ترجمات

كيف تهدد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر الشحن العالمي؟

منذ منتصف نوفمبر الماضي، هاجمت جماعة الحوثي اليمنية عشرات السفن التجارية في البحر الأحمر، دون أي علامات على التراجع عن هذا النهج، حيث بلغ عدد تلك الهجمات وفقًا لتقديرات الجيش الأمريكي نحو 26 هجومًا، دفع نحو 15 شركة شحن عالمية إلى تجنب البحر الأحمر، مما يهدد بتعطيل سلاسل التوريد وزيادة أسعار المستهلكين في الوقت الذي بدأ فيه التضخم العالمي في الانحسار.

وإزاء تلك التوترات في هذا الممر المائي الحيوي الذي يمثل أحد الشرايين الرئيسية للتجارة الدولية، أعلنت الولايات المتحدة مبادرة أمنية دولية لحماية السفن التجارية “حارس الازدهار”، كما شنت ضربات مع بريطانيا على مواقع الحوثيين في اليمن، أثارت مخاوف من اندلاع صراع إقليمي أوسع.

وفي هذا الإطار، نشر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي (مركز بحثي مقره واشنطن) تقريرًا تناول فيه دوافع الحوثيين لمهاجمة السفن وتأثيرات الهجمات على الاقتصاد العالمي والجهود الدولية لمعالجة تلك الأزمة، نستعرضه على النحو التالي:

  • لماذا يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر؟

يقول الحوثيون إن ضرباتهم تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل والمتجهة إلى المواني الإسرائيلية، وإن الهجمات ستستمر حتى تنهي إسرائيل حربها في غزة، لكن من الناحية العملية يشير الخبراء إلى أن الحوثيين استهدفوا السفن بشكل عشوائي. ومن المعروف أن الشحن يتسم بالغموض، حيث غالبًا ما تختلف ملكية السفينة وتشغيلها، وجنسية الطاقم، وعلم التسجيل.

وخوفًا من الهجمات، أعلنت شركات الشحن الكبرى، بما في ذلك الشركة العالمية الرائدة ميرسك عن خطط لتجنب البحر الأحمر وقناة السويس، مما أدى إلى تحويل مسار شحنات تجارية تقدر بما يقرب من 200 مليار دولار عن هذا المسار.

  • كيف يمكن أن تؤثر هجمات الحوثيين على الاقتصاد العالمي؟

يعد البحر الأحمر أحد أهم الشرايين في نظام الشحن العالمي، حيث يمر عبره ثلث إجمالي حركة الحاويات. وأي اضطراب مستدام في التجارة هناك يمكن أن يؤدي إلى تأثير مضاعف لارتفاع التكاليف في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي. وينطبق هذا بشكل خاص على الطاقة، نظرًا لأن 12% من النفط المنقول بحرًا و8% من الغاز الطبيعي المسال يمر عبر قناة السويس، ولذلك فإن تجنب البحر الأحمر يعني التخلي عن أحد طرق الشحن العالمية الأكثر شيوعًا من آسيا إلى أوروبا، علما بأن 40% من التجارة بين هاتين القارتين يمر عادة عبر البحر الأحمر، لذلك سيتعين على السفن التي تتجنب البحر الأحمر أن تبحر حول القرن الإفريقي، وهو ما قد يكبدها مليون دولار إضافية ذهابًا وإيابًا كتكاليف وقود إضافية. ومع ذلك، اختارت أكثر من 150 سفينة تجارية هذا المسار الأطول منذ نوفمبر الماضي. ومن ناحية أخرى، ارتفعت أقساط التأمين على السفن التي تمر بالبحر الأحمر إلى ما يقرب من 10 أضعاف منذ بدء الهجمات.

وتقوم بعض شركات الشحن بالفعل بتحميل هذه النفقات للعملاء، حيث أعلنت شركة “CMA-CGM” الفرنسية، ثاني أكبر شركة شحن في العالم من حيث الحصة السوقية، مؤخرًا أنها ستضاعف أسعار الشحن من آسيا إلى أوروبا.

وتعد ضربات الحوثيين الأحدث في سلسلة من الاضطرابات التي سلطت الضوء على الطبيعة المترابطة للشحن، ودوره الحاسم في الاقتصاد العالمي. ففي عام 2019، هاجمت إيران عدة ناقلات نفط في مضيق هرمز، مما دفع العديد من شركات الشحن إلى اختيار طريق رأس الرجاء الصالح.

وفي عام 2021، جنحت سفينة في قناة السويس، مما أدى إلى احتجاز بضائع بقيمة 10 مليارات دولار في كل يوم من الأيام الستة التي كانت فيها القناة معطلة. وفي الآونة الأخيرة، أدى الجفاف في بنما إلى تفاقم مشاكل الشحن، حيث تعمل قناة بنما، والتي يمر عبرها 5% من تدفقات التجارة العالمية، بجزء صغير من طاقتها المعتادة.

وتجدر الإشارة إلى أنه حتى أوائل يناير الحالي، لم تسفر الضربات التي يشنها الحوثيون بعد عن زيادات كبيرة في الأسعار للمستهلكين، خاصة في أسواق الطاقة. ولا يزال سعر خام برنت، أقل من متوسط ​​شهر أكتوبر، على الرغم من ارتفاعه بعد تلك الهجمات الكبرى. من المرجح أن تشعر أوروبا بضغوط اقتصادية أسرع من الولايات المتحدة، كما يقول زونج يوان زوي ليو، زميل مجلس العلاقات الخارجية، لأن البحر الأحمر هو الطريق الوحيد إلى قناة السويس، التي تربط بعضًا من أكبر المستهلكين الأوروبيين للسلع القابلة للتداول بمورديهم الآسيويين.

  • تحركات أمريكية لمواجهة التطورات في البحر الأحمر

لضمان حرية الملاحة، التي كانت منذ فترة طويلة هدفًا أساسيًا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، قادت واشنطن فرقة عمل بحرية مكونة من 20 دولة لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، ونشرت حاملات طائرات في المنطقة.

وفي 11 يناير الجاري، قصفت الولايات المتحدة أكثر من 60 هدفًا للحوثيين في اليمن. وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الضربات ستستمر “حسب الضرورة” لحماية التدفق الحر للتجارة الدولية.

وقبل الهجوم، استشهد مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” ومحللون مستقلون بسجل حافل من الردع الذي أنشأته الضربات السابقة، فبعد أن هاجم الحوثيون السفن التجارية والعسكرية الأمريكية في عام 2016، ردت واشنطن بضربات أدت إلى تراجع الحوثيين.

وفي هذا الإطار، يرى ستيفن كوك، زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية أن “تعطيل أو تدمير قدرة الحوثيين على تعطيل الشحن لا يكاد يشبه السياسات الأمريكية المفرطة في الطموح في الماضي والتي تهدف إلى تغيير النظام وإعادة تشكيل المجتمعات، بل إنها خطوة لحماية مصلحة وطنية حيوية”.

لكن مثل هذه الضربات يمكن أن تزيد من خطر نشوب صراع إقليمي، بما في ذلك مع إيران، كما يرى خبراء أن الضربات الأمريكية يمكن أن تؤدي أيضًا إلى إشعال الحرب الأهلية في اليمن. وبالتالي، فإن كل خيار يمكن أن يتخذه الغرب له “جوانب سلبية خطيرة”، بحسب بروس جونز من معهد بروكينغز (مركز بحثي مقره واشنطن)، الذي قال: “تكثر التوترات والخيارات السيئة في البحر الأحمر، ولكنها أيضًا نذير لخيارات أكثر صرامة ومياه مضطربة في المستقبل”.

زر الذهاب إلى الأعلى