على مدار قرن ونصف، حققت الصحافة النسائية في العالم العربي، وعبر مسيرة حافلة، العديد من النجاحات المذهلة، التي تمثل محطات هامة في تاريخ الصحافة العربية.
وتمكنت الصحافة النسائية العربية منذ نشأتها في سبعينيات القرن التاسع عشر، من تحقيق انتشارٍ واسع وتأثيرٍ كبير، بدأت شرارته في مصر، وانتقلت سريعاً إلى لبنان والشام والعراق، ثم بلاد المغرب العربي، ودول الخليج.
تمكنت الصحافة النسائية العربية منذ نشأتها في سبعينيات القرن التاسع عشر، من تحقيق انتشار واسع وتأثير كبير
ونجحت الصحافة النسائية في سنواتها الأولى في أن تعبّر التعبير الصادق عن قضايا المرأة وهمومها ومشاكلها، وأن تمثل منصة ومنبراً للدفاع عن حقوق المرأة العربية، وسجّلت في هذا الإطار تأثيراً واضحاً، كان له دور في تغيير الكثير من الواقع الذي كان يحيط بالمرأة في المجتمعات العربية.
وباتت أسماء الصحف والمجلات النسائية من قبيل “أسرتي” و “سيدتي” و “زهرة الخليج”، معروفةً ومشهورة في جميع الأوساط، وحققت انتشاراً واسعاً من المحيط إلى الخليج.
غير أن الصحافة النسائية المعاصرة، أصابها الكثير من الوهن، فتحولت من طرح ومعالجة هموم وقضايا المرأة، وخاصة مشكلات المرأة الفقيرة والمرأة العاملة والكادحة والمرأة في الريف، والمرأة المعيلة، إلى أن يكون جُلّ اهتمامها بقضايا خطوط الموضة وأدوات التجميل والمطبخ، وحينما انصرفت عن الناس، انصرفوا عنها بدورهم.
مفهوم الصحافة النسائية
تتشابك المصطلحات المتعلقة بـ “النسوية”، وخاصة ما يتعلق منها بالكتابات حولها، إذ تم استعمال مصطلح “النسوية” لأول مرة في مؤتمر النساء العالمي الأول، الذي عُقِد ببارس سنة 1892، وجرى الاتفاق على اعتبار أن النسوية هي الإيمان بالمرأة وتأييد حقوقها المختلفة.
أما فيما يتعلق بكتابات المرأة بما فيها الصحافة، فلم يتم الاستقرار على أي نوع من الكتابات يُطلق عليه “كتابات نسوية”، فأُطلِق على كتابات المرأة أحياناً “كتابات أنثوية” أو “كتابات نسائية”، أو “أدب المرأة”، وأصبح مصطلحُ كتابات المرأة مصطلحاً مثيراً للجدل.
ومن ثم لا يوجد تعريف مُحدَّد لصحافة المرأة، إلا أن هناك اتجاهاً يرى أن الصحافة النسائية هي أحد أشكال الصحافة المتخصصة، التي تحمل ملامح الصحفيات وميولهنّ، من الاهتمام بقضايا المرأة والأسرة والطفل، وكذلك الشعور بالهمّ النسوي بوساطة المنتج الصحفي النسائي، وبالتالي تعتبر الصحافة النسائية هو ما تكتبه المرأة عن هموم جِنْسِها.
الصحافة النسائية هي أحد أشكال الصحافة المتخصصة، التي تحمل ملامح الصحفيات وميولهنّ من الاهتمام بقضايا المرأة والأسرة والطفل
ويتكوّن مفهوم الصحافة النسوية من ركنين أساسيين:
الركن الأول: هو الصفحات المتعلقة بالمرأة في الجرائد اليومية والمجلات الدورية، وظهر هذا في الصحافة العربية مبكراً منذ سبعينيات القرن التاسع عشر.
الركن الثاني: ويضم في طياته الإصدارات المتخصّصة بشؤون المرأة، والتي يكون أغلبها مجلات سواء أكانت أسبوعية، شهرية أو فصلية، وظهر هذا النوع في الصحافة العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر.
فيما يتم تقسيم أنواع الصحافة النسوية إلى قسمين:
- الصحافة النسوية العامة:
وتعني النشاط الصحفي القائم على أساس إصدار الجرائد والمجلات الموجّهة إلى جمهور عام، يشمل قطاع النساء إلى جانب القطاعات الأخرى، وتجمع هذه الإصدارات ما بين المضمون النسوي المتخصّص المعالج لقضايا المرأة المختلفة العامة والخاصة.
– الصحافة النسوية المتخصصة:
وتعني النشاط الصحافي الذي يقوم على أساس إصدار الجرائد والمجلات التي توجّه إلى جمهور النساء فقط، وتحمل مضموناً نسوياً مُتجانِساً متخصصاً بقضايا المرأة.
وبالتالي يرتكز هذا النوع من الصحافة على ركنين أساسيين هما:
– المادة الصحافية المتخصصة، وهنا تكون متعلقة بالمرأة فقط.
– الجمهور المتخصّص من القرّاء، وهنّ النساء فقط.
الصحافة النسائية العربية: الميلاد والانتشار
عُرفت الصحافة في العالم العربي مع الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801)، التي أصدرت صحيفتي “كورييه دي ليجيبت”، و”لايكاد إيجيبسيان”، ومن بعدها بدأت الصحافة في الانتشار.
أما الصحافة النسائية العربية فقد ظهرت بوادرها منذ عام 1876، من خلال مجلة “المقتطف” ببيروت، حيث ساهمت فيها كاتبات أمثال مريانا مراش وسلمى طنوس وندى شاتيلا، وركّزن في كتاباتهن على الحداثة الأوروبية، إضافة إلى الفكر والأدب والثقافة.
ظهرت بوادر الصحافة النسائية العربية منذ عام 1876، من خلال مجلة “المقتطف” ببيروت
ثم حدثت الخطوة المحورية فيما بعد، عندما بدأت النساء في إنشاء الصحافة الخاصة بهن، وتفاوتت الدول العربية في بداية نشأة الصحف النسائية.
تصدّرت مدينة الإسكندرية المصرية لتكون مهد الصحافة النسائية العربية، حيث أصدرت الصحفية اللبنانية “هند نوفل” في نوفمبر 1892 أول مجلة مخصصة للمرأة، وأطلقت عليها اسم “الفتاة”.
وسار على هذا المنوال صحفيون وصحفيات في شتى أنحاء العالم العربي، أصدروا مجلات وجرائد نسوية خاصة، وكانت على الترتيب.
– في عام 1909 أصدر الصحفي اللبناني جرجي نقولا باز مجلة “الحسناء” وكانت الأولى من هذا النوع في بلاده.
– وفي 1910 كانت سوريا الدولة العربية الثالثة التي تدخلها صحافة المرأة على يد “ماري عبده عجمي” التي أصدرت مجلة “العروس” في العاصمة دمشق.
– ووصلت الفكرة إلى العراق التي تبنتها “بولينا حسون”، وأصدرت مجلة “ليلى”، وظهر العدد الأول منها في 5 أكتوبر 1923.
– وانتقلت تلك الظاهرة إلى تونس عام 1936، حيث ظهرت مجلة تحمل نفس الاسم السابق “ليلى”، لكنها كانت تصدر بالفرنسية، وأشرفت عليها أول طبيبة في تونس توحيدة بن الشيخ.
– وكانت السودان الدولة السادسة عربياً في دخول الصحافة النسائية إليها عام 1946، على يد أول صحفية سودانية “تكوى سركسيان” وهي ذات أصول أرمينية، وقامت في ذلك العام بإصدار مجلة “بنت الوادي”.
– وفي يونيو 1950 صدرت في الأردن مجلة “فتاة الغد” المتخصصة في الشأن النسوي.
– وبين عامي 1892 و1950 ظهرت نحو أربعين مجلة نسائية قامت المرأة بتأسيسها أو بتحريرها.
وتأخر ظهور صحافة المرأة في الخليج العربي وبقية دول المغرب العربي إلى ستينيات القرن الماضي.
– ففي ليبيا صدرت “مجلة المرأة” عام 1964.
– وكانت الكويت الدولة الخليجية الأولى التي تصدر فيها مجلة في هذا الشأن، وهي مجلة “أسرتي” التي صدر العدد الأول منها في 8 فبراير 1965.
– وفي يناير 1970 صدرت في الجزائر مجلة “الجزائرية” للشأن النسوي، وشهد شهر أكتوبر في العام نفسه ظهور مجلة “عائشة” بالمملكة المغربية.
– ثم كان العام 1983 بداية دخول موريتانيا في هذا النوع من الصحافة، حيث صدرت مجلة “مريم”.
– أما المملكة العربية السعودية فأصدرت فيها الشركة السعودية للأبحاث والنشر مجلة “سيدتي” عام 1981، والتي تعتبر مجلة المرأة العربية الأولى، وظهرت أيضاً عدد من المجلات النسائية مثل “رؤى” و”دنيا”.
أصدرت الشركة السعودية للأبحاث والنشر مجلة “سيدتي” عام 1981، والتي تعتبر مجلة المرأة العربية الأولى
قضايا الصحافة النسائية
عندما ظهرت الكتابات الصحفية النسوية، كانت منبراً لتعبِّر فيه المرأة عن هموم بنات جنسها، ومشاكل الوطن وتحريره، وأسهمت كاتبات رائدات في عملية تحرير المرأة، ومن ثم العمل على دمجها في مختلف قطاعات ومجالات المجتمع.
وكانت المجلات النسوية مُتنفَّساً للكاتبات للتعبير عن إرادتهن وقدراتهن، في خوض غمار المشاركة جنباً إلى جنب مع الرجل، ما أدى إلى مشاركتها في النضال ضد المستعمر، إلى أن نالت الدول العربية استقلالها.
وتشير التحليلات المتعلقة بصحافة المرأة، إلى أنها نبعت من عمق مشكلات المرأة العربية، طموحاتِها وحقوقها، حيث أنها لم تنشغل قديماً بمسألة الإعلانات والأرباح، ولم يكن جُلّ تركيزها على الموضة والأزياء والنجوم، إنما اتسمت بالأصالة والجدية واحترام مبادئ الدِّين والتقاليد والعادات المترسخة لدى المرأة العربية.
نبعت الصحافة النسائية من عمق مشكلات المرأة العربية، وعبّرت عن طموحاتها وطالبت بحقوقها
ولذلك فتحت صحافة المرأة آنذاك ذراعيها للمرأة الشاعرة والمهندسة والطبيبة والأديبة، من أجل التعبير عن الآراء المختلفة، واستطاعت تلك الصحافة أن تشارك في تكوين الرأي العام وإيصال صوت المرأة للمجتمع كافة.
والأدلة على ذلك كثيرة، فعلى سبيل المثال لا الحصر كتبت “هند نوفل” في افتتاحية العدد الأول من مجلتها” الفتاة” قائلة إنها “جريدة علمية تاريخية أدبية فكاهية مختصة في جنسها، مبتكرة تحت سماء الشرق بموضوعها، لا علاقة لها بالسياسة، ولا مَنزع فيها إلى المشاحنات الدينية، ولا غاية لها من البحث، في مواضيع لا فائدة منها للنساء، ولا مطمع لها في المناظرات، إلا ما كان في أدب هيفاء ومحاسن حسناء”.
وفي مقال نموذجي يعبّر عما وصلت إليه الصحافة النسائية في ذلك الوقت، كتبت ماري عجمي في العدد الأول من مجلة الثقافة السورية، الصادر بتاريخ 5 إبريل في العام 1933، وعنوانه “النهضة النسائية في سوريا ولبنان”، وكان مما قالته:
“منذ عشر سنوات ونيف أُنشِئت في سوريا ولبنان جمعياتٌ أدبية، وَضعت لنفسها أهدافاً واحدة متقاربة، تنبئ بأنها أعدَّت لنشر روح جديدة، في شتى مرافق الحياة الاجتماعية، عشر سنوات تنقضي بين تصفيقٍ للخطيبات وتهاليلَ للمؤتمرات ووصفٍ للمآدب التي تُقام لهن على صحائف الجرائد والمجلات، تهيب بنا إلى التساؤل وهو من حق كل مفكر..
أيه فائدة نتجت من كل هذه المساعي والمجتمعات؟ وإلى أي درجة قدرت هذه الجمعيات أن ترفع مستوى المرأة الأدبي؟ وكم هو مقدار ما أحدثت من الإصلاح الاجتماعي؟ وكم من مئات القرارات التي انتهت إليها هذه المؤتمرات وُضِعَ مَوضِعَ العمل والتنفيذ؟ وما هي العوامل التي سببت وقوفَ الجماعات النسائية عند حَدِّ ترديد الأقوال التي لا يتجاوزنها، إلى العمل بما يرتفع من صرخاتهن، في الدعوة إلى الاشتراك مع الرجال في حَلّ المشاكل الاجتماعية والوطنية، وتعميم الثقافة بواسطة المحاضرات في الكتب، وإلى قلب العادات والتقاليد، وإلى تأييد الصناعة الوطنية، وإلى المطالبة بجعل التعليم الابتدائي للبنات إجبارياً واستبدال ما وُضع من الشرائع والقوانين التي أشارت الدلائل إلى وجوب تغييرها أو تعديلها، مما للمرأة به علاقة كلية أو جزئية؟”.
تراجع الصحافة النسائية المعاصرة
تراجعت الصحافة النسائية في العديد من الدول العربية تراجعاً كبيراً، نتيجة عدد من المتغيّرات السياسية والاجتماعية، فبالإضافة إلى الثورة الرقمية التي انتشرت كالنار في الهشيم، حيث أُفرغت الصحافة النسائية من محتواها الحقيقي، وأصبحت تختزل اهتمامات المرأة في المطبخ والتجميل والرشاقة والموضة، ما أدى لظلم المرأة العربية، التي أثبتت قدراتها في مختلف المجالات.
تراجعت الصحافة النسائية في العديد من الدول العربية تراجعاً كبيراً، نتيجة عدد من المتغيرات السياسية والاجتماعية
وبالتالي دخلت قيم لا تمت لواقع المرأة العربية بصلة، حيث تَفنَّنت المجلات والصحف النسائية في عرض مواد التجميل والطبخ والأزياء والموضة والكماليات والأثاث وتقنيات الرشاقة، وأخبار النجوم والأغاني والأفلام وقصص الحب، وليس هناك أكثر من المجلات والبرامج المختلفة التي تجعل من ذلك محورها الرئيس، وبالطبع هذا لا يمكن تجاهله في شأن المرأة، لكن المشكلة تكمن في أنه أصبح يمثل المحتوى الكامل للمنتج الصحفي النسوي، ما أدى بطبيعة الحال إلى إهمال المواضيع الحساسة والرئيسة التي تشغل المرأة وواقعها واهتماماتها وهمومها ومشاكلها.
تفنّنت المجلات والصحف النسائية اليوم في عرض مواد التجميل والطبخ والأزياء والموضة والكماليات والأثاث، وتقنيات الرشاقة وأخبار النجوم والأغاني والأفلام وقصص الحب
وبتحليل مضمون الصحافة النسائية الموجود حالياً، يظهر اللَّبس الواضح في اختلاط الرؤية العربية للمرأة، إذ يتم إبراز صورة المرأة المرفّهة والأنيقة، وفي ناحية أخرى فإن الواقع الاجتماعي للمرأة العربية متراجع بشكل واضح للعيان، وتتوجّه مجلات المرأة إلى فئة معيّنة من النساء، وتتجاهل فئاتٍ أخرى، بالإضافة إلى اتسام المضمون بالتقليدية الشديدة.
فالمرأة العربية في الوقت الحالي لا تحتاج لأن تعرف من هو مصمم ملابس فنانة معينة، ولا بنوعية مساحيق التجميل التي تضعها مقدماتُ البرامج، إنما تحتاج لمناقشة الأمور الحياتية التي تمسّ حياتها اليومية، وواقعها الذي تناضل لتحسينه، لإثبات وجودها ولأن تصبح عضواً مساهماً في المجتمع.
مشكلات الصحافة النسائية
لم يأت تراجع الصحافة عموماً في البلاد العربية بين ليلة وضحاها، بل تولّد نتيجة عددٍ متراكم من المشكلات، فرغم الفروق الموجودة من دولة إلى أخرى، ساهمت عوامل إضافية في هذا التراجع للصحافة النسائية بوجه خاص عما كانت عليه من قبل، من ريادة وقدرة على تشكيل الرأي العام.
فتحولت صحافة المرأة تحوّلاً جذرياً عما كانت عليه عند نشأتها في سبعينيات القرن قبل الماضي، فمن يتتبّع إصدارات المجلات النسائية في العالم العربي، يجد أنه رغم جودة الطباعة والألوان، إلا أن المضمون التثقيفي يكاد يكون منعدماً تماماً، في ظلّ طغيان صفحات الموضة والموادّ التي تتطلبها العملية الاستهلاكية السائدة لدى المرأة في الآونة الأخيرة.
تحوّلت صحافة المرأة تحولاً جذرياً عما كانت عليه عند نشأتها في سبعينيات القرن قبل الماضي
وتشير الأدبيات المتخصصة في الصحافة النسائية، إلى أن عجزها عن القيام بدورها جاء للأسباب التالية:
– تبعية الإعلام لما يطلبه المُموّلون، والبحث عن التربّح، بالإضافة إلى قلة التمويل.
– القائمون على إدارة وتحرير الإصدارات الخاصة بالمرأة من الرجال، وهناك بعض الإحصائيات تشير إلى أن نسبة النساء في المجال الصحفي تبلغ 25% فقط.
– المحتوى النسائي المقدّم يتعامل مع شريحة خاصة في المجتمع، وهي الطبقة صاحبة الإمكانات المادية العالية.
– التركيز على عملية الترجمة من الصحف والمجلات الأجنبية، فبالتالي لا توجد قيمة مضافة.
– تراجع المرأة العربية عن ممارسة العمل الصحفي باحترافية.
– الاهتمام بالجانب العاطفي والعلاقة بين المرأة والرجل، مع تغافل القضايا ذات الأبعاد الإنسانية والاجتماعية.
– انحسار المضمون السياسي الجادّ، والرسائل التوعوية، فصار من النادر تناول حقوق المرأة حتى في الإصدارات المخصّصة لها.
– ضعف المادة التحريرية، وابتعادها عن الواقعية، واستعيض عن ذلك بالصور الملوّنة والأغلفة الجذابة، لتغطية المحتوى الضعيف.
المحتوى المقدّم في الصحافة النسائية يتعامل مع شريحة خاصة في المجتمع، وهي الطبقة صاحبة الإمكانات المادية العالية
وسائل النهضة بالصحافة النسائية
إلا أن المشكلات التي تواجه الصحافة النسائية في البلاد العربية، وخاصة ضعف المحتوى، ليست عصية على الحل، وتكمن حلولها في السير على خطى موضوعية محدّدة، تتمثل في:
– الالتزام بالمنهجية العلمية في المحتويات المقدّمة.
– إقامة توازن بين الموضوعات وتنويعها، بحيث تشمل جميع اهتمامات فئات النساء المختلفة.
– جذب انتباه النساء بالأسلوب المُحَبَّب لهنّ.
فالصحافة النسائية منذ بدايتها قدّمت نماذج رائعة في توعية المرأة بمفاهيم ذلك الوقت، خاصة حول قضايا تحرير الأوطان وتعليم المرأة ومنحها حقوقها الشرعية والقانونية، من خلال إطار لا يخرج عن العادات والتقاليد العربية الأصيلة، وهذا التراجع في مضمون المحتوى الصحفي النسوي المقدّم، يمكن تطويره.
من أجل استعادة نجاح الصحافة النسائية، يجب إقامة توازن بين الموضوعات وتنويعها، بحيث تشمل جميع اهتمامات فئات النساء المختلفة
وقد قدمت الأدبيات المتعلقة بصحافة المرأة، عدداً من التوصيات الخاصة لِصُنّاع القرار في المجال الصحفي، من أجل استعادة الدور النسائي فيها، من أبرزها:
– صنع آليات تربط بين العاملين في مجال الإعلام الموجّه نحو النساء، والمختصّين في مجالات العلوم الاجتماعية وخاصة علوم الإعلام والاتصال.
– تمكين المرأة من الوصول إلى المراكز الصحفية القيادية.
– تقديم دعم لمبادرات الجمعيات النسائية، وخاصة في مجال زيادة الوعي بأهمية المرأة الصحفية.
– زيادة تقديم الدعم المادي والمعنوي للصحف والمجلات النسائية الجادة.
– فتح آفاق جديدة للتدريب والتكوين أمام المرأة الصحفية لتعزيز قدراتها.
– القيام بدراسة الوضع الحالي لصحافة المرأة وتقويمه للنهوض به.
– تحديد الأهداف الاستراتيجية التي تريد الصحافة خدمتها.
وفي النهاية يمكن القول إن معاناة الصحافة النسائية في الوطن العربي، جزء لا ينفصل عن معاناة الصحافة العربية في تلك الحقبة، التي شهدت تحوّلات سريعة نحو العالم الرقمي، غير أن أزمة صحافة المرأة أعمق بكثير، في ظلّ تراجع المضمون الذي تُقدِّمه، وانحسار جمهورها إلى فئات محددة، وما تعانيه من عجز مالي رهيب، حَوَّل مُعظمَها في النهاية إلى ما يشبه صحافة الإعلانات عن خطوط الموضة وأدوات التجميل والمشكلات العاطفية وشؤون المطبخ، فيما انزوت قضايا وهموم المرأة الحقيقية، ومشكلات النساء في الطبقات المتوسطة والكادحة، لتصبح الصحافة النسائية بعيدةً كلَّ البُعد عن التعبير عن أحلام وقضايا المرأة العربية.
ولا يمكن للصحافة النسائية أن تستعيد نهضتها ومكانتها في العالم العربي، إلا بعودتها للمضامين العميقة والمتنوّعة والمعبّرة عن هموم وقضايا كافة النساء بمختلف فئاتهن، وأن تنزل من البرج العاجي لتقدّم قصصاً إنسانية وتحقيقات استقصائية، تعمل على رصد وتحليل المشكلات النسائية الواقعية، وتُسهم في تمكين المرأة واستعادة حقوقها المهضومة، مع مراعاة التطوّرات الرهيبة في التكنولوجيا الرقمية، وشبكات التواصل الاجتماعي.