دراسات

التدوين الصوتي “البودكاست” في ضوء معايير الابتكار الإعلامي

أسهمت التطورات التكنولوجية التي يمر بها العالم في إحداث تغييرات سريعة في صناعة الإعلام والتكنولوجيا، وإيجاد تجارب إعلامية جديدة تسهم في تعزيز التفاعل بين الجمهور ووسائل الإعلام. ويبرز من بين هذه التجارب البودكاست كإحدى الظواهر البارزة التي شهدت نموا هائلا منذ عام 2018 وحتى العام الحالي.

ويشير البودكاست إلى مصطلح ظهر لأول مرة في مقالة للصحفي البريطاني بن هامرسلي في عام 2004 بعنوان “ثورة مسموعة”، والمصطلح في ذاته نتيجة لإدغام كلمتي “آيبود” (المشغل المحمول الذي اخترعته شركة آبل الأمريكية والذي يسمح للمستخدمين بتنزيل الملفات الصوتية) وبودكاست (التي تعني البث باللغة الإنجليزية).

ويعرف البودكاست بأنه سلسلة من الملفات الصوتية أو المرئية سواء كانت يومية أو أسبوعية أو شهرية، ويمكن للأشخاص الاشتراك بها والاستماع إليها في أي وقت يرونه مناسبا.

ويسمح البودكاست للأفراد بإنشاء محتوى صوتي قائم على الاهتمامات الشخصية والخبرات المتنوعة، وقد شهدت هذه الصناعة تطورات ملحوظة خلال السنوات الخمس الماضية، وتجاوزت حدود الوسائط التقليدية وصولا إلى جمهور عالمي واسع النطاق.

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة المصرية لبحوث الاتصال الجماهيري في عددها الصادر في يوليو 2023، دراسة بعنوان (التدوين الصوتي “بودكاست” في ضوء معايير الابتكار الإعلامي: تحليل من المستوى الثاني في الفترة 2018-2023م) من إعداد الدكتورة منة الله كمال موسى مدرس الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة بني سويف، حيث تهدف تلك الدراسة التحليلية من المستوى الثاني إلى استكشاف الاتجاهات الحديثة والمبتكرة في صناعة البودكاست وهو ما نستعرضه على النحو التالي:

  • عينة الدراسة

يتمثل مجتمع الدراسة في البحوث العربية والأجنبية التي تناولت صناعة البودكاست في عصر الابتكار الإعلامي، خلال الفترة من عام 2018 إلى 2023، وقد بلغت العينة 60 دراسة بواقع 30 دراسة عربية و30 أجنبية، توزعت على النحو التالي 49 دراسة منشورة في دورية علمية، و9 رسائل ماجستير أو دكتوراه، إضافة لدراستين قدمتا لمؤتمرين علميين.

وقد شهدت دراسات البودكاست ارتفاعًا ملحوظًا منذ عام 2021 والذي سجل 12 دراسة، وفي عام 2022 (15 دراسة) وفي العام الحالي حتى إجراء تلك الدراسة (16 دراسة)، وهو ما يشير إلى زيادة الاهتمام بالبودكاست كموضوع للدراسة والبحث، ما يعد مؤشرا على نمو مستمر في هذا المجال.

  • نتائج الدراسة

خلصت نتائج الدراسة إلى قلة البحوث والدراسات العربية في مجال صناعة البودكاست حيث ما زالت الموارد المتاحة للبحث محدودة لفهم أفضل لاستراتيجيات البودكاست والابتكار في الصوتيات، كما اعتمدت غالبية الدراسات العربية على المناهج البحثية الكمية وتحليل الإحصاءات، كالمنهج الوصفي المسحي والتحليلي والمنهج المقارن، وافتقرت إلى استخدام المناهج الأنثروبولوجية التي تتيح للباحث فهمًا عميقًا للظاهرة.

وقد اهتمت غالبية البحوث العربية -عينة الدراسة-، برصد واقع استخدام البودكاست في المؤسسات الإعلامية وكذلك تحليل محتوى البودكاست وتقييم تأثيره الاجتماعي والثقافي على المنطقة، بينما غفلت الاهتمام بدراسة آليات الإنتاج والتحرير ومعايير الاستضافة وسبل الدعم المادي والأرباح التجارية والتسويق وتجارب المستمعين.

وبحسب النتائج أيضا، لا يزال يتم توظيف المداخل النظرية التقليدية في أغلب البحوث العربية مثل نظرية الاستخدامات والإشباعات، ونظرية الاعتماد على وسائل الإعلام، في حين سعت بعض الدراسات إلى توظيف نظرية الاستخدامات والتأثيرات ونموذج تقبل التكنولوجيا، فيما افتقر عدد من الدراسات لتوظيف أي أطر نظرية.

أما على صعيد الدراسات الأجنبية المتعلقة بالبودكاست، فقد افتقرت إلى عمل دراسات مقارنة بين مختلف الثقافات والسياقات الاجتماعية تستطيع أن توفر رؤى أعمق حول الاختلافات والتشابهات في صناعة البودكاست وتأثيرها على المجتمعات المختلفة.

وأظهرت نتائج الدراسة أيضًا فاعلية البودكاست في تحسين تجربة المستمعين في العملية التعليمية وتنمية مهاراتهم، حيث يمنح البودكاست المستمعين القدرة على التعلم الذاتي وتنظيم جدول زمني يناسبهم وكذلك يمكنهم اختيار المواضيع والحلقات التي يرغبون في الاستماع لها وتكرارها حسب الحاجة مما يتيح لهم التعلم بالطريقة التي يجدونها أكثر فاعلية.

كما توصلت الدراسة إلى تأثير البودكاست الحواري في تنمية المسؤولية الاجتماعية والوعي بسبل الاستدامة، من خلال زيادة الوعي وتشجيع التفاعل والمشاركة.

إلى ذلك، قدمت الدراسة رؤية مستقبلية لتطوير البحوث في مجال البودكاست وذلك من خلال تطوير تقنيات الإنتاج والتحرير الصوتي، وكذلك تطوير تقنيات الصوت مما سيسمح بتحسين جودة الصوت وتقديم خدمات البودكاست بطرق جديدة ومبتكرة تؤدي إلى زيادة معدل انتشار البودكاست وتعزيز تفاعل المستمعين مع المحتوى.

بالإضافة إلى التركيز على البحث في تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لفهم اهتمامات المستمعين وتفضيلاتهم. كما اشتملت تلك الرؤية من بين عناصرها على تطوير تقنيات التسجيل والإنتاج الصوتي وتطوير أدوات التسويق والتوزيع وكذلك تطرقت إلى استراتيجيات الاحتياجات الصوتية لفهم تفضيلات المستمعين وما يبحثون عنه.

  • توصيات الدراسة

قدمت الدراسة سلسلة من التوصيات جاء في مقدمتها دراسة الاتجاهات الحالية والمستقبلية لصناعة البودكاست بالإضافة إلى إجراء مزيد من استطلاعات الرأي لتحديد اتجاهات الجمهوري العربي والتوجهات الإعلامية المستقبلية تجاه صناعة البودكاست.

وأوصت بالاهتمام بإجراء مزيد من الدراسات حول أساليب إنتاج البودكاست المبتكرة والمتقدمة مثل الصوت ثلاثي الأبعاد وتقنيات تعزيز الواقع الافتراضي، واستخدام الأدوات والتقنيات المتقدمة في تحرير الصوت والمؤثرات الصوتية وكذلك دراسات للكشف عن سبل التوزيع الأمثل للبودكاست في منصات البث الرقمي لضمان الوصول للجمهور.

وكذلك أوصت بالاهتمام بالتنوع في تناول الدراسات العربية التي تهتم بدراسة أساليب تقييم جودة المحتوى في البودكاست وذلك باستخدام معايير محددة مثل القصة، والبنية والتنوع والتواصل مع الجمهور وملاءمة المحتوى للمستمعين المستهدفين.

وشددت كذلك على أهمية استكشاف آراء وتفضيلات المستمعين من خلال الدراسات النوعية واستطلاعات الرأي. وأيضًا إجراء مزيد من الدراسات الكيفية مع الجمهور والخبراء حول آليات تحسين تجربة المستخدم في البودكاست وزيادة التفاعل مع مضامين البودكاست المتنوعة وكذلك حول الابتكارات في صناعة البودكاست، وتحليل استخدام التقنيات الجديدة والأساليب الإبداعية في إنتاج وتوزيع البودكاست.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن تجربة البودكاست تعتبر تجسيدًا لدور التقنيات الحديثة في تجديد وتطوير وسائل الإعلام التقليدية بالنظر إلى حجم التشابه بين البودكاست والإذاعة، مع الفارق فيما يتعلق بطريقة البث وتفاعلية المتلقي.  

زر الذهاب إلى الأعلى