ترجمات

ماذا بعد فوز ترامب في الانتخابات التمهيدية بولاية أيوا؟

في بداية لعام انتخابي مهم في الولايات المتحدة الأمريكية، أطلقت ولاية أيوا صفارة البداية في الماراثون الجمهوري نحو البيت الأبيض، حيث صوت الناخبون في تلك الولاية التي تتمتع بأهمية رمزية، فرغم صغرها لكنها قد ترسم صورة أولية غير متكاملة عن الخريطة المُبكرة للمنافسة.

وفي هذا الإطار، نشر موقع “ذا كونفيرذيشن” الأمريكي، مقالًا لديفيد هاستينغز دن أستاذ السياسة الدولية بقسم العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة برمنغهام، نستعرضه على النحو التالي:

  • انتصار أكبر من الواقع

تعطي عناوين الأخبار التي تتحدث عن فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في المؤتمر الحزبي في ولاية أيوا انطباعًا بانتصار أكبر بكثير مما ينبغي استخلاصه بشكل معقول من هذا التعبير الأول عن الرأي الانتخابي الأمريكي في عام 2024. وبينما تجذب ولاية أيوا الانتباه لأنها أول محطة في الانتخابات التمهيدية، لكن السجل التاريخي يظهر أنها لم تتوقع الفائز النهائي بالرئاسة إلا في 6 مناسبات من أصل 13 مناسبة منذ توليها هذا الدور في عام 1972. وكان آخر مرشح ناجح للحزب الجمهوري فاز في المؤتمر الانتخابي في ولاية أيوا هو جورج بوش الابن في عام 2000.

ويرجع هذا جزئيًا إلى أن ولاية أيوا، التي يزيد عدد سكانها قليلًا على 3 ملايين نسمة، تمثل أقل من 1% من إجمالي سكان الولايات المتحدة.  كما أن ناخبيها أكبر سنًا بكثير، وأكثر ريفية، وأغلبهم من ذوي البشرة البيضاء (90%)، كما أنهم الأقل تعليمًا جامعيًا عن الولايات المتحدة بشكل عام.

وعلى الرغم من أن ولاية أيوا كانت في السابق ولاية متأرجحة، فإنها أصبحت جمهورية بقوة منذ عام 2016. وكان أولئك الذين أدلوا بأصواتهم لصالح ترامب أيضًا مجموعة فرعية أصغر ذاتية الاختيار حتى من تلك الفئة الصغيرة من السكان. وشكل مؤيدو ترامب 51% من الجمهوريين المسجلين الذين خرجوا للتصويت في واحدة من أكثر الليالي برودة، وبلغ عددهم 110298 شخصًا فقط.

وعلى نحو مماثل، يحتاج هامش انتصار ترامب إلى فهم للسياق، فحصته البالغة 51% من الأصوات وهامش الفوز على حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، البالغ 30%، ــ كما ذكرت الصحافة ــ “غير مسبوقة”،  ولكن هذه هي الحال أيضًا مع حقيقة خوض رئيس سابق للانتخابات التمهيدية، وهو ما لم يحدث منذ خاض الرئيس السابق هربرت هوفر الانتخابات التمهيدية في عام 1940 التي خسرها.

  • سر تقدم ترامب وإحجام هايلي عن مهاجمته

إن استمرار ترامب الساعي لنيل بطاقة ترشيح الجمهوريين في وصف نفسه بـ”الرئيس ترامب” وظهوره مع عناصر جهاز الخدمة السرية (المسؤول عن تأمين الرؤساء الأمريكيين السابقين) أمام الجماهير، يجعل ترامب مختلفًا عن أي من المرشحين الآخرين. وبالمثل، فإن سمعته وشهرته ووجوده المستمر في عناوين الأخبار خلال العام الماضي أسهمت جميعها في نجاحه في الولاية الواقعة في الغرب الأوسط، لذا فإن النتيجة لم تكن مفاجئة للمراقبين للعملية الانتخابية.

وبينما يترك ترامب ولاية أيوا في موقف قوي، يظل هناك احتمال أن تتمكن نيكي هايلي، الحاكمة السابقة لولاية كارولاينا الجنوبية – التي جاءت في المركز الثالث بولاية أيوا – من تحقيق أداء جيد بالقدر الكافي في نيو هامبشاير وكارولاينا الجنوبية للاستمرار طوال الانتخابات التمهيدية كبديل لترامب، لكن القيام بذلك سيتطلب منها مواكبة هجمات ترامب عليها برد أكثر انتقادًا لسجل الرئيس السابق وسمعته.

ويشير تردد هايلي في القيام بذلك إلى أنها تسعى لتكون مرشحة محتملة لمنصب نائب الرئيس، والتفسير الأكثر ترجيحًا لإحجامها عن مهاجمة ترامب بقوة أكبر هو رغبتها في عدم تنفير قاعدته المتعصبة على أمل أن ترث ترشيح الحزب الجمهوري نتيجة لانهيار الزخم الحالي لترامب لأسباب قانونية (يواجه حاليًا 91 قضية) أو أحداث أخرى غير متوقعة.

  • تفضيل بايدن لمنافسة ترامب عن غيره

وفي المقابل، يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يفوز ترامب في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، فكان رد فعل بايدن على الأخبار الواردة من ولاية أيوا هادئًا بشكل واضح، حيث كتب على موقع “إكس” (تويتر سابقًا): “هذه الانتخابات ستكون دائمًا أنت وأنا في مواجهة الجمهوريين المتطرفين (حركة لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) كان هذا صحيحًا بالأمس وسيكون صحيحًا غدا”، في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية لعام 2020، والانتخابات هذا العام.

ويعد هذا السيناريو المفضل لدى بايدن وفريقه، وذلك لأن سجل ترامب الانتخابي في استطلاعات الرأي الوطنية ضعيف، فقد خسر التصويت الشعبي في عامي 2016 و2020 وكان أداء المرشحين الذين يدعمهم في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر 2018 و2022 سيئًا للغاية.

وعلى النقيض من ذلك، تظهر استطلاعات الرأي التي تضع بايدن في مواجهة هايلي أو ديسانتيس تحسنًا ملحوظًا في آفاق حظوظ الحزب الجمهوري.

ومن الجدير بالإشارة أن الديمقراطيين يعولون على أن يكون لمشاكل ترامب القانونية تأثير سلبي على حظوظه على الصعيد الوطني مع تقدم العام، فكما لاحظت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية فإن كمًا كبيرًا من بيانات الرأي العام تشير إلى أن الناخبين سوف يبتعدون عن الرئيس السابق إذا أُدين بالفعل بارتكاب جريمة. ولهذا السبب يستخدم ترامب كل تكتيك ممكن لعرقلة وتأخير أي حساب قانوني إلى ما بعد الانتخابات التمهيدية أو الانتخابات العامة نفسها في نوفمبر. ويأمل أن يتمكن من خلال بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري من تصوير جميع القضايا القانونية المرفوعة ضده على أنها تدخل حزبي في العملية الانتخابية الأمريكية، ومن ثم تجنب المساءلة القانونية. وعلى النقيض من ذلك، يرى الديمقراطيون أن مثل هذه العملية هي أفضل فرصة لهم للتغلب على عدم شعبية بايدن بين الناخبين.

ولكن أياً كانت الطريقة التي تسير بها عملية ترشيح الحزب الجمهوري، فلا ينبغي الخلط بين الانتصار في ولاية أيوا والدعم الذي يتمتع به ترامب على المستوى الوطني، حيث تبلغ معدلات تأييد ترامب على المستوى الوطني حاليًا 42%. وفي حين أنها تعكس تقدما طفيفا للغاية عن بايدن الذي تبلغ شعبيته 41%، فإن النقطة الأساسية هنا هي أن المتنافسين المحتملين لانتخابات نوفمبر متطابقان بشكل وثيق في افتقارهما العام إلى الجاذبية لدى الأمريكيين بشكل عام.

وأخيرًا، إن هذه صورة مختلفة تمامًا عن تلك التي رسمتها التغطية الإخبارية للمؤتمر الحزبي الجمهوري في ولاية أيوا، لذا يتعين على وسائل الإعلام أن تحرص على عدم المبالغة في الترويج لفكرة انتصار ترامب، حيث سيكون من الخطأ الاستناد للتصويت في أيوا للتوصل إلى نتيجة مفادها أن انتصاره في الانتخابات أمر حتمي.

زر الذهاب إلى الأعلى