ترجمات

الحصاد العالمي في عام 2023

يعد عام 2023 أحد الأعوام الصعبة على الساحة العالمية، بالنظر إلى ما شهده من أحداث كبرى، حيث اشتعال بؤر الصراعات واندلاع حروب جديدة، وتصاعد حدة المنافسة الجيوسياسية بين القوى العظمى في النظام الدولي، والتحولات في موازين القوى الديموغرافية، فضلًا عن بروز تحديات التغير المناخي وانعكاساتها في شكل ظواهر مناخية متطرفة أثرت على حياة الملايين من البشر حول العالم.

وفي هذا الإطار، نشر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي تقريرًا حول أهم الأحداث العالمية خلال عام 2023، نستعرض أبرزها خلال السطور التالية:

  • الحرب في غزة

بدا الوضع في الشرق الأوسط واعدًا في أواخر سبتمبر الماضي، وهو ما ظهر في تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان بأن “منطقة الشرق الأوسط أصبحت أكثر هدوءًا مما كانت عليه منذ عقدين من الزمن”، لكن بعد ثمانية أيام فقط، تغير ذلك الوضع وتحديدًا في 7 أكتوبر عندما شنت حركة حماس هجومًا على إسرائيل “عملية طوفان الأقصى”، أدى لمقتل نحو 1200 إسرائيلي وأسر 240 آخرين ما بين مدنيين وعسكريين، أعقبه غارات جوية إسرائيلية على قطاع غزة ثم عملية غزو بري.

ورغم توقف القتال في نهاية نوفمبر بموجب وساطة أفضت إلى إطلاق سراح ما يقرب من 100 محتجز لدى حماس، لكن القتال سرعان ما استؤنف مع تحرك قوات الاحتلال إلى جنوب غزة، وقد أثار حجم الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، وأغلبهم من النساء والأطفال، اتهامات في جميع أنحاء العالم لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب، فيما حث المسؤولون الأمريكيون إسرائيل علنًا على بذل مزيد من الجهد لحماية المدنيين.

وبينما تراجعت المخاوف من أن يؤدي الصراع مع غزة إلى حرب أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط، لكنها لم تختف، وتظل الأسئلة حول كيفية انتهاء الصراع وما سيتبعه مفتوحة بلا إجابة واضحة.

  • الحرب الأهلية في السودان

كان من المفترض أن يكون عام 2023 هو العام الذي أصبح فيه السودان دولة ديمقراطية، لكن بدلاً من ذلك اندلعت حرب أهلية في 15 أبريل، حينما هاجمت قوات الدعم السريع قواعد للجيش السوداني في جميع أنحاء البلاد. ولم تسفر الجهود المبذولة للتفاوض على وقف إطلاق النار عن شيء، فبحلول الخريف، سيطرت قوات الدعم السريع على معظم العاصمة السودانية الخرطوم، في حين يسيطر الجيش السوداني على بورتسودان، الميناء البحري الرئيسي في البلاد، بينما كان القتال عنيفًا بشكل خاص في إقليم دارفور.

ومع اقتراب العام من نهايته، أدت الحرب إلى مقتل أكثر من 10 آلاف شخص وتشريد 5.6 مليون آخرين أي ما يقرب من 15% من سكان السودان.

  • هجوم مضاد أوكراني باهظ التكلفة ونجاحات محدودة

كانت الآمال كبيرة في أوائل عام 2023 في أن الهجوم المضاد الأوكراني قد يكسر قبضة روسيا على شرق أوكرانيا وربما شبه جزيرة القرم. وقد بدأ الهجوم المضاد الذي طال انتظاره في أوائل يونيو. وعلى الرغم من إلحاق خسائر فادحة بالقوات الروسية، فإن خطوط القتال لم تتحرك إلا بالكاد، فقد استخدم الجيش الروسي الشتاء والربيع لإعداد دفاعات هائلة.

ووصف رئيس الأركان الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني، أوائل الشهر الماضي، القتال بأنه “طريق مسدود” واعترف بأنه “على الأرجح لن يكون هناك اختراق عميق وبارع”، حيث ضاعفت روسيا عدد قواتها في أوكرانيا في خريف مقارنة ببداية الحرب في فبراير 2022، كما بدأ الغرب يظهر شعوره بالإرهاق من أوكرانيا، لا سيما في الولايات المتحدة، مع إحجام المشرعين الجمهوريين عن إرسال مزيد من المساعدات إلى كييف، وتزايدت الدعوات الموجهة إلى أوكرانيا للتحول من الهجوم إلى الدفاع والسعي إلى وقف إطلاق النار.

وتعد مسألة ما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيوافق على وقف القتال أمرا محل جدل، فعلى المرجح يعتقد بوتين أن الوقت في صالحه، خاصة إذا أسفرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل عن رئيس يتطلع إلى وقف دعم أوكرانيا.

  • تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين

مع بداية عام 2023، بدا أن التوترات بين الولايات المتحدة والصين تنحسر، ففي نوفمبر من العام الماضي  عقد الرئيسان الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينج اجتماعًا مثمرًا على هامش قمة مجموعة العشرين في مدينة بالي.

وكان من المقرر أن يزور وزير الخارجية أنتوني بلينكن بكين في فبراير، ولكن ظهور منطاد صيني فوق الأراضي الأمريكية أسقطه الجيش الأمريكي قبالة ساحل ولاية ساوث كارولينا، ووصفه بأنه “منطاد تجسس” أجج المشاعر السياسية في الولايات المتحدة ودفع بلينكن إلى تأجيل زيارته إلى الصين، التي أصرت بدورها على أن المنطاد انحرف عن مساره أثناء مراقبة الطقس.

بالإضافة لذلك كان الأمر الأكثر إثارة للقلق أن المسؤولين الصينيين رفضوا تلقي مكالمة هاتفية من وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بعد إسقاط المنطاد، مما سلط الضوء على عدم وجود قناة اتصال قائمة بين القوتين العظميين.

ورغم أن بلينكن سافر في يونيو الماضي إلى بكين وعقد ما وصفه مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية بمحادثات “بناءة”، لم تمنع هذه المحادثات واشنطن من فرض قيود إضافية على التجارة مع الصين أو إقناع بكين بتخفيف مضايقاتها لتايوان أو الفلبين أو القوات العسكرية الأمريكية في آسيا. كما التقى بايدن وشي، الشهر الماضي، على هامش منتدى قادة أبيك 2023 في مدينة سان فرانسيسكو، وأسفرت محادثاتهما عن اتفاقات محدودة، ولم تحقق اختراقات كبيرة، ولذلك لا يزال الاتفاق على تسوية مؤقتة بعيد المنال بين أقوى دولتين في العالم.

  • اشتعال سباق الفضاء

قبل 150 عامًا كانت النصيحة “اتجه غرباً”، اليوم قد تكون النصيحة: “اذهب إلى الفضاء”، حيث تعقد  كل من الدول والشركات رهانات كبيرة على الفضاء، إذ توجد 77 دولة لديها وكالات فضائية ويمكن لـ16 دولة إطلاق بعثات إلى الفضاء.

وكان القمر ذا أهمية خاصة خلال هذا العام، فبينما انتهت جهود روسيا بخيبة أمل في أغسطس عندما اصطدمت مركبة الهبوط الروسية بسطح القمر، أصبحت الهند رابع دولة تتمكن من إنزال مركبة غير مأهولة على سطح القمر، وأول دولة تفعل ذلك بالقرب من المنطقة القطبية الجنوبية للقمر. وبعد مرور أسبوعين، أطلقت الهند مهمة لدراسة الشمس.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن  لدى كل من الصين والولايات المتحدة برامج طموحة بشأن القمر، حيث تهدف وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر بحلول عام 2025، لكن هذه الجهود المرتبطة بالفضاء تؤجج المخاوف من أن تؤدي المنافسات الجيوسياسية إلى عسكرة الفضاء.

كما سلطت زيادة الاهتمام بالفضاء الضوء على عدم وجود قواعد تحكم العمليات الفضائية، فبينما روجت الولايات المتحدة لاتفاقيات أرتميس من أجل “تنظيم الاستكشاف المدني واستخدام الفضاء الخارجي”، رفضت الصين وكثير من الدول الأخرى التي ترتاد الفضاء التوقيع عليها.

ويلاحظ أن وضع قواعد للفضاء أمر معقد بسبب حقيقة أن الشركات الخاصة مثل “سبيس إكس” و”بلو أوريجين” تلعب دورًا كبيرًا في العمليات الفضائية. وهذا يثير تساؤلات حول دوافع الربح والالتزامات الوطنية. كما تثير الزيادة في النشاط الفضائي أيضًا تساؤلات حول ما إذا كانت مشكلة النفايات الفضائية ستؤدي إلى تعقيد عملية استكشاف الفضاء.

  • استمرار ركود الديمقراطية عالميًا

بينما كان يتوقع المتفائلون حدوث موجة رابعة من التوسع الديمقراطي العالمي، إلا أن هذا التوقع فشل في عام 2023، الذي بدأ بإعلان مؤسسة فريدوم هاوس أن عام 2022 يمثل العام الـ17 على التوالي الذي تتراجع فيه الحرية والديمقراطية العالمية، وفي ترجمة عملية لذلك المسار استمر وباء الانقلابات في إفريقيا خلال عام 2023، ففي يوليو أطاح جيش النيجر برئيس البلاد المنتخب ديمقراطيًا، ثم استولى الجيش في الجابون على السلطة في أغسطس.

وكان أداء أحزاب اليمين المتطرف جيدًا في مختلف أنحاء أوروبا، مما أحيا ذكريات انهيار الديمقراطيات الأوروبية قبل قرن من الزمان. أما في الولايات المتحدة وصف دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، معارضيه بـ “الحشرات”، وقال ترامب وهو المرشح الأوفر حظًا لنيل بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات 2024 إنه إذا عاد إلى البيت الأبيض فلن يكون ديكتاتورا “إلا في اليوم الأول”، مشيرا إلى أنه سيستخدم الرئاسة لاستهداف خصومه السياسيين.

  • الهند تتخطى الصين وتصبح أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان

على مدار القرن الماضي- إن لم يكن لفترة أطول-، كانت الصين الدولة صاحبة أكبر عدد من السكان في العالم، لكن هذا انتهى في عام 2023، وأصبحت الهند التي يقدر عدد سكانها بـ 1.43 مليار نسمة تحظى بتلك المكانة. ومن المرجح أن تظل الهند الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان لعقود قادمة.

ويتوقع خبراء الديموغرافيا انخفاض عدد سكان الصين ​​بنحو 100 مليون نسمة بحلول منتصف القرن الحالي، فيما سيرتفع متوسط ​​العمر فيها من 39 عامًا إلى 51 عامًا. ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن يصل عدد سكان الهند إلى ما يقرب من 1.7 مليار نسمة بحلول منتصف القرن، وأن يبلغ متوسط ​​العمر 39 عامًا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن البلدان ذات السكان الأصغر سنًا والأكثر عددًا تمتلك قوى عاملة أكثر حيوية وقدرة استهلاكية أكبر، ما يجعلها تتمتع بمعدلات نمو اقتصادي أعلى.

  • درجات الحرارة العالمية تحطم الأرقام القياسية

لم يعد تغير المناخ يشكل تهديدًا في المستقبل، بل أصبح واقع العالم الجديد، إذ يشير علماء إلى أن عام 2023 هو العام الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث لم تبلغ درجات الحرارة العالمية هذا الارتفاع منذ 125 ألف عام، ومن المتوقع أن تتجاوز حد الدرجتين المئويتين المنصوص عليه في اتفاق باريس لعام 2015. وكانت النتيجة حدوث أحداث مناخية متطرفة في جميع أنحاء العالم، تتراوح من حرائق الغابات إلى الجفاف الشديد إلى الفيضانات القياسية.

وختامًا، يمكن القول بأن الأحداث السابق ذكرها تؤكد على حقيقة مفادها؛ حاجة العالم أكثر من أي وقت مضى إلى تغليب صوت العقل والحكمة، واتباع نهج قائم على التعاون، واحترام قواعد القانون الدولي، وإعادة الاعتبار إلى الأطر المؤسسية الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة كقنوات للحوار والتوافق على حلول وتسويات للأزمات ومجابهة التحديات المختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى