرة الحرير
تعد رؤية 2030 إرادة وطنية للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وتمكين المواطن السعودي من تحقيق ذاته
تمثل رؤية ٢٠٣٠ أجندة تطوير المشروع القومي العربي السعودي في غضون عِقد ونصف من السنوات [ ٢٠١٦-٢٠٣٠]، وهي تجسيد حيّ لإرادة وطنية تستهدف استكمال بناء اقتصادٍ يتمتّع بالقدرة علي النموّ والمنافسة، وتوفير حياة أفضل للمواطنين والمقيمين، ورفع مستويات المعيشة ليس فقط من الناحية الكميّة، بل أيضاً من الناحية النوعية، وتطوير التصنيع المحلي المدني والدفاعي، وإحلال القطاع الخاص في المكانة الأولى اقتصادياً.
وبهذا فهي – أي رؤية 2030 – تمثل إرادة وطنية للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وتمكين المواطن السعودي من تحقيق ذاته والتعبير عن نفسه، وتمكين المرأة من المشاركة الفاعلة والمثمرة في تنمية الوطن، وإحداث التلاقي بين نظام التعليم وسوق العمل، ورفع مستوى إنتاجية المواطنين بتوفير مستويات تعليمية وتدريبية تأهيلية وصحيّة أعلى جودة، برفع مستوى الخدمات وإتاحة المجال للقطاع الخاص في هذه المجالات.
ومن بين البرامج التنفيذية لرؤية ٢٠٣٠، يلوح برنامج الشراكات الاستراتيجية، ويتعلق ببناء شراكات استراتيجية مع الشركاء الاقتصاديين في العالم، وبما يتوافق مع الرؤية الوطنية لتكون المملكة محوراً لربط القارات الثلاث ولزيادة الصادرات.
ومن هنا يتحدّد ما يتوفّر للمملكة من قدرات وإمكاناتٍ للمشاركة في تنفيذ مشروعاتِ مبادرة طريق الحرير، وكذلك فرص المشاركة المتاحة للشركات الصينية في مشروعات برامج تحقيق رؤية ٢٠٣٠.
رؤية 2030 يمكن أن تستغلّ الفرصَ المتاحة في الممرّات الاقتصادية على طريق الحرير الجديد، فالمملكة تُعَبِّئ قدراتٍ استثماريةً ضخمة على مدى ١٥ سنة متواصلة، وحتى ٢٠٣٠، تمكّنها من تحقيق البرامج التنفيذية لرؤيتها، وبالتالي دعوة مَن تراه مناسباً للمشاركة من الشركات الأجنبية، كما يُمكّنها من استغلال الفرص المتاحة في الممرّات الاقتصادية على طريق الحرير الجديد كما هو في الصين شرقاً وغرباً، وفي الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني، وخارج المجال الصيني كله، كالاستثمارات السعودية في الهند أو في الاتحاد الأوروبي أو أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية أو أفريقيا، وبالفعل اتفق البلدان في ٢٠١٦ على رفع مستوى العلاقات الثنائية إلى “شراكة استراتيجية شاملة”.
أكد المسئولون السعوديون عام 2016 أن مبادرة الحزام والطريق تعتبر أحد أعمدة رؤية ٢٠٣٠
وفي هذا الإطار عُقدت مائدةٌ حوارية بين الوفدين السعودي والصيني في بكين، أثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان للصين، في سبتمبر ٢٠١٦ [مؤتمر مجموعة العشرين G-20]، وكان عنوان النقاش “الرؤية السعودية ٢٠٣٠ ومبادرة الحزام والطريق.. معاً من أجل مستقبل واعد”.
وقدم وزير الاستثمار السعودي الفرصَ الاستثمارية المتاحة لمشاركة الشركات الصينية في المملكة، وهي فرص واسعة تتعلق بالموارد الطبيعية والموقع الجيواقتصادي والقوة الاقتصادية الصينية.
وأكد المسئولون السعوديون في هذا الحوار، أن مبادرة الحزام والطريق تعتبر أحد أعمدة رؤية ٢٠٣٠، وهو ما سيجعل الصين من بين أكبر شركاء المملكة.
وقع الجانبان على اتفاقات مشتركة في مجالات الطاقة والمالية والتقنية، لتعميق التعاون بين الرؤية السعودية والمبادرة الصينية
كما كشف مدير صندوق الاستثمار العام عن توفّر فرص استثمار عديدة مع الشركات الصينية في مجال البنية الأساسية والإنشاءات والتكنولوجيا المتقدمة، وأن شراكاتٍ قائمة بالفعل بين الجانب السعودي والصيني في المملكة، في مشروعات استثمار مشترك على المستوى الدولي.
وبهذه المناسبة وقع الجانبان على اتفاقات مشتركة في مجالي الطاقة والمالية، وضبط الجودة والتقنية والتبادل على المستوى الشعبي، وهو ما يسهم في تعميق التعاون بين الرؤية السعودية والمبادرة الصينية.
وصار التلاقي بين مبادرة الحرير ورؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠، إطاراً للشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
بعض الآليات المقترحة
يمثل تعميق التفاعل بين الشركات الصينية والقطاع الخاص السعودي، حقلاً عملياً لاكتساب الخبرة والتطوير
وفِي إطار الرؤية – المبادرة، يمكن أن تمثّل شراكة القطاع الخاص السعودي مع الشركات الصينية في تنفيذ مشروعات البنية الأساسية والمشروعات الصناعية التي تحفل بها رؤية ٢٠٣٠، وتعميق التفاعل بين الشركات الصينية المنفّذة للمشروعات السعودية وشركات القطاع الخاص السعودي، حقلاً عملياً لاكتساب الخبرة والتطوير، حتى يمكن للقطاع الخاص السعودي أن ينمو ويقف على قدميه، ويكون هو جهاز تنفيذ المشروعات السعودية في الغد القريب.
ويدعم هذا مساندة الدولة لقطاعها الخاص بالتعليم العلمي والتعليم المهني والتدريب، ونشر المعرفة العلمية الفنية وتوفير المساندة التمويلية من البنوك الوطنية المتخصصة، في دعم التصنيع والتصدير في مجالات تنويع القواعد الإنتاجية والمناطقية بالمملكة.
وإذا كانت المملكة قد أصدرت أكبر ميزانيتين في تاريخها ٢٠١٨ – ٢٠١٩، فإن ذلك يوفر للقطاع الخاص السعودي الاستفادة من المشروعات التي يتضمنها الإنفاق الاستثماري في هاتين الميزانيتين، ليتحوّل القطاع الخاص بالتدريج إلى المحرّك الأول للنموّ الاقتصادي.
وإذا كانت الجهات العالمية المتخصصة تتوقع أن يصل الاستيراد الصيني للنفط إلى أوجِهِ في ٢٠٣٠، وأن يصل الطلب الصيني على الطاقة ككلّ إلى ذروته في ٢٠٤٠، فإن هذا يعني أن التعاون الصيني السعودي المشترك سيتصاعد حتى بعد استكمال تنفيذ رؤية ٢٠٣٠ بعِقدٍ من السنوات، ويصل ذروته في ٢٠٤٠، وهذا ما يمنح الدولة السعودية، الفرصةَ لتحقيق أقصي استفادة من النموّ المشترك مع الصين ومع كل البلدان الأخرى المشاركة للمملكة من الغرب والشرق على حدّ سواء.
وفي مجال تطوير المكوّن السعودي في التكنولوجيا الدفاعية ليبلغ ٥٠%، وفقاً لرؤية ٢٠٣٠، من المتوقع أن يتزايد التعاون السعودي – الصيني في هذا المجال الاستراتيجي، وتطبيقاً للمبدأ ذاته، أي إقامة مشروعات مشتركة بين الجانبين للتصنيع الدفاعي في المملكة، والاستثمار السعودي في الشركات الصينية المشاركة بإنتاجها في الصناعات الدفاعية.
يعدّ نموّ التعاون السعودي – الصيني وتعميقه، ثمرةً للتلاقي والتفاعل بين رؤية المملكة ٢٠٣٠ ومبادرة طريق الحرير الجديد
وتعتبر الصين أحدَ أكبر أسواق الإنتاج السعودي من البتروكيماويات، وهو مجال واعد للغاية بالتوسّع في المملكة، كما تساهم الاستثمارات السعودية في تنمية الصناعات البتروكيماوية بالصين، وهو أيضاً مجال يتّسع ويتعمّق هناك، وهذا أحد ثمانية قطاعات تشمل التنقيب عن المعادن والصناعات المعدنية والصناعة عامة، والتجارة بنوعيها الجملة والتجزئة، والداخلية والخارجية والسياحة والرعاية الصحية والتشييد والتمويل، ومعظمها إن لم يكن كلّها، يشهد نموّ التعاون بين المملكة والصين.
وقد بلغت قيمة الاتفاقات الموقّعة مع الصين عقب زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إلى الصين في ٢٠١٧، ٦٥ مليار دولار.
وفي زيارة وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الصين في فبراير ٢٠١٩، تم توقيع ٣٥ اتفاقية تعاون مع الصين، تبلغ قيمتها ٢٨ مليار دولار.
ومن أهم هذه الاتفاقات، تلك التي وقعتها أرامكو السعودية مع الشركات الصينية، بهدف زيادة صادرات النفط السعودي إلى الصين، وهو ما يمكن أن يعيد المملكة إلى المرتبة الأولى كمصدّرٍ للنفط إلى الصين، كما سيؤدي التعاون مع المصافي الخاصة في الصين، إلى زيادة نصيب أرامكو من السوق الصينية، لأن المصافي الخاصة بادئة بالنموّ في الصين إلى جانب شركات الدولة الكبرى.
وفي مجال الطاقة النووية والطاقة المتجدّدة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والكهرباء والغاز الحيوي)، وقع البلدان على اتفاقيةٍ للتعاون النووي في ٢٠١٨، ويتطور التعاون في مجال الفضاء والأقمار الصناعية، كما يتطور في مجال التقنية الرفيعة.
ويمكن القول إن نموّ التعاون السعودي – الصيني وتعميقَه، هو ثمرةٌ للتلاقي والتفاعل بين رؤية المملكة ٢٠٣٠، وبين مبادرة طريق الحرير الجديد، وهو تلاقٍ وتفاعلٌ خلاّق بين الحُلم الوطني العربي السعودي، والحُلم القومي الصيني، وهو تلاقٍ يقوم على أساس خبرةٍ تاريخية طويلة كما قال وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، “تعود إلى زمن بعيد جداً في الماضي، ففي مئات بل آلاف السنين كان التفاعل بين الجانبين ودياً.. ولم يعرف أية مشكلات”.