أدت الأزمات التي ضربت العديد من دول العالم خلال العقود الأخيرة من كوارث طبيعية وهجمات ببرامج الفدية، وتعطل لسلاسل التوريد إلى زيادة الوعي بأهمية المرونة في عمل الحكومات وتوجيه المزيد من الموارد والاستثمارات من أجل تحقيق هذا الهدف.
وفي هذا السياق نستعرض تقريرًا أعدته شركة ديلويت العالمية الرائدة ﻓﻲ ﻣﺠﺎل التدقيق والمراجعة والاستشارات الإدارية والمالية وخدمات استشارات المخاطر، على النحو التالي:
- الحوكمة مفتاح المرونة
يتطلب تعزيز المرونة اتباع نهج متعدد الأوجه، واستجابة لذلك تعمل الحكومات على الاستفادة من سلطتها التنظيمية ومواردها المالية لتحديث البنية التحتية الحيوية. كما أنها تقوم أيضًا بتسخير التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتوائم الرقمية (نسخة رقمية افتراضية لأي أصل مادي) لفهم التحديات بشكل أفضل وتنفيذ تدابير مضادة فعالة ووقائية.
وعلاوة على ذلك، هناك جهود متضافرة لمواءمة مصالح الحكومات والشركات وتعزيز الشراكات التعاونية بين القطاعين العام والخاص، حيث يعزز التقاء مثل هذه المبادرات قدرة كل من الحكومة والمجتمع على العمل بفاعلية عبر مجموعة واسعة من الظروف مع خفض التكاليف المرتبطة بمواجهة أحداث مدمرة.
واستعرض التقرير نماذج لتأثير دمج الأدوات المختلفة بشكل كبير على قدرة كل من القطاع العام والمجتمع المدني على الصمود في وجه الأزمات، كالتالي:
- تحليلات البيانات + البنية التحتية الرقمية + رسم خرائط النظام البيئي + صنع السياسات القائمة على الأدلة + الشراكات بين القطاعين العام والخاص = زيادة التأهب للكوارث المناخية.
- تحليلات البيانات + رسم خرائط النظام البيئي + الشراكات بين القطاعين العام والخاص + التعديلات التنظيمية + الحوافز = تعزيز خطوط الإمداد الحيوية.
- البنية التحتية الرقمية + تبادل البيانات + التعديلات التنظيمية + الشراكات بين القطاعين العام والخاص = نظام بيئي معزز للأمن السيبراني.
- الإجراءات والتحركات اللازمة من الحكومات
تتعرض الأنظمة الحيوية المتعددة التي تدعم المجتمع البشري والاقتصاد لضغوط شديدة. ومن أجل الازدهار في هذه البيئة الصعبة، يجب على الحكومات إعطاء الأولوية لبناء القدرة على الصمود في مواجهة مجموعة واسعة من التهديدات كتغير المناخ وتأمين سلاسل التوريد الحيوية ورعاية نظام بيئي للعمل التعاوني ضد الجرائم السيبرانية.
- بناء القدرات اللازمة للصمود في وجه تغير المناخ
يتعين على الحكومات أن تواجه التحدي المتمثل في تغير المناخ على جبهتين وهما تعزيز قدرتها على إنجاز مهامها وسط الاضطرابات المرتبطة بالمناخ وحماية الأفراد والمجتمعات من الآثار الضارة لتغير المناخ سواء الظواهر الجوية الشائعة بشكل متزايد أو الارتفاع التدريجي في درجات الحرارة.
وقد كثفت الحكومات جهودها لفهم وتبني كيفية تأثير تغير المناخ على مهامها والتصرف بطريقة تتماشى مع أهدافها وتطورها، إذ يتم توجيه استثمارات حكومية كبيرة نحو تعزيز قدرة الوكالات على ضمان توفير الخدمات الحيوية دون انقطاع -مثل المياه أو الطاقة – أثناء الأحداث المناخية القاسية وبعدها.
كما سمحت الاستثمارات المستدامة في تعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ على مستوى المجتمع للعديد من الحكومات بتقليل التكاليف البشرية والاقتصادية المرتبطة بمثل هذه الأحداث. ويقوم العديد من الوكالات الآن بتعيين كبار مسؤولي الاستدامة أو مسؤولين مماثلين لقيادة جهود المرونة وتنسيق العمل الحكومي والدولي.
- تأمين سلاسل التوريد الحيوية
شكل كل اضطراب كبير في الآونة الأخيرة، من جائحة كوفيد-19 إلى الحرب الروسية الأوكرانية، سببًا في نقص حاد بالموارد اضطر الحكومات إلى تعزيز سلاسل التوريد من خلال مزيج من السياسات والحوافز والقرارات. فعلى سبيل المثال في عام 2021، وجهت الحكومة الفيدرالية الأمريكية الوكالات لتقييم المخاطر المحتملة لسلسلة التوريد ووضع استراتيجيات للتخفيف من تلك المخاطر. وفي وقت لاحق، تم سن سلسلة من التدابير لتعزيز مرونة سلسلة التوريد الأمريكية.
وكان أحد هذه التدابير هو إنشاء مجلس مرونة سلسلة التوريد، والذي جمع قادة من مختلف الوزارات والمجالس الاقتصادية والاستخباراتية الوطنية والبيئية لتنسيق استجابة الحكومة بأكملها لنقاط الضعف في سلسلة التوريد.
بالإضافة إلى ذلك، أدى التعاون مع الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء نظام إنذار مبكر لاضطرابات سلسلة توريد أشباه الموصلات. وبالشراكة مع عشرات البلدان الأخرى والاتحاد الأوروبي، أنشأت الولايات المتحدة شراكة أمن المعادن، التي تهدف إلى تنويع سلاسل التوريد من المعادن الحرجة.
وفي أعقاب الاضطرابات المرتبطة بالوباء، سعت الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى إعادة دعم سلاسل التوريد الحيوية لتقليل الاعتماد على الموردين الأجانب.
- رعاية نظام بيئي للعمل التعاوني ضد الجرائم السيبرانية
فرض ارتفاع وتيرة وشدة الهجمات السيبرانية ضرورة تعاون الحكومات على نطاق أوسع لتوحيد المعرفة والموارد والقدرات لمكافحة الجرائم السيبرانية بشكل جماعي، لقد نشأت التحالفات السيبرانية التي يقودها القطاع العام بسرعة في جميع أنحاء العالم، مع تركيز العديد منها على مكافحة أنواع معينة من الجرائم السيبرانية، حيث تأسست المبادرة الدولية لمكافحة برامج الفدية في عام 2022، وهي عبارة عن تحالف تقوده الولايات المتحدة يضم 50 دولة يهدف إلى تعزيز التعاون الدولي لمكافحة نمو برامج الفدية.
وفي العام ذاته أيضًا، قامت الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند بتشكيل تحالف “كواد” الذي يتضمن شراكة للأمن السيبراني لحماية البنية التحتية الحيوية من الهجمات السيبرانية.
وتعتبر إزالة شبكات الروبوت الخبيثة أحد المجالات التي شهدت فيها التحالفات السيبرانية نجاحًا هائلًا، ففي عام 2023، نجح جهد تعاوني بقيادة مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي) في تفكيك شبكة روبوتات “Qakbot” التي أصابت أكثر من 700 ألف نظام، واستخدمتها في أنشطة مثل توزيع البريد العشوائي، ونشر برامج الفدية، والهجمات على المؤسسات المالية.
وتشير التقديرات إلى أنه في الأشهر الثمانية عشر التي سبقت إزالتها، ساعدت شبكة الروبوتات في تسهيل أكثر من 40 هجمة من برامج الفدية، والحصول على 58 مليون دولار أمريكي من دفعات الفدية.
- الخطوات التي يمكن للحكومات اتخاذها الآن
استعرض تقرير شركة ديلويت العالمية، مجموعة من الخطوات التي يجب على الحكومات اتخاذها حاليًا، وجاءت كالتالي:
أولًا: مرونة المناخ
يمكن الوصول إلى تلك الحالة من خلال ربط العمل المناخي بالنمو الاقتصادي وتمكين القيادة المناخية.
- ربط العمل المناخي بالنمو الاقتصادي: يمثل العمل المناخي فرصة اقتصادية كبيرة، حيث ينبغي للمؤسسات استخدام أدواتها التنظيمية، ووضع المعايير، والتمويل لتحفيز مشاركة القطاع الخاص، لأن مواءمة العمل المناخي مع التنمية الاقتصادية يمكن أن تجعل الشركات أكثر استعدادا للمشاركة في مستقبل منخفض الكربون.
وتشير الأبحاث إلى أن العمل المناخي يمكن أن يعزز الاقتصاد العالمي بمقدار 43 تريليون دولار بحلول عام 2070.
- تمكين القيادة المناخية: بينما تأخذ مؤسسات القطاع العام في جميع أنحاء العالم زمام المبادرة لمكافحة تغير المناخ، فإنها تقوم باستحداث أدوار مثل كبير مسؤولي الاستدامة أو كبير مسؤولي المناخ. ويعد تمكين هؤلاء المسؤولين أمرًا بالغ الأهمية، عبر منحهم مقعدًا على الطاولة عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية وتخصيص الموارد.
ثانيًا: مرونة سلسلة التوريد
تمارس الحكومات سيطرة مباشرة على جزء صغير من سلاسل التوريد الحيوية، لكنها يمكن أن تتأثر بشكل غير متناسب إذا تعطلت تلك السلاسل، ولذلك يتعين على الحكومات أن تساعد الصناعات في رسم خرائط لشبكات الإمداد المتعددة المستويات وفهم مناطق المخاطر المستهدفة.
وفي وقت لاحق، ينبغي لها أن تعمل على تسهيل قيام الكيانات التجارية باتخاذ خيارات مستنيرة وإنشاء مجموعة متنوعة من الموردين الموثوقين لتعزيز سلاسل التوريد.
ويمكن أن يوفر التعاون مع الشركاء والحلفاء ذوي التفكير المماثل، للحكومات شبكة موثوقة من الموردين من الدول الصديقة، مما يوفر العديد من طرق الإمداد البديلة والمستقلة.
ثالثًا: المرونة السيبرانية
تتحقق تلك الحالة عبر مسارين رئيسيين وهما:
- تمكين المشاركة الاستباقية للمعلومات بشأن التهديدات: جمع المعلومات وحده لا يمكنه منع الهجمات، ويتعين على الوكالات الوطنية أن تشارك ما تعرفه على وجه السرعة مع الأشخاص المعرضين للخطر لاتخاذ قرارات أكثر استنارة فيما يتعلق باكتشاف التهديدات والوقاية منها.
- إعادة تشكيل الحوافز لحماية البنية التحتية الحيوية: يتطلب تأمين البنية التحتية الحيوية من الهجمات السيبرانية رسم خرائط تفاعلات لتتبع خطوط التأثير لتحديد الإجراءات والسلوكيات التي يجب تحفيزها أو تثبيطها.