دراسات

خوارزميات الذكاء الاصطناعي وأخلاقيات محتوى مواقع التواصل الاجتماعي

تعتبر خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي نوعًا مهمًا من عالم الخوارزميات عامة، حيث تقوم بعدة وظائف مرتبطة بنشاط المستخدمين عبر هذه المواقع، والتي تندرج ضمن إدارة المحتوى وتفضيلات المستخدمين، كما أن هذه الخوارزميات قد يكون لها دور مرتبط بالمحتوى غير الأخلاقي على المنصات الاجتماعية الذي تتنوع أشكاله، إذ ازدادت مؤخرًا المضامين المسيئة للأفراد أو الجماعات المتعلقة بالكراهية، والعنف، والإرهاب والتضليل، خاصة وأن هذه المنصات تعد فضاءات خصبة لحرية التعبير، وأحيانا دون مراعاة حقوق وحريات الآخرين ومعتقداتهم وانتماءاتهم.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة الإعلام والمجتمع في عددها الصادر في ديسمبر 2022، دراسة بعنوان “خوارزميات الذكاء الاصطناعي وأخلاقيات محتوى مواقع التواصل الاجتماعي.. أي دور؟ وأي علاقة؟”. من إعداد الدكتورة عائشة كريكط بجامعة محمد الصديق بن يحيى جيجل في الجزائر، حيث هدفت الدراسة إلى محاولة توضيح ما إذا كانت هناك علاقة بين خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي وأخلاقيات النشر عبرها، وذلك من خلال إمكانية أن يكون لها دور إيجابي في الوقاية من المشكلات الأخلاقية التي ظهرت مع كثرة استخدام هذه المواقع، وتزايد نشاط الأفراد بإنتاج المحتوى، حيث أصبح كل مستخدم بمثابة الصحفي أو المؤسسة الإعلامية، يقدم الأخبار والمعلومات وكل ذلك في ظل عدم معرفته بمبادئ وأخلاقيات النشر. وهو ما نستعرضه على النحو التالي:

  • وظائف الخوارزميات في مواقع التواصل الاجتماعي

بحسب الدراسة، توجد مجموعة من الوظائف الأساسية التي تؤديها الخوارزميات لترتيب البيانات وفق نسق معين، وتشمل: الترتيب بالإدراج، والترتيب النوعي، والترتيب بالفرز، والترتيب بالدمج، والترتيب السريع، إلى جانب خوارزميات أخرى متعلقة بهيكلة البيانات.

ويمكن تفصيل المعاني المرتبطة ببعض أهم وظائف الخوارزميات في الدورين التاليين:

  • ترتيب نتائج البحث وفقًا لكلمات مفتاحية: حيث تقوم هذه الخوارزمية بالتعامل مع كميات وفيرة من البيانات التي تنتجها محركات البحث وقواعد البيانات بشكل انتقائي، وتختار فقط النتائج المرتبطة مباشرة بالكلمة التي يبحث بها المستخدم.

وتعد هذه الوظيفة أساس وجود الخوارزميات وأصل عملها، إذ إنها تختار للمستخدم نوعه المفضل من المضامين بناء على اهتماماته التي يبحث عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا في الوقت الذي يظن فيه المستخدم أنه من يختار ذلك، وبالتالي قد تكون خيارات المستخدم عبر المنصات الرقمية هي خيارات موجهة وليست ذاتية، وبما أن هذه الخوارزميات قادرة على اختيار المحتوى المناسب للمستخدم بالاعتماد على بياناته، فإنه في نفس الوقت يمكنها أن تزيل ما تعتبره غير مناسب  أو ضارا.

  • خوارزميات الإرهاب: إن الهدف الأساسي لهذه الخوارزميات هو تتبع أنشطة الشخصيات أو المجموعات ذات الميول الإرهابية عبر شبكات التواصل الاجتماعي من خلال الصفحات المشبوهة والمنشورات التي تستهدف حشد الأنصار أو تجنيد المقاتلين للتنبؤ بأي عمليات إرهابية محتملة.

ويُساعد هذا النوع من الخوارزميات في تصفية مواقع التواصل الاجتماعي من المحتوى الإرهابي، ويجنب المستخدمين التعرض للأفكار والمعتقدات المتطرفة خاصة وأن الرقابة عبر هذه المواقع قليلة، مما يجعل المجال مفتوحًا أمام الإرهابيين. وعليه فالذكاء الاصطناعي من خلال الخوارزميات كفيل بمواجهة ذلك.

  • أهم المجالات الأخلاقية التي تُنظم عبر مواقع التواصل الاجتماعي

استعرضت الدراسة 4 مجالات أخلاقية يمكن تنظيمها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي كالتالي:

  • إدارة المحتوى الكاذب والمضلل: تُسبب الأخبار الكاذبة أو الزائفة التي تطرح محتوى مختلفا أو معلومات خاطئة أو نظريات مؤامرة بشكل مباشر، ضررًا بالتأكيد، وهناك ما يعرف بالتزييف العميق الذي يعني “التقول على شخص بشيء لم يقله” من خلال فيديوهات مزيفة لشخصيات تحمل نفس الصوت وتعابير الوجه.

وفي هذا الإطار، يستخدم موقع فيسبوك الذكاء الاصطناعي في التصدي للأخبار المزيفة عبر استخدام التدقيق البصري والبحث العكسي عن الصور، وتحليل بياناتها الوصفية مثل أين تم التقاط الصورة أو الفيديو؛ لكن الموقع يواجه صعوبات في تحليل الصور الساخرة أو مقاطع الفيديو بسبب التلاعب بالألفاظ والاختلافات اللغوية والثقافية.

وبحسب الدراسة، فإن قيام مواقع التواصل الاجتماعي بالكشف عن المحتوى الكاذب والأخبار الخاطئة من خلال الخوارزميات من شأنه أن يحد من كمية الأخبار الكاذبة عبرها، خاصة وأن هذه المنصات ينشر فيها الأشخاص دون مراعاة لمصادر موثوقة. وبالتالي يمكن القول بأن الخوارزميات تؤدي دور المصفاة لكل ما هو مزيف أو مضلل، وهو ما يحتم تطوير خوارزميات جديدة تعمل خصيصا في هذا المجال.

  • إدارة المحتوى المتطرف والإرهاب:

يمكن أن تعزز منصات التواصل الاجتماعي المحتويات المتطرفة من خلال نظام التوصية، حيث تساعد أنظمة التوصية في العثور على المضمون التالي بناء على العناصر التي سبق استخدامها، فمثلا في اليوتيوب يتم التوصية بمضامين مماثلة، فإذا تمت مشاهدة فيديو لمحتوى متطرف يقوم باقتراح فيديو مماثل.

ومن جهة أخرى، فإن فيسبوك بدوره تعرض لانتقادات نتيجة عدم إيقافه البث الفوري لفيديو الهجوم الإرهابي على مسجد ” كرايستشيرش” في نيوزيلندا، وفي تويتر ويوتيوب أيضا لم يتم إزالته إلا بعد مدة. وبذلك فتحت مواقع التواصل المجال أمام المتطرفين لاستغلال منصاتها في أعمال غير إنسانية.

  • إدارة محتوى الكراهية:

إن خطاب الكراهية هو الخطاب المتعمد الهادف لنشر أو ترويج أو حتى تبرير الكراهية تجاه جماعة عرقية أو قومية، أو أي شكل من أشكال الكراهية المبنية على التعصب، وكره الأجانب.

وتؤكد دراسات أن خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي تساهم في خلق ما يعرف بـ” غرف الصدى- Echochambers”، وهو مصطلح يشير إلى تعرض الأفراد للمحتوى الذي يتوافق مع تفضيلاتهم الشخصية أكثر من أي محتوى آخر، وبعبارة أخرى فإن هذه الخوارزميات قد تزيد من فرص تعرض الأشخاص ذوي النزعة العنصرية على سبيل المثال إلى محتوى إعلامي يصور المهاجرين واللاجئين كخطر على المجتمع.

وتعتمد فاعلية الخوارزميات في كشف المواد الدعائية للكراهية على جودة البيانات ومدى توفرها. ومما يثبت قدرتها على إدارة محتوى الكراهية لكن في الاتجاه السلبي لا الإيجابي هو الحذف التلقائي لكلمات متعلقة بمواقع فلسطينية مثل الأقصى وكل ما يدور في فلكه مثل: هاشتاق الأقصى. وكان التبرير وجود خطأ تقني، لكن ما حدث أن الخوارزمية مارست نوعا من التمييز ضد المحتوى الفلسطيني مع أنه ليس محتوى كراهية.

  • المحتوى الإباحي والعنيف: في بداية استخدام فيسبوك كان حظر الإباحية يعتمد على بلاغات المستخدمين، حيث يتم حظر المنشورات التي تتضمن إباحية أو عنفًا بعد مراجعتها من طرف مراقبين، لكن مع تجاوز عدد المستخدمين للمليارين، تمت الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في حجب المحتوى الإباحي والعنيف من خلال تحليل الصور ومقاطع الفيديو التي من المحتمل أن تتضمن هذا النوع من المضامين.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن خوارزميات الذكاء الاصطناعي لها دور فعّال في صناعة محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، شريطة أن يتم استخدامها في الاتجاه الصحيح والإيجابي، فالعلاقة بين الخوارزميات والمنصات الاجتماعية علاقـة وظيفية، فبالإضافة إلـى دورهـا الأساسـي والمـرتبط بتحديـد المضـامين حسـب اهتمامـات المسـتخدم وتفضيلاته، يمكن أن تكون لها وظائف أخرى تتعلق بإدارة المحتوى عبر هذه المواقع، خاصـة غير الأخلاقي والضار.

زر الذهاب إلى الأعلى