ترجمات

توقعات الجمهور العالمي لعام 2024

شهد عام 2023 تراجعًا كبيرًا في تأثيرات فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، حيث تضاءلت أهمية هذا المرض تدريجيًا في كل من السياسات الحكومية وأذهان الجمهور، لا سيما عقب قرار منظمة الصحة العالمية إلغاء حالة الطوارئ الصحية العالمية المتعلقة بالفيروس في مايو الماضي، لكن هذا التراجع في الأزمات الصحية صاحبه للأسف تصاعد التوترات الجيوسياسية، إذ لم تُظهر الحرب الروسية الأوكرانية أي مؤشر على التراجع، كما زاد من تفاقم الوضع العالمي المضطرب بالفعل اندلاع جولة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في أكتوبر الماضي.

وفي الوقت نفسه، استمرت أنماط الطقس في التقلب على نحو متزايد، حيث عانت أجزاء كبيرة من الكرة الأرضية باستمرار من تصاعد درجات الحرارة، مما يشير إلى احتمال تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. كما كان عام 2023 أيضًا عام تزايد الكوارث الطبيعية، مما تسبب في محنة واسعة النطاق في أجزاء مختلفة من العالم،  فمن بين البلدان التي تضررت بشدة بشكل خاص تركيا وسوريا والمغرب وأفغانستان.

بالإضافة إلى ذلك، شهد هذا العام أيضًا بعض التغييرات والتطورات الدراماتيكية في عالم التكنولوجيا، حيث كان لـشركة ” أوبن إيه آي- OpenAI” دور فعال في تغيير تصور الجمهور واستخدامه للذكاء الاصطناعي.

وفي هذا الإطار، سعت شركة ” إبسوس” العالمية لاستطلاعات الرأي إلي استكشاف انعكاس هذه الأحداث في الطريقة التي يشعر بها الجمهور العالمي تجاه الحياة،  وذلك من خلال استطلاع أجرته خلال الفترة من 20 أكتوبر إلى 3 نوفمبر 2023، على عينة تشمل 25292 شخصًا بالغًا من 34 دولة، تبلغ أعمارهم 18 عامًا فما فوق في الهند، (18-74 عامًا) في كل من كندا وماليزيا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا وتركيا والولايات المتحدة، (20-74 عامًا) في تايلاند، (21-74 عامًا) وكذلك إندونيسيا وسنغافورة، و(16- 74عامًا) في باقي البلدان عينة الدراسة وهي (المكسيك، الصين، الفلبين، بيرو، تشيلي، كولومبيا، البرازيل، المجر، بولندا، الأرجنتين، هولندا، رومانيا، أستراليا، إسبانيا، البرتغال، السويد، بريطانيا، سويسرا ، إيطاليا، ألمانيا، كوريا الجنوبية، بلجيكا، فرنسا، اليابان).

  • رؤية لعام 2024

وبحسب نتائج الاستطلاع، رأى 70% من عينة الدراسة أن عام 2023 كان عامًا سيئًا لبلادهم، و53% قالوا إنه كان سيئًا لهم ولعائلاتهم، وتمثل هذه الأرقام تحسنًا بنسبة 3 % مقارنة بالإجابتين في استطلاع عام 2022. وكانت الأرقام الخاصة بكلا السؤالين في اتجاه هبوطي ثابت منذ الذروة التي بلغتها في عام 2020 خلال أزمة “كوفيد-19″، عندما شعر 90% أنه عام سيئ لبلادهم و70% أنه سيئ بالنسبة لهم ولعائلاتهم.

ولذلك، على الرغم من التحسن في الحالة المزاجية الذي نشهده هذا العام، لا تزال هناك رحلة طويلة للعودة إلى مستويات ما قبل كورونا البالغة 62% بالنسبة للبلاد و65%  للعائلات في استطلاع عام 2019.

ومن بين 34 دولة شملها الاستطلاع، أظهرت 27 دولة تحسنا مقارنة بنتائج العام السابق. ولوحظت أعلى نسب التحسن في بولندا وتايلاند، والمكسيك.

بشكل عام، يبدو أن التفاؤل للعام المقبل آخذ في الارتفاع، حيث يعتقد 70% أن عام 2024 سيكون عامًا أفضل من 2023. وهذا يزيد بنسبة 5% على عام 2022، عندما انخفض التفاؤل إلى أدنى مستوى له خلال عقد من الزمن بنسبة 65%.

  • الوضع الاقتصادي

لا يزال الاقتصاد يشكل قلقا كبيرا للجمهور العالمي، حيث يتوقع 70% من عينة الاستطلاع أن يكون التضخم وأسعار الفائدة في بلادهم أعلى في عام 2024 مقارنة بعام 2023، في حين تظهر المشاعر العامة بعض الإشارات الإيجابية، مع انخفاض القلق من التضخم وأسعار الفائدة بنسبة 5% و4% على التوالي عن نتائج العام الماضي.

وأظهرت 10 دول من بين 34 شملها الاستطلاع تحسنًا بنسبة 10% على الأقل في تصورات معدلات التضخم أبرزها بولندا والسويد والمجر وألمانيا وبريطانيا والبرازيل وأستراليا.

كما يرجح 68% من المشاركين في الاستطلاع أن تكون البطالة في بلادهم أكبر في عام 2024 عن العام السابق، كما أن 79% يرون أن الأسعار في بلدانهم ستزيد بشكل أكبر من مستوى الدخول.

  • قضايا الأمن العالمي

 

هناك قدر أكبر بكثير من عدم اليقين بين الجمهور العالمي بشأن ما سيجلبه عام 2024 على المسرح العالمي، حيث يعتقد 35% من المشاركين في الاستطلاع أنه سيتم إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.

كما استبعد 47% انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية في 2024، وبذلك تضاءلت التوقعات بانتهاء الحرب حيث سجلت تراجعا بنسبة 9% عن العام الماضي. ولوحظ هذا التشاؤم بقوة في الدول الأوروبية، بما في ذلك السويد وبولندا وإسبانيا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصراعات الجيوسياسية الأخرى التي حدثت في عام 2023 ربما قد تكون صرفت الانتباه بعيدًا عن حرب أوكرانيا في التغطية الإخبارية.

أما عن تهديدات الأمن غير التقليدية، فقد أعرب 48% من المشاركين في الاستطلاع عن توقعهم ظهور وباء عالمي ناجم عن فيروس جديد، فيما أبدى 22% من عينة الاستطلاع خشيتهم من أن يضرب كويكب خارجي الأرض.

  • التطورات التكنولوجية

ينقسم الرأي العام حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تغييرات إيجابية أو سلبية، على الرغم من أن القلق بشأن الذكاء الاصطناعي يفوق التساؤل حاليًا. فعلى الجانب الإيجابي، يتوقع 56% من عينة الاستطلاع أن يستخدم الأطباء الذكاء الاصطناعي بانتظام، بزيادة 18 % عن النسبة في عام 2019 (38%)، كما يتوقع 43% أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى خلق فرص العمل، بينما يرجح 64% أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى فقدان الوظائف.

كما يرى 50% من المشاركين في الاستطلاع أن الروبوت سيكون قادرًا على الحديث والتفكير مثل الإنسان، ويرجح 41% أن يقل استخدامهم لمنصات التواصل الاجتماعي في عام 2024، كما أعرب 56% عن مخاوفهم من تسريب بياناتهم الشخصية عبر الإنترنت.

  • البيئة والمناخ

ثمة توقعات واسعة النطاق بأن ما شهدناه حتى الآن ليس سوى بداية حالة الطوارئ المناخية، إذ يتوقع 81% من عينة الاستطلاع أن يرتفع متوسط ​​درجات الحرارة العالمية في عام 2024 بمعدل زيادة 6% عما كان في عام 2020 (75%)، ربما بسبب تأثيرات زيادة عدد حرائق الغابات وتعرض أجزاء كبيرة من العالم لدرجات حرارة شديدة خلال أشهر الصيف. كما يتوقع 71% من المشاركين أن يكون هناك المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة في بلادهم في عام 2024 عما كانت عليه في عام 2023.

ويعكس الاتجاه التصاعدي أيضًا قلق الجمهور العالمي المتزايد بشأن تأثيرات تغير المناخ، حيث يتوقع 51% أن تضرب كارثة طبيعية مدينة رئيسية في بلادهم خلال عام 2024 بمعدل زيادة يبلغ 6% مقارنة بعام 2022.

ومع ذلك، هناك الآن توقع معقول بأن خطورة حالة الطوارئ المناخية المثيرة للقلق سوف تؤدي لتحرك رسمي، حيث يتوقع 55% أن تضع حكوماتهم أهدافًا أكثر صرامة فيما يتعلق بالحد من انبعاثات الكربون في عام 2024.

  • حركة المجتمع

في عالم الصراعات الجيوسياسية المستمرة وعصر ما بعد “كوفيد-19″، قد تظهر معايير اجتماعية جديدة، حيث يتوقع 71% من المشاركين في الاستطلاع زيادة معدلات الهجرة عالميًا، ربما بسبب الأحداث الجيوسياسية الأخيرة وحالات النزوح الناجمة عن أزمة المناخ مع دخولنا في عالم أكثر تقلبًا.

أما على صعيد العمل، يتوقع أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع العودة إلى العمل المكتبي في فترة ما بعد فيروس كورونا، ويشير هذا إلى أن اللقاءات المباشرة أصبحت ذات أهمية متزايدة، ما يثير تساؤلا، هل هذه بداية لنهاية العمل المختلط (المزيج بين العمل المكتبي التقليدي والعمل عن بعد خارج الموقع)؟

وختامًا، يمكن القول بأن عام 2024 سيكون عامًا مميزًا يضم في أجندته أحداثًا مهمة تشكل المشهد في الأعوام التالية، سواء كانت سياسية كالانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تحدد هوية ساكن البيت الأبيض وسياساتها لمدة 4 أعوام، أو تكنولوجية حيث الصعود المتنامي للذكاء الاصطناعي وآفاق استخدامه في مختلف المجالات، فضلا عن مستقبل منصات التواصل الاجتماعي في ضوء تصاعد حدة المنافسة بينها.

زر الذهاب إلى الأعلى