في مطلع كل عام تتسابق المؤسسات البحثية والمراصد المتخصصة في مجال الإعلام والصحافة في إصدار تقارير بشأن اتجاهات الصناعة وآفاقها المستقبلية، ومن أبرزها التقرير السنوي لمعهد رويترز لدراسة الصحافة بالتعاون مع جامعة أكسفورد البريطانية الذي يرصد اتجاهات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا في عام 2024، مستندًا إلى استطلاع رأي شمل 314 من الناشرين والأكاديميين وخبراء الصناعة من 56 دولة وإقليمًا حول العالم خلال الفترة من نوفمبر إلى ديسمبر 2023، حيث توزعت عينة الاستطلاع كالتالي: 52% يمثلون مؤسسات صاحبة إصدارات مطبوعة، و22% يمثلون إذاعات عامة وتجارية، و19% يعملون في وسائل إعلام رقمية و7% يعملون بوكالات الأنباء.
- أبرز نتائج الاستطلاع
- يقول 47% من المحررين والرؤساء التنفيذيين والمديرين التنفيذيين الرقميين إنهم واثقون بشأن آفاق تطور الصحافة هذا العام، بينما أعرب 12% عن انخفاض ثقتهم. وتتعلق المخاوف المعلنة بارتفاع التكاليف، وانخفاض عائدات الإعلانات، وتباطؤ نمو الاشتراكات، فضلًا عن زيادة المضايقات القانونية والجسدية.
- أعرب 63% من المشاركين في الاستطلاع عن قلقهم بشأن الانخفاض الحاد في حركة الإحالة من مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تُظهر البيانات التي تم الحصول عليها من مزود التحليلات “Chartbeat” أن حركة المرور إلى المواقع الإخبارية من فيسبوك انخفضت بنسبة 48% في عام 2023، مع انخفاض حركة المرور من منصة إكس (تويتر سابقًا) بنسبة 27%.
واستجابة لهذه التطورات، قال 77% من عينة الاستطلاع إنهم سيركزون أكثر على قنواتهم المباشرة هذا العام، بينما يلجأ 22% إلى خفض التكاليف، بينما يعتزم 20% تجربة منصات الطرف الثالث البديلة.
وبشكل أكثر تحديدًا، يقول الناشرون إنهم سيبذلون المزيد من الجهد في واتساب وإنستغرام بعد قرار شركة ميتا بفتح قنوات البث للناشرين.
- ويظل الاهتمام بشبكات الفيديو مثل تيك توك ويوتيوب قويًا، بينما أصبح جوجل ديسكفر مصدر إحالة أكثر أهمية ولكنه متقلب. على النقيض من ذلك، ساءت مشاعر الناشرين تجاه فيسبوك أكثر هذا العام إلى جانب منصة إكس.
ويقول غالبية الناشرين المشاركين في الاستطلاع إنهم يخططون لإنشاء المزيد من مقاطع الفيديو والرسائل الإخبارية، وملفات البودكاست، ولكن بشكل عام سيستمرون على نفس العدد من المقالات الإخبارية.
- بالإضافة إلى ذلك، يبقى الخطر المزدوج المتمثل في تجنب الأخبار الانتقائية والإرهاق من الأخبار مصدرًا رئيسيًا للقلق بالنسبة لشركات الإعلام التي تتطلع إلى الحفاظ على الاهتمام بالأخبار الواردة من غزة وأوكرانيا من بين قصص قاسية أخرى. وتشمل الاستراتيجيات التي يعتبرها الناشرون مهمة جدًا لمواجهة هذه الاتجاهات؛ تقديم شرح أفضل للقصص المعقدة (67%)، والاهتمام بمزيد من الأساليب الموجهة نحو الحلول أو البناء لسرد القصص (44%)، ثم تسليط الضوء على القصص الإنسانية الأكثر إلهامًا (43%). وكان هناك دعم أقل للعمل على نشر أخبار أكثر إيجابية (21%) أو مسلية (18%).
- على الجانب التجاري، يواصل الناشرون الاستثمار في الاشتراك والعضوية، حيث تقول الغالبية العظمى ممن شملهم الاستطلاع (80%) إن هذا سيكون مصدرًا مهمًا للإيرادات، قبل كل من الإعلانات المصورة والإعلانات الأصلية. أفاد معظم أولئك الذين يستخدمون نموذجًا مدفوعًا إما عن زيادة طفيفة أو أرقام اشتراكات مستقرة في العام الماضي، على الرغم من التوقعات الاقتصادية الصعبة.
- نظرًا لأن عددًا من الناشرين يهدفون إلى إبرام صفقات ترخيص رابحة مع منصات الذكاء الاصطناعي هذا العام، هناك القليل من التفاؤل بشأن إمكانية تقاسم أي فوائد بالتساوي، حيث يعتقد (35%) من المشاركين في الاستطلاع أن معظم الأموال ستذهب إلى كبار الناشرين. ورأى (48%) أنه لن يكون هناك سوى القليل من المال لأي ناشر في نهاية المطاف.
- يعتبر استخدام الذكاء الاصطناعي لأتمتة الأخبار (56%) هو الاستخدام الأكثر أهمية للتكنولوجيا من قبل الناشرين المشاركين في الاستطلاع، يليه تقديم توصيات أفضل (37%) ثم الاستخدامات التجارية (28%). كما أن هناك ترددا بين الناشرين بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء المحتوى، وهو ما يعتبر أكبر خطر على السمعة من قبل أكثر من نصف المشاركين.
- ستكون الواجهات التجريبية للإنترنت مثل نظارات الواقع المعزز والواقع الافتراضي وغيرها من الأجهزة القابلة للارتداء سمة من سمات هذا العام. لكن الأجهزة الحالية التي تعمل بالصوت، مثل سماعات الرأس ومكبرات الصوت الذكية بعد أن يتم تحسينها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، تعتبر من الخيار الأكثر ترجيحًا (41%) لتحل محل الهاتف الذكي – أو على الأقل تكملة له -على المدى المتوسط.
- تطورات أخرى محتملة خلال العام الحالي
- سيتوقف المزيد من الصحف عن إنتاج المطبوعات اليومية هذا العام مع ارتفاع تكاليف الطباعة وضعف شبكات التوزيع أو وصولها في بعض الحالات إلى نقطة الانهيار.
- من المتوقع حدوث تحول كبير نحو الجمع بين الأخبار الرقمية والمحتوى غير الإخباري، حيث يتطلع كبار الناشرين إلى الاحتفاظ بعملائهم الحاليين، سيشمل ذلك اشتراكًا شاملاً للوصول للألعاب والبودكاست والمجلات والكتب وحتى محتوى الناشرين الآخرين.
- ستميل منصات التكنولوجيا الكبرى أيضًا إلى نماذج الأعمال المدفوعة لأنها تتطلع إلى تقليل اعتمادها على الإعلانات، وستقدم إكس وميتا وتيك توك المزيد من الخدمات المتميزة هذا العام بما في ذلك خيارات خالية من الإعلانات وأكثر ملاءمة للخصوصية.
- ستكتسب روبوتات الذكاء الاصطناعي إضافة للمساعدين الشخصيين مزيدًا من الاهتمام في عام 2024 مما يثير أسئلة وجودية حول الملكية الفكرية، فكثير من هذه الروبوتات ستكون مدفوعة بشخصيات أو صحفيين مع تحسن تقنيات الاستنساخ، مما يثير أسئلة قانونية وأخلاقية.
وتأسيسًا على ما سبق يمكن القول بأن في ظل توقعات تشير إلى أن الغالبية العظمى من محتوى الإنترنت سوف يتم إنتاجه صناعيًا بحلول عام 2026، سيحتاج الصحفيون والمؤسسات الإخبارية إلى إعادة التفكير في دورهم وهدفهم بشيء من الإلحاح، ولا يقتصر الأمر على المحتوى، بل أيضًا عمليات توزيعه.