الدراسات الإعلامية

مؤثِّرات “سناب شات” السعوديات .. دراسة تحليلية للمحتوى

مقدمة..

خلقت شبكات التواصل الاجتماعي مجتمعاً افتراضياً وفّر للمستخدمين بنية تفاعلية استحوذت على مساحة واضحة من وقت واهتمام وعقول المستخدمين، واستقطبت الفئات العمرية المختلفة دونما اعتبارٍ للفوارق الجغرافية والدّينية والعِرقية والجنسية والسياسية والاقتصادية، ما أدى إلى خلق حالة من السيولة والتداخل والامتزاج بين الاتصال الذاتي والشخصي والجَمْعي والجماهيري في بيئة واحدة، أعادت تشكيلَ الحياة الاجتماعية والاتصالية للفرد، وساهمت في التأثير على منظومة القيم والأخلاق التي تُشكّل السلوك الشخصي.

ويُعدّ “سناب شات” أحدَ أهمّ تطبيقات التواصل الاجتماعي، خاصة في المملكة العربية السعودية، فوفقاً لدراسة أجرتها شركة الأبحاث البريطانية Global Web Index كان السعوديون أكثرَ الشعوب العربية استخداماً للتطبيق، كما احتلوا المركز الثاني عالمياً بعد الإيرلنديين.

وطبقاً لتقارير صادرة عن شركتي Hootsuite و We Are Social خلال الرُّبع الأول من عام 2019، بلغ عدد مستخدمي “سناب شات” في المملكة 13.65 مليون شخص، تُمثّل الإناثُ 51% منهم.

ومن العوامل التي جعلت “سناب شات” يَحظَى بهذه المكانة، اعتماده بشكل أساسي على الصّور ومقاطع الفيديو، والتي تتّسم بقوة التأثير في المتلقّين مقارنةً بالكلمة المكتوبة، فضلاً عن أنها أسهل في نقل الرسالة الإعلامية.

ونظراً لقيمة “سناب شات” كشبكة تواصل اجتماعي رئيسية عند المواطن السعودي، انتشرت ظاهرة “المؤثّرين” أو “مشاهير سناب شات”، وهو مصطلح أُطلِق على الأشخاص الذين يَملِكُون أعداداً ضخمة من المتابعين لحساباتهم على التطبيق، ما جعلهم هدفاً للمؤسسات التجارية والمُعلِنين، لاستخدامهم كأدواتٍ دعائية للإعلان عن منتجاتهم، والاستفادة من القاعدة العريضة لمتابعيهم، والتي تضمن تحقيق نسبة مشاهدة عالية.

وقد نتجت عن هذه التحولات حالة من الفوضى نتيجة التداخل الذي حدث بين المحتوى الشخصي والمحتوى الدعائي الجماهيري في التطبيق، وأصبحت فئة ليست بالقليلة من المجتمع السعودي تنظر إلى مشاهير “سناب شات” والمحتوى المُقدَّم من قبلهم بكثير من الشك والريبة، ما فرض أهمية دراسة المحتوى الذي يُقدِّمُه هؤلاء المؤثّرون، خاصة من النساء، لكونهنّ يُشكّلن النسبة الأكبر من مستخدميه في المملكة بحسب تقرير Hootsuite لعام 2019.

 موضوع الدراسة:

سَعَت هذه الدراسة إلى تحليل المحتوى الذي تُقدّمه مؤثرات “سناب شات” في السعودية، وقد قام مركز القرار للدراسات الإعلامية بمتابعة ورصد وتحليل محتوى شهر يناير عام 2020م لحسابات (10) مؤثرات على التطبيق، وذلك استناداً إلى عامل شهرة مؤثرات “سناب شات” مجتمعياً وجماهيرياً، وتمّ تحليل “سناباتهنّ” بمنهجيات التحليل الكمية والكيفية اعتماداً على الموضوع كوحدةِ تحليل. ويَحتفظ المركز بأسماء المؤثرات عينة الدراسة لحفظ حقوقهنّ القانونية، والتزاماً بالأنظمة المعمول بها في المملكة.

 نتائج الدراسة:

تعرض الدراسة فيما يلي نتائج تحليل محتوى مقاطع “سناب شات” للمؤثرات السعوديات، وفقاً للمتغيرات التالية:

  • طبيعة المحتوى:

 

جاء في صدارة أنواع المحتوى الذي بثّته مُؤثِّراتُ “سناب شات” في المملكة “تسويق السلع” بنسبة 51%، تلاه في المرتبة الثانية “المحتوى الشخصي” بنسبة 27.6%، وفي المرتبة الثالثة “تسويق الخدمات” بنسبة 13.1%، وفي المرتبة الرابعة والأخيرة “فكرة أو قضية للنقاش” بنسبة 8.3%. وتؤشّر هذه النتيجة إلى أن المحتوى الدعائي يُمثّل المحتوى الرئيسي للمؤثّرات على “سناب شات” في المملكة.

وتلاه المحتوى الشخصي الذي يتضمّن أموراً شخصية تتعلّق بيومياتِ وتنقّلاتِ بعض المؤثِّرات، وعلاقاتهنّ مع متابعيهنّ وأصدقائهنّ وعائلاتهنّ، حيث تَعمَّدن ذِكرَ التفاعل الكبير على محتواهن من قِبل المتابعين، وأيضاً عرض الخصومات التي تقدّمها بعضُ المحلات حصرياً لمتابعيهن، فضلاً عن الحديث مع زائرات بعض المؤسسات التجارية، وهنّ يؤكّدن أن سبب قيامهنّ بهذه الزيارة هو دعاية المؤثّرة لها، وتهدف المؤثرة من وراء ذلك إلى الترويج لنفسها، وإظهار مدى قدرتها على التأثير، بهدف جذب أصحاب المؤسسات والمحالّ التجارية، للاستعانة بها في حملاتهم الدعائية.

كما أن أغلبهنّ يلجأن إلى عرض محتواهنّ الشخصيّ بهدف إحداث نوع من الأُلفة مع متابعيهنّ، مما يُوفّر قدراً من القرب والمصداقية التي تُسهِّل عمليةَ التأثير والإقناع، بتقليد المتابعين للمؤثِّرات بما يَعرِضْنَ من منتجاتٍ استهلاكية أو خدمية.

أما بالنسبة لتسويق الخدمات، فقد تمثّلت أغلب الخدمات التي قامت المؤثراتُ بتناولها في إعلانات الوظائف، فيما تذيّلت مناقشة الأفكار والقضايا قائمة المحتوى الذي تناولته المؤثرات، وجاء موضوع الشباب السعودي العاطل عن العمل في صدارة هذه القضايا المعروضة.

وعلى الرغم من أهمية مناقشة القضايا المجتمعية والنقاش الفكري كونه نافعاً للمجتمع، إلا أنه احتلّ الترتيب الأخير في قائمة المحتوى المقدّم من المؤثرات، ما يكشف أن أغلب المؤثِّرات لا تَشغَلُهُنّ خدمةُ المجتمع وتقديم محتوى بنّاء ومفيد، بقدر انشغالهنّ بتحقيق الرِّبح المادي من خلال التسويق والدعاية للسّلع المختلفة.

 

  • إطار المحتوى:

 

جاء الإطار “التجاري” في صدارة أطر المحتوى المقدّم من جانب مؤثرات “سناب شات” عينةِ الدراسة بنسبة 42.8%، تلاه في المرتبة الثانية الإطار “الاجتماعي” بنسبة 26.2%، ثم الإطار “الترحيبي” في المرتبة الثالثة بنسبة 11.7%، فالإطار “الديني” في المرتبة الرابعة بنسبة 6.9%، وجاء في المرتبة الخامسة الإطار “الإنساني” بنسبة 4.1%، فالإطار “الفني” الذي حَلَّ في المرتبة السادسة بنسبة 3.4%، ثم الإطار “التعليمي” في المرتبة السابعة بنسبة 2.1%، فكلٌّ من الإطار “الرياضي” و”الطبي” بنسبة ضئيلة بلغت 1.4% لكلٍّ منهما بالتساوي.

ويُلاحظ ورود الإطار التجاري الدعائي الهادف إلى الرّبح المادي في صدارة أطر المحتوى المقدم، فقد كان الأكثر هيمنةً على محتوى المؤثرات في تطبيق “سناب شات”. وكان من اللافت أن الموضوعات التي اتّسمت بالطابع الاجتماعي لم تتناول في الأساس قضايا اجتماعية أو أموراً خاصة بالمجتمع السعودي، وإنما ركزت على الحياة الاجتماعية الخاصة بالمؤثرات، مثل علاقاتهنّ الأسرية وتفاعلهنّ مع المتابعين.

أما بالنسبة “للإطار الترحيبي” فقد احتوى مضامين متنوعة ومختلفة، مثل الرسائل الترحيبية، ونشر صور شخصية وأخرى لمناظر طبيعية.

وبالنسبة للإطار الديني، فقد غلب على موضوعاته طابع الوعظ والأدعية الدينية، ولوحظ أن غالبية هذه الأدعية كانت تُوضَع كصور في بداية اليوم أو في نهايته دون التعليق عليه، وفي بعض الأحيان كان هناك تناقضٌ بين هذا الإطار وبين المضامين المقدّمة في السنابات، والتي عكست في جانبٍ منها بعضَ مظاهر البذخ والإسراف، والتي تتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي.

وتناول الطابع الإنساني بعضَ المشروعات التي ترعاها جمعياتٌ خيرية، فضلاً عن عرض بعض أعمال الخير الفردية، ولوحظ أن هذا الإطار اختصّت به إحدى المؤثرات فقط، ولم تتوزّع موضوعاته على أكثر من شخصية مؤثرة، أي أنه ارتبط بشخصِ المؤثّرة.

كما اقتصر الإطار الفني على نشر بعض المؤثرات لمقطوعاتٍ موسيقية دون التعليق عليها، لإضفاء شكلٍ جمالي على يومياتهنّ. وقد خلا محتواهنّ من الموضوعات “السياسية” و”الاقتصادية” و”الثقافية”، مما يوضّح أن الفئات الأخيرة لم تَستحوذ على اهتمام المؤثرات، فالقضايا التي تتّسم بالجديّة لا تحتلّ مكانةً في سُلّم أولوياتهنّ.

 

  • موضوع المحتوى:

 

جاءت موضوعات الغذاء في صدارة الموضوعات التي قدّمتها المؤثرات عيّنة الدراسة بنسبة 22.8%، وفي المرتبة الثانية جاءت الموضوعات التي تناولت الحياة الخاصة للمؤثرات بنسبة 17.2%، ثم الموضة والأزياء في المرتبة الثالثة بنسبة 10.4%، فالأدوات المنزلية في المرتبة الرابعة بنسبة 9%، ثم الوظائف في المرتبة الخامسة بنسبة 7.6%، ثم منتجات المكياج والعناية، والموادّ الترفيهية بنسبة 6.9% بالتساوي لكلٍّ منهما، ثم تقديم أكثر من منتج يَتبع أكثر من مجال في نفس الوقت بنسبة 6.2%، ويليها منتجات العبادات بنسبة 5.5%، ثم منتجات الصحة بنسبة 4%، فمجال السياحة والسفر بنسبة 3.5%.

وتكشف هذه النتائج تَصَدُّرَ الغذاء كأكثر المنتجات التي تم الإعلان عنها، خاصة أن السلع الغذائية لا يستغني عنها أيُّ فرد، وتشكل القسم الأكبر من السلوك الاستهلاكي، ولأن المؤثرات يُوَجِّهنَ قسماً كبيراً من محتواهن للنساء، فقد زادت نسبة سِلَع الموضة والأزياء والأدوات المنزلية لجذب النساء لمتابعة المحتوى وشراء السلع المُعلَنِ عنها، وبذلك اتضح التركيز على الجوانب التي يهتمّ بها الجمهور، وتماشياً مع ذلك فقد أعلنت بعض المؤثرات عن العديد من الوظائف التي تطلبها المؤسساتُ الحكومية والخاصة، كي يستفيد منها المتابعون ويستمرون في متابعة حساباتهن.

كما تكشف نتائج الدراسة وجود بعض المواد الاستعراضية المُستفزّة للمتابعين، والتي اشتملت على مظاهر بذخٍ وإسرافٍ وحياةٍ مُترفة مرفّهة، عكستها منازلُهنّ وسياراتهنّ وسفرياتهنّ سواءً داخل المملكة أو خارجها، والتي حرصت بعضُ المؤثرات على إظهارها، فضلاً عن الترويج للسياحة في عدد من الدول، مُعبّرات عن إعجابهنّ الشديد بهذه التجربة، دون الترويج للسياحة الداخلية، كما لاحظت الدراسة استخدام بعض المؤثرات أساليب منافية للقيم والاعتبارات الاجتماعية، لجذب المزيد من المتابعين.

وقد أظهرت نتائج الدراسة اتباع المؤثرات ثلاثة أساليب لتسويق السلع والمنتجات، تمثلت في:

  • الدعاية المباشرة: مثل قيام الشخصية المؤثرة بالدعاية لمنتج معيّن أو علامة تجاريةٍ ما، أو تناول الطعام في مطعم محدّد، أو قيامها بدور المشتري للمنتج، مع تقديم نصائحها للمتابعين بجدوى القيام بنفس التجربة، مُعدِّدةً فوائدَ وميزاتٍ مُبالغاً فيها للمُنتَج المُعلَنِ عنه.
  • الدعاية غير المباشرة: حيث اتبعت المؤثِّراتُ نوعاً آخر من الدعاية، يتمثل في عرض فيديو يتضمّن مجموعة من السنابات، يَتخلّله ظهورُ شعار علامةٍ تجارية وإبرازها بشكل مقصود، فعلى سبيل المثال قامت إحدى المؤثرات بنشر فيديو لطفلها وهو يلهو في أحد مراكز الترفيه الخاصة بالأطفال، وتحدّثت عن أن مثل هذه الأماكن تساعد صغيرَها على أن يُصبح شخصية اجتماعية، ودون ذِكر هذا المكان صراحة، قامت المؤثرة بتركيز الكاميرا على شعار هذا المركز الترفيهي.
  • الأسلوب الدرامي: حيث قامت بعض المؤثرات بعرض الإعلان في قالب درامي مشوّق، فقد قامت إحدى المؤثرات بإعداد سيناريو لفيديو إعلاني تتحدّث فيه عن دعوتها من قِبل صديقتها لتناول الغداء، إلا أنها تأخّرت كثيراً عن الموعد، ويتمّ تصوير الفيديو وهي في طريقها إلى المطعم، مروراً بوصولها إليه وحفاوة استقبال العاملين لها، مستعرضةً ديكورات المطعم، وينتهي الفيديو بجلوسِها إلى الطاولة المخصّصة لها، والتي شهدت صنوفاً مختلفة من الطعام، نالت إشادةَ وإعجابَ الشخصية المؤثرة.

 

  • هدف المحتوى:

 

جاء الهدف التسويقي والترويجي في صدارة أهداف المحتوى المقدّم من قِبل المؤثرات بنسبة 60%، تلاه في المرتبة الثانية هدف الحضور والانتشار الجماهيري بنسبة 26.2%، وهو المحتوى الذي لا يحمل مضموناً ذا قيمة أو فائدة، ولا يُمكن تفسيرُه إلا بمجرّد الرغبة بالنشر وتسجيل الحضور وتحقيق الانتشار بغض النظر عن المضمون، أما في المرتبة الثالثة فقد جاء الهدف التوعوي بنسبة 11%، وكان في أغلبه عبارة عن رسائل نصح وإرشاد، وتلاه في المرتبة الرابعة والأخيرة الهدف التربوي والتعليمي بنسبة 2.8%.

ويتّضح من ذلك أن الهدف الأول للمؤثرات تَمثّل في الترويج والتسويق بهدف الرِّبح، خاصة وأن معظم ما كُنَّ يُرَوِّجنَ له هو سِلَعٌ استهلاكية وليست خدمية، جاءت في مقدّمتها المطاعم ومحلات الملابس، ما يُؤشّر إلى أن المؤثرات يُعزّزن الثقافة الاستهلاكية وليس الإنتاجية.

كما قدّمت المؤثراتُ محتوىً فارغاً لا يتضمّن أيّ هدف واضح سوى تسجيل الحضور، ليحتلّ ثاني أولوياتهنّ في التفاعل مع المتابعين، ليس هذا فحسب، وإنما عرضن في بعض الأحيان محتوىً سلبياً يَتنافى مع عادات وتقاليد المجتمع السعودي، فتكرّر عرضُهنّ لفيديوهات تُظهِر شباباً غربياً يرقص في الشوارع، مع إبداء إعجابهنّ بهم.

أما بالنسبة للمضامين الهادفة، فَتَذَيَّلَتْ سُلّمَ أولوياتِ المؤثرات، وهو ما عكسته نِسَبُ التمثيل الضعيفة لكلٍّ من المحتوى التوعوي أو التعليمي في سناباتهنّ محلِّ الدراسة، الأمر الذي يُؤكد أن التثقيف والتعليم لا يُمثّل أولويةً في مضامين مؤثرات “سناب شات”، بل هما ضمن الأهداف الهامشية.

 

  • الجمهور المستهدف:

احتلّ “الجمهور المختلط” المرتبة الأولى في قائمة جمهور مؤثِّرات “سناب شات” بنسبة 64.8%، أما فئة “الإناث” فقد جاءت في المرتبة الثانية بنسبة 33.8%، تلتها في المرتبة الثالثة والأخيرة فئة “الذكور” بنسبة ضئيلة بلغت 1.4%.

ويمكن تفسير تَصَدُّر الجمهور العام من الجنسين لقائمة الجمهور المستهدف، بأن أغلبية المضامين كانت تتناول موضوعاتٍ تستحوذ على اهتمام الجنسين، مثل المطاعم والفنادق وإعلانات الوظائف، لكنّ المؤثراتِ عرضن في بعض الأحيان مضامين حصرية للإناث، مثل الموضة والأزياء والمكياج والعناية بالبشرة ووصفات الطبخ، أما الذكور فقلّت نِسبةُ عرض منتجاتهم، وهو أمر منطقي نظراً لأن المؤثرات عيّنة الدراسة من الإناث.

 

  • مصداقية المحتوى:

 

جاءت المضامين غيرُ الموثقة (أي الدعاية لمنتج غير معروف أو مرخّص أو مدعوم أو من مصدر موثوق) في صدارة أنواع المحتوى الذي قدّمته مؤثرات “سناب شات” عيّنة الدراسة بنسبة 46.9%، تلاها بفارق نسبي بسيط المحتوى الذي لا يحتاج توثيقاً بنسبة 40.7%، وتراجع المحتوى الموثّق ليحتل المرتبةَ الثالثة والأخيرة بنسبة ضئيلة بلغت 12.4% فقط.

وقليلاً ما اهتمّت المؤثرات بعرض محتوى موثق مدعوم، كإعلانات الوظائف التي تمّ عرض صور لها من الصحف السعودية، بينما كان الشكل الغالب على محتواهنّ هو المضامين غير المُوثّقة، وهو مؤشر مقلق، لكون المؤثرات يُروِّجن لمنتجاتٍ وسلع استهلاكية وخدمية، دون التأكد من مواصفاتها الصحية والقانونية، فضلاً عن عدم تخصّصهنّ، مما يُشكلّ تهديداً لصحة المواطنين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمواد الغذائية أو التجميلية أو الدعاية لشركات غير موثوقة، والترويج للوصفات الطبية كتلك المتعلقة بالتخسيس.

وكان من اللافت أن المؤثرات يَستخدمن بعض الكلمات والتوصيفات لتعويض عدم توثيقهنّ لما يُعْلِنّ عنه، فأغلبهنّ لجأن إلى “القَسَم والحلف” لتأكيد جودة المنتج، أو محاولة إقناع المتابعين بضرورة تجربته بمثل عبارة: “أنصحك تجربيه”، كما اعتمدن على تكرار إطلاق التسميات والمبالغة في وصف المنتج مثل “الساحر – الرائع”، وكانت من أكثر الكلمات المستخدمة في محتوى المؤثرات والتي يتمّ إضافتها مع كلّ وصف هي “مَرّة”، بمعنى جداً، وذلك لتأكيد المعنى.

أما بالنسبة للمضامين التي لا تحتاج إلى توثيق، فتمثّلت في المحتوى الذي تضمّن الحياةَ الخاصة بالشخصية المؤثّرة، وعلاقاتها بالمتابعين والأصدقاء والعائلة.

خاتمة..

أصبح تطبيقُ “سناب شات” مجرّدَ منصةٍ دعائية لمن يُطلق عليهم أو عليهنّ وصف “مؤثرين” أو “مؤثّرات”، وقد تغيّر هذا المصطلح من مجرّد سِمَةٍ أو وصفٍ إلى مصطلح وظيفي، بعدما تحوّل المؤثّرون والمؤثراتُ إلى مجرّدِ أدواتٍ دعائية تَستهدف الرِّبحَ وجَنْيَ الأموال بشكل لا يخلو من الانتهازية، باستغلال الشهرة والمتابعين الكُثُر، الذين أصبحوا هدفاً في حدِّ ذاته، يعمل المؤثرون والمؤثراتُ على زيادته باستمرار، لرفع قيمتهم وقيمتهنّ السُّوقية في مجال الدعاية والإعلان.

ومن واقع الدراسة التحليلية التي أجراها المركز، اتّضح الآتي:

– اتخاذ المؤثرات من “سناب شات” منصّةً ربحية تجارية، من خلال الاهتمام بالتسويق والترويج والدعاية للسِّلع والمنتجات بهدف تحقيق المكسب المادي.

– استحواذ المحتوى التافه وغيرِ الهادف على اهتمام مؤثِّرات تطبيق “سناب شات”، مع وجود نسبة ضئيلة من المحتوى الهادف، إلا أن ضآلة حجمه، مقارنةً بالمحتوى التافه والدعائي، جَعَلَه غيرَ مرئيّ وسطَ كمِّ السطحية.

– تعزيز النزعة الاستهلاكية لدى الجمهور، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر.

– استخدام المؤثرات لعناصر الجذب غير التقليدية للتأثير في المتابعين، من خلال إضفاء البُعد الدرامي على سناباتهنّ.

يَستدعي هذا الوضعُ قيامَ المؤسسات الأكاديمية والمهنية بدراسة ومراجعة توصيفِ وتعريفِ مَن نُطلِقُ عليهم أو عليهنّ وصف “مؤثّرين” أو “مؤثرات”، وما إذا كان هذا المُسمَّى ينطبق على مَن يُؤثِّر في الناس، بغضّ النظر عما إذا كان تأثيرُهُ سلبياً أم إيجابياً، أم يجب أن تَقتصر هذه المكانة على مَن يُقدِّم للمجتمع ما يَنفع من قِيمٍ بَنّاءة، ويعمل على تعزيزها؟

توصي الدراسة بـ:

– تفعيل القوانين المُنظِّمة لعمل المؤثرين والمؤثرات، خاصة وأنهم خرجوا من نطاق التواصل الشخصي إلى الاتصال الجماهيري، بَعدَ أن تُوبِعَتْ حساباتُهم بهذه الأرقام الكبيرة.

– تشديد الضوابط والقواعد التي تَحكُم أعمالَ المؤثرين والمؤثرات.

– تَحمِيلهم مسئوليةَ ما يُعلنون عنه ويُروِّجون له، بالشكل الذي يَضمن الحفاظَ على صحةِ وسلامةِ وأمنِ المواطنين.

زر الذهاب إلى الأعلى