أضحت العلاقات العامة في السنوات الأخيرة موضوعًا بارزًا أكاديميًا وإعلاميًا ومحلًا للنقاش المؤسسي، كونها جزءًا لا يتجزأ من أي مؤسسة مهما كان نوعها أو حجمها، ويرجع ذلك لأن العلاقات العامة هي وظيفة تواصلية وإدارية مستمرة ومخططة تهدف إلى تحقيق وتقوية التواصل سواء مع الداخل أو الخارج.
فعلى الصعيد الداخلي، تعمل العلاقات العامة على خلق بيئة عمل مناسبة، وتنمية شعور العمال بالانتماء للمنظمة. أما على المستوى الخارجي، تسعى العلاقات العامة لكسب ثقة الجمهور وتوطيد العلاقة معه.
ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا إذا كان العنصر البشري فعالاً، ولهذا نجد أن النظريات الحديثة في الفكر الإداري وعلى وجه الخصوص الإدارة اليابانية تولي اهتمامًا كبيرًا للعنصر البشري وطريقة الإدارة القائمة على المشاركة في صنع القرار من خلال توفير المعلومات لجميع أعضاء المنظمة، فضلًا عن دعم وتشجيع أسلوب عمل الفريق.
وتعتبر مسألة اختيار العنصر البشري وفق متطلبات وشروط معينة في غاية الأهمية، خاصة في مجال العلاقات العامة نظرًا لأهميتها من ناحية، وطبيعة الأنشطة والمهام التي تقوم بها من ناحية أخرى، فيجب أن يتسم العاملون في العلاقات العامة بمجموعة من الصفات والمهارات الشخصية التي تسمح لهم بأداء مهامهم على أكمل وجه مثل المهارات الفكرية والوظيفية والإدارية والمعرفية، وكذلك مهارات الاتصال، وهي المهارة الأساسية، حيث يستخدم العاملون في العلاقات العامة مهارات الاتصال في جميع الأنشطة التي يمارسونها مثل تنظيم المعارض والمؤتمرات والتعامل مع وسائل الإعلام وحفلات الاستقبال والتعامل مع كبار الشخصيات وغيرها.
وفي هذا الإطار، نشرت المجلة الدولية للتواصل الاجتماعي في عددها الصادر في ديسمبر 2022 دراسة بعنوان “المهارات الاتصالية للقائم بالعلاقات العامة.. مقاربة نظرية” من إعداد الدكتورة كريمة بنان بجامعة الجزائر 3، تهدف الى الكشف عن المهارات الاتصالية الواجب توفرها لدى القائم بالعلاقات العامة، حتى يتمكّن من أداء مهامه على أكمل وجه.
- خصائص العلاقات العامة:
على الرغم من التعريفات المختلفة والمتعددة للعلاقات العامة ، فإن هناك مجموعة من الخصائص المشتركة لها، تتمثل فيما يلي:
- وظيفة إدارية أساسية للإدارة، فهي جهود مستمرة ومخططة، ولها أهمية أساسية فرضتها التطورات الأخيرة.
- وظيفة استشارية تنفيذية، لأنها تقدم المشورة للإدارة العليا حول كيفية التعامل مع الجماهير، وهي تنفيذية لأنها تنفذ خطط العلاقات العامة والبرامج والحملات.
- وظيفة تواصلية ذات تأثير متبادل، فهي تعكس وجهة نظر الجمهور للإدارة العليا ووجهة نظر الإدارة لجميع الجماهير المستهدفة، وذلك باستخدام جميع الوسائل والأشكال وقنوات التواصل المتاحة للمنظمة.
- تعتمد العلاقات العامة في ممارسة أنشطتها على المنهج العلمي القائم على دراسات وبحث مستمر وتخطيط علمي سليم، فهي ليست نشاطًا عشوائيًا بل هي نشاط منظم.
- مجال عمل العلاقات العامة وهدفه الأساسي هو الرأي العام، حيث تسعى العلاقات العامة للتأثير على توجهاته وكسب تعاطفه ودعمه بما يحقق المصلحة العامة للمؤسسة والجماهير المستهدفة.
وتوجد ثلاثة أنواع من التواصل في العلاقات العامة، وهي:
- النوع الأول: التواصل من خارج المنظمة إلى داخلها، ويشمل هذا النوع جميع المعلومات التي تتلقاها المؤسسة من خلال جمهورها الخارجي، ويتم ذلك باستخدام وسائل الاتصال المختلفة.
- النوع الثاني: التواصل من داخل المؤسسة إلى الخارج ويحتوي على المعلومات التي تريد المؤسسة إيصالها للجمهور الخارجي، وفي هذه الحالة تستخدم وسائل الاتصال الجماهيري.
- النوع الثالث: التواصل مع الجمهور الداخلي، الذي يمثله الموظفون والإدارة، ويتضمن المعلومات المتبادلة بين الأطراف الداخلية للمؤسسة.
- مهارات الاتصال لموظف العلاقات العامة
الاتصال هو جوهر عمل العلاقات العامة، حيث إنه يشكل وظيفتها الأساسية، بينما تظل الوظائف الأخرى مثل البحث والتخطيط والتنفيذ والتقييم وظائف مساعدة للوظيفة الرئيسية.
وقد تحدثت العديد من الدراسات المعاصرة في العلاقات العامة عن وجوب عكس عناصر العملية التواصلية، بمعنى أن تبدأ من الجمهور، أي خارج المؤسسة، وتنتهي مع المتصل في العلاقات العامة.
وتشير إلى أن الاتصال في العلاقات العامة يسمى الاتصال المقنع، وهو الاتصال الذي يسعى لتحقيق التوافق بين مصالح وأغراض المؤسسة من جهة، واحتياجات ومصالح الجماهير من جهة أخرى، وهذا ما جعل الباحثين يفرقون بين الإقناع الأخلاقي والإقناع غير الأخلاقي.
كما أوضحت أن أهمية مهارات الاتصال تكمن في كونها الوسيلة الأساسية لتطوير وتحسين بيئة العمل وتحقيق أداء المؤسسة، بجانب أنها تلعب دورا في التخطيط والتنظيم والتوجيه والتحكم، وتساهم بشكل كبير في زيادة ثقة الفرد بالنفس وقوة الشخصية وتساعد أيضًا في إدارة الأزمات والتعامل معها وتسهل عملية إصدار الأوامر والتعليمات بتنسيق مقبول للمرؤوسين، كما أنها مفيدة في عملية التوجيه ولها تأثير إيجابي على سلوك الأفراد وتدفعهم نحو تطوير الأداء وزيادة الإنتاجية.
واستعرضت الدراسة بعض مهارات الاتصال التي يستخدمها مسؤول العلاقات العامة في الأنشطة المختلفة المتعلقة بمجال عمله، وتمثلت في:
- مهارات الكتابة: تتميز الكتابة في العلاقات العامة بخصائص معينة تجعلها تختلف عن الكتابة الصحفية، فالهدف هنا هو إيصال الرسالة إلى الجماهير المستهدفة الداخلية والخارجية، ولتحقيق ذلك من خلال الكتابة لا بد من استخدام لغة صحيحة يمكن فهمها بسهولة، واحترام القواعد اللغوية والأساليب البسيطة والإيجاز في التعبير والوضوح في كل من العرض والغرض والمحتوى.
- مهارة الاستماع: يمكن اكتسابها وتعلمها وتحسينها من خلال الممارسة العملية للاستماع، والتي تشمل عناصر لفظية مثل المفردات والصياغات وتوجيه المناقشة والسلوك العملي والصوت، أما العناصر غير اللفظية فتتعلق بحركة الجسم واليدين وتغير تعبيرات الوجه، والمناخ والبيئة.
- مهارة الإقناع والحوار: يجب على المسؤول عن العلاقات العامة مراعاة ما يلي:
- الالتزام بالوقت المحدد في الحوار وعدم إطالة أمده للآخرين مما يترك أثرًا سلبيًا، لذلك يجب تقدير الطرف الآخر واحترامه.
- عدم الحديث بغير علم، لذلك لا بد من قول الحقيقة عند نقل المعلومات، والحفاظ على الأخلاق الحميدة، والعمل على تقويم الرأي المقدم بالأدلة العلمية والعملية.
- العمل على رفع الروح المعنوية للمحاور.
- مهارة التحدث: يمكن تعريف مهارة التحدث على أنها استخدام الرموز اللفظية ونبرة الصوت في التواصل مع الآخرين، وتعتبر وسيلة أو طريقة أساسية يعبر من خلالها المرسل عن أفكاره أو آرائه للمستقبل.
وتتكامل هذه المهارة مع مهارات أخرى مثل مهارة الكتابة والقراءة والاستماع التي يجب أن تكون متاحة لمسؤول العلاقات العامة، كما أن عليه تحديد الجمهور المستهدف قبل الحديث، أي إلى من سيتوجه بالحديث.
- مهارة القراءة: ترجع أهمية مهارة القراءة بالنسبة لمسؤول العلاقات العامة إلى سببين رئيسيين، وهما:
- الحصول على المعلومات المطلوبة من المصادر وفهمها، ومن ثم رفعها إلى الإدارة العليا التي تتخذ قرارات التغيير نحو الأفضل.
- تمكن مسؤول العلاقات العامة من اكتساب لغة سليمة وطريقة مناسبة ومنظمة في التفكير والتعبير.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن العلاقات العامة هي وظيفة إدارية واتصالية تسعى إلى كسب ثقة الجمهور، سواء كان داخليا أو خارجيا، وتستخدم جميع الوسائل والأشكال وطرق الاتصال التي تراها مناسبة لربط علاقاتها بالجماهير، ولذلك يجب أن يمتلك المسؤول عن العلاقات العامة مجموعة من الصفات حتى يتمكن من أداء واجباته على أكمل وجه ممكن، مثل اللباقة والشجاعة وحسن المظهر بالإضافة إلى المعرفة بالشؤون الإدارية والتحلي بقدرات تواصلية ومعرفية وفكرية.