ترجمات

هل تتحدى الصين النظام الاقتصادي الدولي؟

 

على مدى الـ78 عامًا الماضية، قادت الولايات المتحدة النظام الاقتصادي الدولي، ولم يكن خلالها سوى الاتحاد السوفييتي السابق الذي يشكل تحدياً خطيرًا، لكن الآن بدأت الصين تشكل تهديدًا خطيرًا لواشنطن من خلال محاولتها استبدال الدولار الأمريكي كعملة احتياطية أولى في العالم.

ووفقًا لصندوق النقد الدولي، يعد اليوان الصيني ثالث أكبر عملة لتمويل التجارة وخامس أكبر عملة للدفع، وهو عملة حقوق سحب خاصة، حيث يطالب المستثمرون الأجانب بزيادة تدويلها.

كما يهدف الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى وضع بكين على رأس النظام الاقتصادي العالمي، ويوفر لها الحماية من تأثير الدولار فيما يتعلق بالعقوبات ونظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “سويفت- SWIFT”، إذ يخطط للتفوق على شبكة سويفت التي تقودها الولايات المتحدة من خلال “نظام المدفوعات عبر الحدود بين البنوك” (CIPS) الذي تقوده الصين ونظام تحويل الرسائل المالية (SPFS) بقيادة روسيا، وإثبات أنه منافس قوي لشبكة سويفت.

وفي هذا الإطار، نشر معهد أبحاث السياسة الخارجية (مؤسسة بحثية أمريكية في بنسلفانيا) تقريرًا بعنوان “تحدي الصين للنظام الاقتصادي الدولي”، نستعرض أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:

  • تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على اليوان الصيني

حظيت العملة الصينية باهتمام كبير عندما بدأت الحرب في أوكرانيا في عام 2022، فبعدما فرضت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو” عقوبات شديدة منعت البنوك الروسية من استخدام نظام سويفت الدولي، وجمدت الأصول الروسية في الخارج وأوقفت المدفوعات عبر الحدود، وجدت الصين في ذلك فرصة حيث عرضت مساعدة الاقتصاد الروسي المتعثر وكسر عزلته الاقتصادية من خلال الموافقة على التبادل التجاري بين البلدين باليوان والروبل، حيث يسمح ذلك للصين بزيادة نفوذها الاقتصادي، ويساعد على إبقاء الاقتصاد الروسي واقفاً على قدميه، ويبعد الدولار عن المشاركة في الشراكة الاقتصادية ذات المنفعة المتبادلة بين البلدين.

وبينما كان إجمالي التبادل التجاري بين الصين وروسيا حوالي 2.2 مليار يوان في فبراير 2022، ارتفع إلى 201 مليار يوان بحلول نهاية العام ذاته.  كما ارتفع حجم التجارة الثنائية خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي بنسبة 32%، ليصل إجمالي حجم التجارة إلى 155 مليار دولار، وفقًا لبيانات الجمارك الصينية.

وخلال اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني في أولمبياد بكين 2022، تعهد الجانبان بتعزيز التجارة الثنائية إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2024. وستركز التجارة المتزايدة بين البلدين على الفائض التجاري الروسي الذي يصدر النفط والغاز الطبيعي والفحم والمعادن الحيوية الضرورية لتصنيع أشباه الموصلات في الصين.

وتهدف تصرفات الصين إلى زيادة نفوذها الاقتصادي العالمي على حساب احتمال إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، لذا فإن استمرار هذه الحرب يخدم مصالح بكين في كسب النفوذ على روسيا باعتبار أنها شريكها التجاري الأساسي، الأمر الذي يغير ميزان القوى لصالح الصين كلما طال أمد الصراع.

  • نظام المدفوعات الصيني البديل لسويفت

تحاول الصين منذ سنوات إنشاء طريقة بديلة لـسويفت، وكان “نظام المدفوعات عبر الحدود بين البنوك” (CIPS) أفضل محاولة حتى الآن، فقد ظهرت فكرة إنشاء هذا النظام في عام 2009، مع التركيز في البداية على زيادة التجارة. وفي عام 2015، تم إطلاقه لتوفير نظام دفع دولي بديل يعتمد على اليوان الصيني، وربط الحسابات الداخلية والخارجية مع البنوك المشاركة فيه، والتي يمكنها تقويض العقوبات الأمريكية لأنها لا تعتمد على الدولار في المعاملات.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن فكرة إلغاء الدولرة تعد مفهومًا سائدًا لدى الصين وحلفائها، واعتبارًا من يناير 2022، أفاد نظام المدفوعات عبر الحدود بين البنوك” بأنه يخدم حوالي 1280 مؤسسة مالية في 103 دول، بما في ذلك 30 بنكًا في اليابان، و23 بنكاً روسياً، و31 بنكاً إفريقياً.

ويمكن القول بأن الهدف الواضح للصين من هذا النظام هو تدويل استخدام اليوان، وقد بدأ المزيد من الدول في الانضمام إليه، حيث قررت الأرجنتين في أبريل الماضي التحول إلى اليوان بدلًا من الدولار عند سداد ثمن الواردات الصينية. كما وافقت البرازيل أيضًا في مارس الماضي على تسوية جميع المعاملات التجارية بعملات بلادها بدلاً من استخدام الدولار.

وبينما تعمل هذه التغييرات في السياسات بشكل فعال على تقليل الاعتماد العالمي على الدولار، فإنها تحقق هدف الصين المتمثل في التدويل الاقتصادي لليوان. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال نظام المدفوعات الصيني يعتمد على سويفت لترجمة الرسائل بين الصين وشركائها التجاريين، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 80% من مدفوعات هذا النظام تستخدم أنظمة مراسلة “السويفت”.

كما أن هذا النظام لا يحظى بشعبية مثل “سويفت” الذي تستخدمه 11 ألف مؤسسة مالية في 200 دولة، بما في ذلك حوالي 600 بنك صيني، لذا فإن نظام المدفوعات الصيني يشكل تحديًا هائلًا للنظام الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة، ولكن أمامه طريق طويل ليقطعه قبل أن يشكل تهديدًا ماليًا خطيرًا.

  • البديل الروسي

قررت روسيا في عام 2014 إنشاء نظام دفع بديل قائم على الروبل يسمى نظام تحويل الرسائل المالية (SPFS) ردًا على تهديد الولايات المتحدة ونظام سويفت للاقتصاد الروسي بعد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا. وأصبح نظام الدفع البديل هذا مفيدًا جدًا لروسيا بعد الحرب على أوكرانيا في عام 2022، حيث تواجه روسيا هجمة من العقوبات من قبل سويفت وبقية النظام المالي العالمي.

ومع ذلك، فإن فاعلية البرنامج تقتصر على الاقتصاد المحلي في روسيا، حيث يوجد ما يقدر بنحو 400 بنك فقط. ويعد التهديد الحقيقي الذي يشكله نظام المدفوعات الروسي هو المحادثة التي تجريها بكين وموسكو حول ربطه مع نظام المدفوعات الصيني للتغلب على حظر سويفت من خلال التداول حصريًا باليوان.

  • أزمة مستقبلية محتملة

بينما يمثل الدولار العملة المهيمنة في 88% من التجارة العالمية، فإن هذا لا يعني أن الصين لن تتفوق أبدًا على الولايات المتحدة، حيث يتعين على واشنطن فعل كل ما في وسعها لتجنب هذه النتيجة، لأنه إذا نجحت الصين في أن تصبح الدولة الأكثر نفوذًا اقتصاديًا في العالم فسوف يكون بإمكانها تقويض قدرة الولايات المتحدة على فرض العقوبات.

كما أن واشنطن ستواجه تحديًا هائلًا إذا تمكنت الصين وروسيا من الجمع بنجاح بين أنظمة الدفع البديلة وإقناع حلفائهما، مثل الهند وإيران وجنوب إفريقيا بالاستثمار في هذا النظام البديل بدلًا من سويفت، وهذا من شأنه أن يفرض أيضًا تحديات كبيرة على الأمن القومي للولايات المتحدة والغرب إذا تم عزلهما ماليًا عن إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، لذا ينبغي على واشنطن تحفيز شركائها المهمين وحلفاء الصين، اقتصاديًا من خلال برامج تعزز التعاون الاقتصادي مع التركيز على الدولار باعتباره العملة الرئيسية المستخدمة في المعاملات المالية.

زر الذهاب إلى الأعلى