اختارت دار نشر جامعة أكسفورد البريطانية العريقة عبارة “تعفن الدماغ- Brain Rot” لتصبح كلمة العام في عام 2024، مع زيادة معدل استخدامها بنسبة 230% عن عام 2023، وهي مصطلح يلتقط المخاوف بشأن تأثير استهلاك كميات مفرطة من المحتوى منخفض الجودة عبر الإنترنت وبخاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي هذا الإطار، نستعرض التقرير التالي الذي نشرته “مؤسسة نيوبورت- Newport Institute” المتخصصة في الصحة النفسية، حول كيفية تجنب تعفن الدماغ، وذلك على النحو التالي:
- ما هو تعفن الدماغ؟
تعفن الدماغ، هو حالة من الضبابية العقلية والتدهور المعرفي الناتج عن الإفراط في استخدام الشاشة. وفي حين أنه ليس حالة معترف بها طبيًا، لكنه ظاهرة حقيقية فعندما نقضي ساعات في التصفح والتمرير، فإننا نستهلك كميات هائلة من البيانات التي لا معنى لها، والأخبار السلبية، والصور المعدلة بشكل مثالي للأصدقاء والمشاهير والتي تجعلنا نشعر بالنقص.
كما أن محاولة استيعاب كميات هائلة من المحتوى والتعامل معها تخلق إرهاقًا عقليًا. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض الدافع والتركيز والإنتاجية والطاقة بمرور الوقت، وخاصة بين الشباب.
- أسباب تعفن الدماغ
يحدث تعفن الدماغ نتيجة الاستخدام المفرط للتكنولوجيا. وقد يعني ذلك مشاهدة مقاطع الفيديو على يوتيوب، أو التمرير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو التبديل بين علامات تبويب مختلفة في المتصفح، علاوة على ذلك، قد تتصفح الإنترنت، وترسل الرسائل النصية، وتتحقق من بريدك الإلكتروني في نفس الوقت. والنتيجة النهائية: أنك تحفز دماغك بشكل مفرط.
وعندما تغمر نفسك رقميًا بالكثير من المعلومات، فأنت معرض لخطر تعفن الدماغ، حيث يؤدي التمرير عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى زيادة الدوبامين الكيميائي العصبي، والذي ينتج مشاعر الرضا والمتعة، وبالتالي يربط دماغك التمرير بشعور بالرضا، حتى عندما تكون على دراية بعواقبه السلبية، وبهذه الطريقة، يمكن أن يصبح التمرير إدمانًا سلوكيًا.
- سلوكيات تؤدي إلى تعفن الدماغ
يأتي تعفن الدماغ بأشكال مختلفة، بما في ذلك:
- ألعاب الفيديو: في حين أنه من الممكن ممارسة الألعاب دون الإدمان، فإن بعض اللاعبين يلعبون بشكل قهري ويصابون باضطراب الألعاب. ويصبحون مفتونين بعوالم ألعاب الفيديو البديلة والشخصيات الخيالية والحبكات المعقدة لدرجة أنهم قد يجدون صعوبة في العمل في مجالات أخرى من الحياة.
- “التمرير الزومبي- Zombie scrolling”: يشير إلى التمرير المعتاد بلا هدف في الاعتبار أو بدون فائدة مستمدة. وفي حالة التمرير الزومبي، تحدق في هاتفك الذكي بلا هدف وأنت تتصفح المحتوى.
- “التصفح السلبي-“Doomscrolling: يتضمن البحث عن معلومات مزعجة وأخبار سلبية. ويشعر ممارسو هذا النمط من التصفح برغبة شديدة في مواكبة أحدث المعلومات، حتى عندما تكون مزعجة.
- إدمان وسائل التواصل الاجتماعي: يشير إلى الحاجة المستمرة لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي والشعور بالقلق عند محاولة التخلص من هذه العادة. فعلى سبيل المثال لا يستطيع المستخدمون التوقف عن تصفح من منصات مثل يوتيوب وإنستغرام وتيك توك.
ويمكن للإشعارات المستمرة والألوان الزاهية والأصوات المحفزة أن تبهرهم حرفيًا، مما يجعلهم يتوقفون عن التفكير بوضوح.
- كيف يؤثر تعفن الدماغ على الصحة النفسية والعاطفية للشباب
ظاهريًا، قد يبدو قضاء الكثير من الوقت على هاتفك الذكي أو أمام جهاز كمبيوتر أمرًا غير ضار، ومع ذلك، على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي تعفن الدماغ إلى الإضرار برفاهيتك، حيث تؤثر الأنشطة مثل تصفح الأخبار السلبية على نظام المكافأة في الدماغ، وذلك لأن البشر يميلون إلى إعطاء الأولوية للمعلومات السلبية وتذكرها أكثر من الإيجابية، لذلك فإن الوصول إلى خبر مؤلم آخر يدفع إلى البحث عن معلومات أكثر إحباطًا.
ويمكن أن يؤدي تصفح الأخبار السلبية إلى تقليل حساسية الناس للمحفزات السلبية، مما يجعل من الصعب عليهم تجربة مشاعر إيجابية أو الحصول على المتعة بطرق أخرى. وقد أظهرت دراسة نشرتها “الجمعية الدولية لدراسات جودة الحياة- The International Society for Quality-of-Life Studies” أن تصفح الأخبار السلبية قد يؤدي إلى مستويات أعلى من الضيق النفسي. ووجدت دراسة أخرى نشرتها مجلة “الاتصالات الصحية- Health Communication” أن الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من استهلاك الأخبار السلبية تكون صحتهم النفسية والبدنية أضعف.
أما عن تأثير سلوك تعفن الدماغ على إدراك الشباب، فقد أظهرت الأبحاث أن الإنترنت يمكن أن يُحدث تغييرات حادة ومستمرة في الإدراك المتعلق بالانتباه والذاكرة، والتي قد تنعكس في تغييرات في المادة الرمادية في الدماغ (مادة مسؤولة عن تنظيم الإدراك والعمليات الذهنية).
ويمكن أن يكون للتمرير المتكرر تأثير سلبي على القدرات العقلية للأفراد من خلال تعطيل قدرة الدماغ على تشفير المعلومات والاحتفاظ بها. كما يمكن أن يؤدي التحفيز المفرط المستمر إلى انخفاض مدى الانتباه. على سبيل المثال، وفقًا لدراسة أجريت على 1051 شابًا بالغًا تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عامًا، فإن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي له ارتباط سلبي كبير بمهارات الأداء التنفيذي مثل التخطيط والتنظيم وحل المشكلات واتخاذ القرار والذاكرة العاملة.
بالإضافة إلى ذلك فإن سلوكيات تعفن الدماغ تؤثر على مفهوم الذات لدى الشباب، فمع تزايد عدد التفاعلات الاجتماعية التي تحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح العالم الإلكتروني بمثابة عالم اجتماعي خاص به، وخاصة بالنسبة للشباب، فعدد الأصدقاء أو المتابعين أو الإعجابات التي لديك مرئية للجميع، مما يجعل من السهل الوقوع فريسة لفخ المقارنة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المنشورات التي تتفاخر بنجاحات مهنية، وعطلات غريبة، وعلاقات سعيدة، وأجسام مثالية (يتم التلاعب بها رقميًا في كثير من الأحيان) يمكن أن تؤدي إلى الحديث السلبي عن الذات. ويصبح الدماغ مشوشًا للغاية بسبب الإفراط المستمر في التحفيز لدرجة أنه يكافح لتمييز الحقيقة من الخيال. وقد يحدث تدن لتقدير الذات، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات التوتر والقلق والاكتئاب.
- كيفية منع تعفن الدماغ
يتطلب منع تعفن الدماغ استهلاك منصات التواصل بشكل هادف، فمن المرجح أن تتحسن صحتك النفسية ورفاهيتك العاطفية عندما تتحكم في تفاعلك مع الشاشة، ومن أفضل الاستراتيجيات لتحقيق ذلك ما يلي:
- ضع حدودا لوقت الشاشة: ابدأ بتتبع مقدار الوقت الذي تقضيه في التصفح والتمرير عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهدة مقاطع الفيديو والألعاب.
وقد تصاب بالصدمة عندما تكتشف مقدار الوقت الذي تستهلكه في الأنشطة الرقمية، بعد ذلك، ضع حدودًا حول عدد الساعات التي تجلس فيها أمام الشاشات كل يوم، واحذف التطبيقات المشتتة للانتباه من هاتفك، وكذلك أوقف تشغيل الإشعارات الخاصة بالأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، ولا تستهلك المحتوى قبل النوم مباشرة.
- نظم خلاصتك على منصات التواصل الاجتماعي: احمِ مساحتك الذهنية من خلال الانتباه لما تستهلكه، لا تستسلم للأخبار المثيرة والسلبية، وقم بتنويع مصادر المنصات الخاصة بك حتى تحافظ على منظور عالمي أكثر توازنًا. علاوة على ذلك، توقف عن متابعة الحسابات التي تولد مشاعر الغضب أو القلق بانتظام. بعبارة أخرى املأ خلاصاتك بمحتوى إيجابي يرفع من معنوياتك ويحفزك.
- اتبع اهتمامات غير رقمية: هناك عالم ضخم خارج شاشتك تعرّف عليه من جديد من خلال التعمق في الهوايات والأنشطة التي تستمتع بها، كالموسيقى وممارسة الرياضة.
- تواصل مع أشخاص إيجابيين دون اتصال بالإنترنت: ابذل جهدًا للتواصل مع أشخاص في العالم الحقيقي، فتطوير وتغذية علاقات حقيقية مع الأصدقاء والعائلة والزملاء الداعمين شخصيًا يخفف من التوتر ويمنحك شعورًا أعمق بالانتماء.
- احرص على تقوية عقلك: العقل مثل العضلة، ينمو مع بذل الجهد. فبدلًا من التمرير عبر منصات التواصل، تعلم لغة أجنبية أو مهارة تقنية جديدة، أو ادرس مفهومًا فلسفيًا يوسع نظرتك للعالم، طور قدرتك على الكتابة أو اقرأ عن فترة في التاريخ لا تعرف عنها شيئًا، كل هذا يجعلك تقاوم الرغبة في الانزلاق إلى التمرير المريح على صفحات التواصل الاجتماعي.