أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي قنوات أساسية في التواصل والإعلام ومصدرًا للمعلومات، حيث يعتمد عليها الأفراد في بناء الأفكار والتصورات تجاه القضايا والموضوعات التي لها تأثيرات حيوية ومهمة في واقعنا الحالي، لا سيما وأن أغلب الدراسات الحديثة تشير إلى التأثيرات السلبية لانخفاض مصداقية قنوات الإعلام التقليدية كالتلفزيون والراديو والجرائد الورقية، ويظهر ذلك في انخفاض نسب المشاهدة أو الاستماع إلى الراديو أو انخفاض نسب توزيع الجرائد الورقية، بل وغلق بعض الصحف الكبرى في بعض الأحيان أو الاكتفاء بموقع الجريدة الإلكتروني في حين آخر، واتجاه المعلنين إلى السوق الإلكترونية لعرض منتجاتهم.
وقد تزامن الانخفاض التدريجي المتزايد في درجات مصداقية وسائل الإعلام التقليدية لدى الجمهور مع صعود تيار بحثي يفيد بارتفاع حذر لمقياس مصداقية وسائل التواصل الاجتماعي بتنوعه كناقل للخبر أو المعلومة بالنسبة للجمهور.
وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العلمية لبحوث الإذاعة والتلفزيون في عددها الصادر في يناير/ مارس 2025، دراسة بعنوان “الأخبار المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي في عصر الرقمنة” من إعداد دينا عصمت، باحثة الدكتوراه بكلية الإعلام جامعة القاهرة، نستعرضها على النحو التالي:
- محو الأمية الإعلامية
كان هناك الكثير من النقاش والجدل على مدى عقود حول ما يشكله بالضبط مصطلح “محو الأمية الإعلامية” على الرغم من وجود اتفاق عام على أنه “القدرة على الوصول إلى الرسائل وتحليلها وتقييمها وإنشائها عبر مجموعة متنوعة من السياقات”، ولكن مع انتشار تكنولوجيا الاتصالات الرقمية التي ولدتها الإنترنت أدى ذلك إلى تطوير مصطلح محو الأمية الإعلامية فأصبح أكثر تحديدًا عن محو الأمية الرقمية، مثل محو الأمية على منصات التواصل الاجتماعي، وبالتالي هناك جوانب مختلفة لمحو الأمية الإعلامية كل منها يؤكد على النتائج المعيارية المختلفة والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بكفاءة الأفراد، لأن النظريات المعيارية للديمقراطيات تهيئ مواطنين مُطلعين لديهم المعرفة والدافع للمشاركة في الحياة السياسية والمدنية.
ويستند ذلك إلى بيئة معلومات إخبارية تعطي المواطنين الحقائق التي تؤثر على حياتهم اليومية، والتي أصبح من الصعب الحفاظ عليها، حيث أدى التحول من منطق “وسائل الإعلام التقليدي” إلى “وسائل الإعلام الشبكي” الذي تسهله وسائل التواصل الاجتماعي” إلى تغيير ديناميكيات إنتاج الأخبار وتوزيعها واستهلاكها.
فالأفراد بات يمكنهم إنتاج المحتوى ومشاركته بتكلفة أقل وبسرعة وباهتمام أقل بالمعايير المهنية والقيم والأخلاق الصحفية. بالإضافة إلى أن الكم الهائل من المعلومات التي يتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعني أنه أصبح من الصعب على المواطنين تمييز الجودة النسبية وصحة الأخبار التي يواجهونها، لذلك فإن فهم أهمية التحقق من محتوى الأخبار وتطبيقاته أمر أساسي في عصرنا اليوم ليس فقط كصناع محتوى لكن كمستخدمين لشبكة الإنترنت بما فيها من شبكات المعلوماتية وشبكات التواصل الاجتماعي.
وعلى هذا النحو، قدمت الدراسة تصورا لمفهوم “الأخبار الزائفة أو المضللة – Fake News” بأنه المحتوى الكاذب أو غير الصحيح بشكل كامل أو جزئي، بقصد أو بغير قصد، سواء كان خبرا أو صورة أو مقطع فيديو، وكأنها حقيقية أو صحيحة، وبشكل يحاكي الأخبار الرسمية والمشروعة.
ونوهت بأنه يتم الترويج لهذه الأخبار من قبل أفراد أو مؤسسات أو دول معادية، وذلك عبر نشرها وتوزيعها عبر وسائل الإعلام المختلفة وشبكة الإنترنت لتحقيق انتشارها على نطاق واسع من أجل خلق وعي زائف لدى الجمهور المستهدف تجاه قضايا بعينها، للترويج للأيديولوجيات المستهدفة، وتحقيق الارتباك وخلق حالة من السخط والاستقطاب، والأهداف السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، ويتم استخدام اللجان الإلكترونية والحسابات المزيفة وروبوتات الأخبار من خلال شبكة من المواقع المزيفة لممارسة عمليات التضليل والتمويه.
- نتائج الدراسة
أظهرت نتائج الدراسة أنه قد ثبت من خلال الدراسات السابقة أن كون الشخص جزءًا من مجموعة شبكة اجتماعية يُعزز من احترام الذات، ويوفر الهوية الاجتماعية، بالإضافة إلى زيادة الشعور بالانتماء وهو أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الأشخاص يسعون جاهدين لمشاركة المعلومات.
كما يعتمد الناس بشكل متزايد على شبكات التواصل الاجتماعي للتعبير عن أنفسهم، حيث يتضمن التعبير عن مشاعر المرء أو أفكاره، بالإضافة إلى أن الإتاحة التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي وتسمح للناس بالتعبير عن آرائهم بحرية يمكن أن تدفع الكثيرين إلى مشاركة معلومات بشكل متزايد، ومع ذلك فإن الخطر في المشاركة الفورية للأخبار هو أنه قد يؤدي عن غير قصد إلى نشر أخبار مزيفة.
كذلك يشار إلى افتقار المستخدمين إلى التفكير الواعي والانتباه أثناء تصفحهم لوسائل التواصل الاجتماعي على أنه نقص في اليقظة الذهنية الذي قد يؤدي بدوره إلى الإهمال أو التقليل في الرغبة في عمليات التحقق من الأخبار أو من التفاصيل من خلال مصادر موثوقة عند مشاركة المعلومات.
وأشارت نتائج الدراسة إلى أن هناك ارتباطًا بين اليقظة وعمليات التحقق من الأخبار التي بدورها تقلل من مشاركة وتداول المعلومات الخاطئة حيث إن تدخلات اليقظة أو الوعي والانتباه أثناء مشاركة المعلومات على مواقع الشبكات الاجتماعية ذات صلة بمكافحة الأخبار المُضللة عليها، حيث إن التنظيم الذاتي الضعيف المرتبط بنقص اليقظة أو نقص التركيز يتنبأ بسلوك مشاركة الأخبار المضللة.
- توصيات الدراسة
في ضوء الانفتاح التكنولوجي والتحول الرقمي السريع الذي يشهده العالم وقلة الضوابط على المحتوى الذي يبث في الفضاء الرقمي، أوصت الدراسة بالسعي المستمر نحو وضع ضوابط ومعايير قانونية وأخلاقية لضبط أداء الممارسة الإعلامية من قبل المؤسسات الإعلامية والصحفيين دون المساس بحرية الرأي والتعبير وإتاحة المعلومات.
كما أكدت ضرورة تعليم وتدريب الجمهور المتلقي والمشارك على الشبكات الرقمية في دراسات لمحو الأمية الرقمية والتربية الإعلامية وتنمية مهارات التفكير النقدي لديهم، لسد الفجوة الرقمية وتقليلها محليًا وعالميًا باعتبارها أداة فاعلة للتصدي لظاهرة الأخبار الزائفة أو المفبركة أو المُضللة.