ترجمات

لماذا لا تزال نهاية الحرب في غزة بعيدة المنال؟

رغم انتصار قانوني تاريخي سطره قرار محكمة العدل الدولية الذي يأمر إسرائيل باتخاذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع أفعال الإبادة الجماعية في قطاع غزة، فإن المتابع لوتيرة التصريحات ونطاق التحركات السياسية والعسكرية يرصد إصرار الاحتلال على تحدي المجتمع الدولي والاستخفاف بقرارات القضاء عبر تكثيفه العدوان على القطاع، فضلًا عن شن حملة تحريضية ممنهجة على المنظمات الأممية وعلى رأسها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في تحرك مكشوف يسعى لتصفية القضية الفلسطينية، ويشير أيضًا إلى أن الحرب الوحشية على غزة أبعد ما تكون عن النهاية.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، مقالاً لآرون ديفيد ميلر الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، والمحلل السابق لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية، والمفاوض السابق في ملف الشرق الأوسط الذي عمل مع إدارات أمريكية جمهورية وديمقراطية، نستعرض أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:

  • اليوم التالي للحرب في غزة

انطلق الكاتب من اعتبار فكرة “اليوم التالي” التي تقترح انتقالًا من الصراع النشط إلى واقع جديد ما بعد الصراع، يتميز بتغيير كبير في السياسة والاقتصاد والبيئة الأمنية في غزة “غير مناسبة الآن”، إذ يكاد يكون من المؤكد أن معظم العام الحالي سيركز على إدارة أزمة غزة بدلًا من الدفع بمبادرة سلام أوسع نطاقًا، وإذا تمكن الرئيس الأمريكي جو بايدن من الفوز بولاية رئاسية ثانية فقد يكون من الممكن تصور مسار أفضل وأكثر إشراقًا للفلسطينيين والإسرائيليين.

وفي الأشهر المقبلة، يكاد يكون من المؤكد أيضًا أن إسرائيل ستنهي عملياتها الكثيفة (الغارات الجوية وضربات المدفعية) لصالح عمليات بحجم لواء تعتمد على الاستخبارات لملاحقة حركة حماس وكشف شبكة الأنفاق، وضرب منصات إطلاق الصواريخ المتبقية في القطاع.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن إسرائيل لا يمكنها إعلان الانتصار على حماس، دون إنهاء القيادة والسيطرة المركزية لحماس، ففي الأسابيع الأخيرة، أطلقت الحركة وابلًا من الصواريخ من شمال غزة باتجاه إسرائيل، وكانت تل أبيب قد أكدت في السابق أن قواتها تأكدت من إنهاء وجود “حماس” في تلك المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، مع الاقتراب من نهاية الشهر الرابع من الحرب، لا توجد حتى الآن خطة حقيقية لتحديد من سيحكم غزة خلال المرحلة الانتقالية، نظرًا لغياب نهج واقعي متكامل، فإسرائيل تتبنى فكرة أن العشائر الكبيرة ستكون قادرة على الحفاظ على النظام، وهو ما يذكر بروابط القرى (تشكيلات إدارية) التي أقرتها إسرائيل في الضفة الغربية خلال سبعينيات القرن الماضي، وهي ليست فكرة مقبولة.

وعلى الرغم من أن الحكم الفلسطيني في غزة هو الحل بطبيعة الحال، ولكن يوجد احتمال ضئيل لعودة السلطة الفلسطينية – بعد مرور 17 عامًا الآن على فقدانها السيطرة على القطاع- وستحتاج إلى دعم حماس حتى تتمكن من العودة إلى الحكم. وقد دعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية علانية إلى مشاركة حماس في هيكل الحكم بعد الصراع، وهو أمر من المؤكد أن إسرائيل سترفضه، في حين أن حماس ذاتها، ليس لديها أي نية للتنازل عن حكم غزة.

  • رهان على عودة ترامب

يشير الكاتب إلى أن المراقبين الإسرائيليين ربما يراهنون على من سيترك منصبه أولًا، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو الرئيس الأمريكي جو بايدن. ولكن في الوقت الحالي، مع عدم وجود آلية لإقالة نتنياهو، فمن المرجح أن يبقى في السلطة لفترة من الوقت، ربما حتى خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل.

وقد أظهر نتنياهو بالفعل مدى الإشكال الذي يمكن أن يشكله كشريك لواشنطن، من خلال رفضه لتصورات  الولايات المتحدة، وهو باتخاذ هذا الموقف يكافح من أجل بقائه السياسي وربما من أجل حريته في ظل محاكمته بتهم فساد.

وعلى الأرجح، سيحاول نتنياهو إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة على أمل تحقيق بعض الانتصار. وسيعمل أيضًا على التلاعب بشروط أي لجنة تحقيق حكومية، وتجنب المسؤولية الشخصية عن الإخفاقات الاستخباراتية والعملياتية التي أدت إلى الحرب، وسيلعب على المخاوف الإسرائيلية في أعقاب هجمات 7 أكتوبر للقيام بحملة ضد أي ضغط على إسرائيل من جانب الولايات المتحدة بشأن قيام دولة فلسطينية.

ومن الواضح أن نتنياهو يرغب في رؤية دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة مرة أخرى، ويعتقد بلا شك أن رئاسة ترامب ستخفف الضغوط عليه من أجل تقديم تنازلات بشأن القضية الفلسطينية.

ففي ظل الانتخابات الرئاسية الوشيكة التي تعد من بين أكثر الانتخابات أهمية في تاريخ الولايات المتحدة،  من المرجح أن يكون النفور من المخاطرة هو السمة المميزة لنهج بايدن بشأن القضية الفلسطينية، وإذا تمكن بايدن من إقناع الإسرائيليين بإنهاء الحرب وزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتمكن من تسهيل التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في القطاع، وتجنب انفجار كبير للعنف في الضفة الغربية وتلافي حرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، يمكنه حينها أن يعتبرها سنة جيدة جدًا.

وقد يكون لدى بايدن حال فوزه في نوفمبر المقبل وتحرره من القيود السياسية مساحة أكبر في ولاية رئاسية ثانية، لمتابعة مبادرة سلام أوسع نطاقًا، لكن في غياب رئيس وزراء إسرائيلي جديد يرغب في العمل معه، وقيادة فلسطينية أكثر مصداقية، وقبول من جانب الدول العربية الرئيسية، لن يتم العثور على مسار أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين، بحسب الكاتب.

واختتم ميلر مقاله بالتأكيد على أن صدمات السابع من أكتوبر وما أحدثته سوف تؤرق جيلاً من الإسرائيليين والفلسطينيين لسنوات قادمة، مما يدفعهم إلى مزيد من الصراع والعنف ويبعدهم عن الأمن والسلام.

زر الذهاب إلى الأعلى