دراسات

أخلاقيات المهنة في ظل الإعلام الجديد

 

أتاحت التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال كمّاً هائلاً من المنصات والتطبيقات، كالمدونات ومواقع التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى تغيير الأدوار في طرفي العملية الاتصالية، ومكّن الجمهور من إنتاج المحتوى الإعلامي بدلًا من أن يقتصر دوره على تلقي المضامين الإعلامية فقط، وهذا ما ساهم في إبراز مادة إعلامية جديدة مكملة للإعلام التقليدي، وأنهى دور حراس البوابة في الإعلام الجديد.

واللافت أن الحرية التي وفرتها شبكة الإنترنت لم ترافقها المسؤولية في كثير من الأحيان، فغابت الدقة والموضوعية، مما دفع الأكاديميين والممارسين للإعلام للحديث عن الأخلاقيات المهنية والالتزام بها في عصر البيئة الإعلامية الجديدة.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة مدارات للعلوم الاجتماعية والإنسانية في عددها الصادر في يناير 2023، ورقة بحثية بعنوان “أخلاقيات المهنة في ظل الإعلام الجديد: الأسس، الضوابط، والأبجديات” من إعداد الباحثتين في جامعة محمد لمين دباغين سطيف‪2، خولة ركروك ورقية لقلوق، نستعرضها على النحو التالي:

  • المبادئ الأساسية لأخلاقيات المهنة

استعرضت الورقة البحثية 6 مبادئ أساسية لأخلاقيات المهنة حددها مركز هردو لدعم التعبير الرقمي:

  • المسؤولية: وتعني التزام المصداقية والحيادية في كل ما يكتب ليكتسب الصحفي ثقة الرأي العام، أي لا يجوز نقل أي خبر دون التحقق من مصداقيته ومصداقية المصدر، ويجب أن يعتمد على أكثر من مصدر.
  • حرية الإعلام والصحافة: وتتجسد بالدفاع عنها من خلال عدم تقليل شأن المهنة وعدم وصفها بالسوء.
  • الاستقلالية: المحافظة على الكرامة وكذلك المحافظة على الأمانة، فالصحفي يحمل رسالة خالدة، فهو يقوم بدور تنويري وتثقيفي لمجتمعه.
  • المصداقية والصدق والدقة: وتظهر في كل كتابات الصحفي لكسب ثقة المتلقي، والتمسك بمبادئ الدقة في عرض الحقائق، كما ينبغي على الإعلامي أن يكون صادقًا في نقله للعمل الإعلامي، سواء كان خبرًا أم تحقيقًا أم مقابلة، كون الصدق هو المحور الأساس للوصول إلى الحقيقة.
  • عدم الانحياز: من خلال الكتابة الموضوعية وضرورة الفصل بين الرأي الشخصي والعاطفة من جهة، وبين ما يكتب من جهة أخرى.
  • المحافظة على حقوق الآخرين: ويكون ذلك بعدم التعدي وتجاوز حريات الآخرين وكشف الأسرار، وعدم التجسس على الحياة الخاصة للأفراد والتدخل في خصوصياتهم لأنها تعتبر أساليب غير أخلاقية، وأيضًا يجب مراعاة كتابة القصة الخبرية بإنصاف بحيث تذكر أقوال جميع الأطراف بحيادية تامة.
  • خصوصية الممارسة الإعلامية في البيئة الإلكترونية

إن السياق الاتصالي والإعلامي الجديد الذي ولدته تكنولوجيات الاتصال الجديدة، أثر على المنظومات الإعلامية بكاملها وبشكل خاص على الممارسة الإعلامية، وفتح الباب أمام إعداد المحتويات الإعلامية عبر أي شخص، بشكل جعل الشبكات الاجتماعية والمدونات تزاحم وسائل الإعلام التقليدية في صياغة المحتويات ووضع الأجندة الإعلامية، لدرجة أن المؤسسات الإعلامية التقليدية باتت تسارع الزمن من أجل الوجود في المنصات الاجتماعية من خلال طرح محتويات إعلامية تفاعلية تركز على الصورة والنصوص التشعبية (يستخدم أشكالًا متعددة من الوسائط مثل النص والرسومات وتسلسلات الصوت أو الفيديو والرسومات الثابتة) مع التقليل من المحتويات الخطية، وهو ما فرض بدوره التكيف مع التكنولوجيا من خلال اقتناء برامج حاسوبية جديدة والتكيف مهنيًا عبر إعادة تأهيل الكوادر الإعلامية لبلوغ ما أصبح يسمى بالصحفي متعدد المهارات، حيث بات عليه ليس فقط بناء النصوص الإعلامية عبر التحكم في مهارات الكتابة، بل أيضا تحكمه في كم هائل من المهارات البصرية والتصوير وتحميل المحتويات على الإنترنت.

  • ضوابط وأخلاقيات الممارسة المهنية عبر الإعلام الجديد

أصبح التعامل مع الإعلام الجديد أمرًا مفروضًا وملحًا، يتطلب المزيد من الاهتمام بحتمية الضبط الأخلاقي للممارسات المهنية عبر الفضاء الرقمي. وبحُكم تنامي ثقافة المعلوماتية وما يواكبها من تطور تكنولوجي فرض وجوده في العالم الافتراضي، لم يجد الإعلام عمومًا والصحافة خصوصًا بُدًّا من ولوج العالم الافتراضي، وأصبحت الشبكة العنكبوتية تعج بالمحطات والمواقع الإعلامية الإخبارية، والمدونات ومواقع التواصل الاجتماعي وكذا ظهور صحافة المواطن.

وعلى الرغم من أن هذه التقنية أتاحت للكثير من الناس التعبير عن آرائهم وأفكارهم بحرية وبصورة قد تتجاوز الحدود أحيانًا، فقد استدعى ذلك ضرورة الاحتكام إلى أخلاقيات الممارسة الإعلامية عبر الإعلام الجديد، ووضع مجموعة من المبادئ والقواعد ضمن مواثيق مهنية بغية تنظيم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الصحفيين المنتمين إليها.

ومن أبرز النماذج العالمية لمواثيق الأخلاقيات، ما جاءت به الجمعية الوطنية الأمريكية لناشري الأخبار، حيث أصدرت دليلًا يتضمن 10 قواعد عامة وضعتها الصحف الأمريكية لتنظيم استخدام الصحفيين للشبكات الاجتماعية، تتمثل فيما يلي:

  • المبادئ الأخلاقية التقليدية يجب أن تطبق في الفضاء الإلكتروني، بمعنى لا يمكن للصحفي أن ينشر ما لا يرتضي نشره في الصحيفة، بالإضافة إلى أنه لا يوجد مبرر في ألا تطبق القواعد التقليدية الأخلاقية على المجال الإلكتروني.
  • يجب على الصحفي أن يتحمل مسؤولية كل ما يكتبه وينشره على الإنترنت لأنه يصبح عامًّا، حتى وإن كان ذلك على صفحته الشخصية غير المرتبطة بالمؤسسة الإعلامية.
  • التفاعل مع القرّاء لكن بطريقة مهنية، حيث يجب أن تكون لانخراط الصحفي في العالم الافتراضي حدود.
  • لا ينبغي نشر المعلومات الحصرية على الفيسبوك أو تويتر بل على موقع الصحيفة.
  • انتبه إلى نظرة الآخرين إليك، إذ يجب على الصحفي تجنب صراع المصالح، وألا يبدو الصحفي نصيرًا لمجموعة معينة.
  • تأكد من أصالة وصحة ما تقرأه على الشبكة، حيث يتمثل دور المؤسسات الإعلامية والصحفيين في التأكد من المعلومات المنشورة ومن مصداقيتها، ويجب على كل صحفي أن يكون حارس بوابة جيداً.
  • قدّم نفسك دائمًا على أنك صحفي، فلا يمكن للصحفي أن يخفي هويته، سواء كان ذلك في الفعاليات الصحفية التقليدية وعند ممارسة مهنته في الميدان أو على شبكة الإنترنت.
  • الوسائط الاجتماعية هي أدوات وليست لعبة، فالصحفيون يمثلون مؤسساتهم ولا يمكن لهم أن يتصرفوا بطريقة غير مقبولة على الشبكة، ومن ركائز أخلاقيات الشبكة الاجتماعية الضرورية الاعتماد على المصادر الأساسية.
  • كُن شفّافًا واعترف بأخطائك.
  • حافظ على سرية العمل داخل المؤسسة، أي عدم إفشاء الأسرار الخاصة بهيئة التحرير الإعلامية.

وختامًا، يمكن القول بأن بيئة الإعلام الجديد ودور الشركات التكنولوجية الكبرى في إيصال الرسائل الإعلامية، وتعاظم دور صحافة المواطن وتحول الجمهور إلى صانع للمحتوى، كلها أمور تحتم تضافر جهود الجهات التنظيمية والمؤسسات والروابط والنقابات الإعلامية من أجل وضع ميثاق شرف إعلامي جديد ينص على ضوابط أخلاقية تنظم الممارسات الإعلامية كافة أيًا كان القائم بها، وتضع ضوابط وآليات تنفيذية للتصدي للمخالفين.     

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى