في الوقت الذي تم فيه الكشف بالفعل عن ملايين الوثائق المتعلقة باغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي بالرصاص في مدينة دالاس بولاية تكساس عام 1963، عادت تلك القضية إلى صدارة الأحداث من جديد بعدما وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على “أمر تنفيذي- Executive order” يقضي بالإفراج عن آلاف الوثائق التي لا تزال سرية، وذلك ضمن سلسلة من القرارات التي اتخذها في الأسبوع الأول من ولايته الرئاسية الثانية.
ويعد اغتيال جون كينيدي من أبرز الاغتيالات السياسية في تاريخ الولايات المتحدة وأكثرها غموضًا وإثارة لنظريات المؤامرة حتى الآن، ففي حين ألقت السلطات القبض على جندي مشاة البحرية الأمريكية السابق، لي هارفي أوزوالد الذي قالت إنه القاتل، إلا أن أوزوالد قُتل بالرصاص وهو في قبضة الشرطة بعد يومين من حادث الاغتيال.
وبحسب العديد من الأشخاص الذين درسوا ما تم الكشف عنه حتى الآن، فإن الجمهور لا ينبغي أن يتوقع أي كشف مذهل من الوثائق المرتقب الإفراج عنها، لكن لا يزال هناك اهتمام شديد بالتفاصيل المتعلقة بالاغتيال والأحداث المحيطة به.
- المعلومات المتاحة عن اغتيال جون كينيدي
قدمت بعض الوثائق التي تم الكشف عنها بالفعل خلال السنوات الماضية تفاصيل عن الطريقة التي عملت بها أجهزة المخابرات الأمريكية في ذلك الوقت، بما في ذلك برقيات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي.آي.إيه” ووثائق تناقش زيارات أوزوالد إلى السفارتين السوفيتية والكوبية خلال رحلة إلى مدينة مكسيكو قبل أسابيع فقط من عملية الاغتيال.
وكان أوزوالد قد انشق وسافر إلى الاتحاد السوفيتي السابق قبل أن يعود إلى تكساس، وقد وصفت إحدى وثائق وكالة المخابرات المركزية كيف اتصل أوزوالد بالسفارة السوفيتية أثناء وجوده في مكسيكو لطلب تأشيرة لزيارة الاتحاد السوفيتي. كما زار السفارة الكوبية، مهتمًا على ما يبدو بتأشيرة سفر تسمح له بزيارة كوبا والانتظار هناك للحصول على تأشيرة سوفيتية.
وفي الثالث من أكتوبر عام 1963 قبل أكثر من شهر على حادث الاغتيال، عاد أوزوالد إلى الولايات المتحدة عبر نقطة عبور على حدود ولاية تكساس.
كما تفيد مذكرة أخرى مؤرخة في اليوم التالي لاغتيال كينيدي، بأنه وفقًا لمكالمة هاتفية تم اعتراضها في مدينة مكسيكو، تواصل أوزوالد مع ضابط في المخابرات السوفيتية أثناء وجوده في السفارة السوفيتية في سبتمبر عام 1963. ويؤكد الباحثون أن تلك الوثائق ساهمت أيضًا في فهم تلك الفترة الزمنية خلال الحرب الباردة.
- رحلة الإفراج عن الوثائق
ينص الأمر التنفيذي على أن ترامب قرر أن الاستمرار في حجب المعلومات من السجلات المتعلقة باغتيال الرئيس جون كينيدي لا يتفق مع المصلحة العامة. وكان الكونجرس الأمريكي قد أقر قانونًا في عام 1992، يقضي بالإفراج عن جميع الوثائق المتعلقة بالتحقيق في الحادث في غضون 25 عامًا، ما لم تكن الجوانب السلبية لنشرها تطغى على المصلحة العامة، أو كان هناك تهديد للأمن القومي أو إنفاذ القانون أو الشؤون الخارجية.
وبذلك كان من المطلوب الإفراج عن مجموعة تضم أكثر من 5 ملايين وثيقة بحلول عام 2017، فيما عدا أي ملفات يستثنيها الرئيس الأمريكي. وقد تعهد ترامب خلال ولايته الأولى (2017-2021) بالإفراج عن الوثائق، لكنه استجاب في النهاية لمناشدات من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي.آي.إيه” ومكتب التحقيقات الفيدرالي “إف.بي.آي” للإبقاء على سرية بعض الوثائق.
وبينما استمر الإفراج عن الوثائق – 13 ألف وثيقة- في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، لكن آلاف الوثائق لا تزال سرية جزئيًا أو كليًا.
وفي مستهل ولايته الرئاسية الثانية، أمر ترامب مدير المخابرات الوطنية والمدعي العام بوضع خطة خلال 15 يومًا للإفراج وثائق قضية اغتيال جون كينيدي.
وحول قيمة تلك الوثائق، يقول لاري جيه ساباتو، مدير مركز جامعة فرجينيا للسياسة ومؤلف كتاب “نصف قرن كينيدي”، إن “هناك احتمالاً أن يتسلل شيء ما من شأنه أن يكون بمثابة قمة صغيرة من جبل جليدي أكبر بكثير من شأنه أن يكشف الكثير، وهذا ما يبحث عنه الباحثون الآن”.
- تباين في موقف عائلة كينيدي
وتجدر الإشارة إلى أن أمر ترامب لم يتعلق فقط برفع السرية عن السجلات الفيدرالية المتبقية المتعلقة باغتيال الرئيس جون كينيدي بل أيضًا اغتيال كل من السيناتور روبرت ف. كينيدي شقيق جون كينيدي والقس مارتن لوثر كينج عام 1968، مع وضع خطة في غضون 45 يومًا للإفراج عن الوثائق المتعلقة بهاتين القضيتين.
وقد تباينت ردود الفعل داخل عائلة كينيدي حول تلك الخطوة، حيث وجه روبرت ف. كينيدي جونيور، المرشح لمنصب وزير الصحة، الشكر لترامب على قراره، قائلا في منشور على منصة “إكس” إنه غير مقتنع بأن مسلحًا منفردًا كان المسؤول الوحيد عن اغتيال عمه.
وكان من اللافت بعد توقيع الأمر التنفيذي، تسليم ترامب القلم إلى أحد المساعدين وأمر بتسليمه إلى روبرت كينيدي، بحسب وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية.
في المقابل، عد جاك شلوسبرج حفيد جون كينيدي أن الأمر التنفيذي للرئيس ترامب، “لا يوجد فيه شيء بطولي”. وقال شلوسبرج في منشور على منصة “إكس”: إن “رفع السرية يعني استخدام جون كينيدي للدعاية السياسية”، وفقًا لشبكة “سكاي نيوز” البريطانية.
وختامًا، يمكن اعتبار قرار ترامب بالإفراج عن تلك الوثائق السرية بأنه يأتي ضمن استراتيجيته في التعامل مع ما سماها مرارًا وتكرارًا بـ”الدولة العميقة” في الولايات المتحدة، التي تتركز بالأساس وفقًا لنظرته في مجتمع الاستخبارات الأمريكية ووزارة العدل، كما أن هذا الأمر التنفيذي يعكس التزام ترامب بسرعة تنفيذ وعوده الانتخابية، ويعزز من صورة القيادة الجريئة التي طالما صدرها عن نفسه للشعب الأمريكي والمجتمع الدولي على حد سواء.